«المشكلة الفلسطينية» انتهت إلى نفق مظلم في دهاليز المعاهدة

في خطوة أذهلت العالم، وأفقدت العالم العربي توازنه، توجه الرئيس المصري أنور السادات إلى تل أبيب في نوفمبر 1977 تلبية لدعوة رسمية من رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، من خلال خطاب لافت للسادات أمام مجلس الشعب (البرلمان) المصري، قال فيه إنه مستعد للذهاب إلى أي مكان في العالم حتى إلى الكنيست، في سبيل ألاّ يقتل أو يجرح جندي مصري واحد.

وأكد السادات في خطابه أنه لم يأت من أجل سيناء أو سلام منفرد، وإنما طلبا لسلام شامل، يتضمن حلا جذريا للصراع في الشرق الأوسط، خصوصاً جوهره المتمثل في القضية الفلسطينية، وحدد بما لا يحتمل أي التباس الخطوط الرئيسة لأية تسوية، حيث لا تخرج عن المبادئ التي كانت تتداولها أطراف الصراع والدول الكبرى المعنية وأبرزها:

الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ يونيو حزيران 1967 وذلك تطبيقا لقرار مجلس الأمن الدولي .242

إعطاء الحكم الذاتي الشامل للشعب الفلسطسيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة انتقالية، لا تزيد عن خمسة أعوام، مع احتفاظ إسرائيل بالأمن، على أن يتم بعد ذلك إجراء استفتاء ترعاه الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، أو كلتاهما يقرر الفلسطينيون من خلاله إما الدخول في صيغة اتحاد مع إسرائيل أو الأردن، أو صيغة اتحاد ثلاثية فلسطينية إسرائيلية أردنية، على غرار اتحاد دول البينيلوكس، وهي هولندا وبلجيكا ولكسمبورغ، أو اختيار حقه تقرير مستقبله ومصيره بنفسه، والذي يعني تلقائيا إقامة دولة فلسطينية مستقلة يمكن أن تدخل لاحقا في صيغة اتحاد مع الأردن.

تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وتعويضهم.

اعتراف الدول العربية رسميا بحق إسرائيل في الوجود، ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ويعني ذلك تبادل السفارات وقيام أشكال من التعاون. وعلى الرغم من معارضة العرب والمعارضة المصرية لمبادرة السادات، إلا أنهم أبدوا ارتياحا كبيرا غير معلن للأفكار التي عرضها في خطابه أمام الكنيست، والذي قوبل بترحيب عالمي، ولاسيما من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين اعتبروا زيارة الرئيس السادات لإسرائيل خطوة تاريخية كبيرة، وتوفر فرصة هائلة لتحقيق السلام، ولكن لم يكن جوهر المسألة في الترحيب الدولي أو الخوف من عدم الارتياح العربي، وإنما في التهديد الخطير، المتمثل في مواقف إسرائيل المتطرفة وإدخال المفاوض المصري في دائرة مفرغة من الجدل.

ويقول الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل أن أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي آنئذٍ مناحيم بيغن حول الشق الفلسطيني من المبادرة المصرية كانت موضع اتفاق بينه وبين الولايات المتحدة، و أنه:

لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

لا دور لمنظمة التحرير الفلسطينية على الإطلاق في أي مفاوضات.

لا بد للقوات الإسرائيلية من البقاء في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى بعد انتهاء مدة الأعوام الخمسة الانتقالية، وبعد إجراء الاستفتاء، هذا إذا حدث.

التنازلات

انتهت باتفاقات كامب ديفيد في ديسمبر 1978 بجملة تنازلات، معظمها وقع ما جرى في اليومين اللذين سبقا التوقيع طبق شهادات مفاوضين مصريين شاركوا فيها، وفي مقدمتهم وزير الخارجية السابق محمد إبراهيم كامل . وتم ذلك بفعل أساليب الابتزاز والإلحاح والتهديد والوعي التي لجأ اليها بيغن مع الرئيس الأميركي جيمي كارتر الذي تبدّى منه ضعف كبير جعله عاجزا عن ممارسة الضغط اللازم على إسرائيل . وشملت التنازلات التراجع عن المطالبة بمبدأ الانسحاب من الأراضي العربية استنادا للقرار ،242 ليحل محله مبدأ قابلية كل شيء للتفاوض، وكذلك جوهر الموقف المصري من القضية الفلسطينية.

القدس

كانت القدس الشرقية من أولويات اهتمامات الجانب المصري الذي قدم عدة مشروعات بشأنها، تدعو جميعها إلى عودة ذلك الشطر المحتل منذ 1967 من المدينة إلى السيادة العربية والإسلامية، وفقا لمبدأ عدم جواز حيازة أراضي الغير بالقوة، إلا أن إسرائيل رفضت جميع تلك الصياغات. أما الجانب الأميركي، وعلى الرغم من موقفه الرسمي المعلن والمعروف للعالم، بشأن عدم الاعتراف بإجراءات إسرائيل في القدس الشرقية، واعتبارها القدس عاصمتها الأبدية والموحدة، واعتبار الأميركيين لها أرضا محتلة كسائر مناطق الضفة الغربية، إلا أنه قدم مشروعات عائمة تتحدث عن حرية الانتقال وحرية العبادة، وأن تكون الأماكن المقدسة لكل ديانة خاضعة لممثليها، إلا أن تلك المشروعات لم تكن حاسمة أو واضحة، لأنها لم تتعرض لمسألة السيادة على القدس أو مصيرها النهائي، ما دفع الجانب المصري إلى رفضها. في نهاية المطاف، تم الاتفاق بين الرئيسين السادات وكارتر على إسقاط الإشارة إلى القدس من النص النهائي للاتفاقات.


تويتر