تصريحات عنصرية تطلق عاصفة على عائلــة نهرو - غاندي
أشعلت عبارات غير ودية أطلقها فارون غاندي، حفيد الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، ضد مواطنيه الهنود المسلمين، جدلاً شرساً في مختلف أرجاء شبه الجزيرة الآسيوية، قبيل انتخابات الهند التشريعية الشهر الجاري، كما وضعته أمام مواجهة ساخنة مع عائلته، حيث أغلقت عليه والدته الباب في ما يشبه اجتماع الأزمات، سعياً إلى حل ما تسبب فيه من شرخ لكيان العائلة .
ومنذ حديثه المثير للمشاعر الذي أقسم فيه أنه سيقطع «حلاقيم المسلمين»، ظل فارون يسعى جاهداً ليتجنب كل ما يجذب إليه الأضواء التي كان من قبل حريصاً على اجتذابها .
اندلع الجدل الذي أحاط بفارون جراء حديث له مسجل بالفيديو في السابع من مارس الماضي في مهرجان انتخابي في الدائرة الجغرافية لاتار براديش التي تسيطر عليها في الوقت الراهن والدته، حيث أعلن في حديث منقول بالفيديو أن «على جميع الهنود الهندوس الوقوف على هذا الجانب، وإرسال البقية الباقية من الشعب إلى باكستان»، رافعاً كفه الأيمن، قائلاً إن هذه اليد تمثل «زهرة اللوتس»، في إشارة إلى شعار حزب بهارتيا جاناتا المتشدد قومياً، وإنها ـ أي كف يده ـ بعد الانتخابات «ستقطع حلوقهم».
وجاءت الإدانة سريعة جداً، وتم تحرير شكوى ضده في الشرطة، وأوصت لجنة الانتخابات بعدم اعتماده مرشحاً، وادعى فارون في ما بعد أن التسجيل تعرض للتزوير.
وعقّب رئيس الوزراء مانموهن سينغ على ذلك قائلاً إن اعتماد حزب بهارتيا ترشيح فارون أمر «مخجل»، وقالت ابنة عمه بريانكا فادرا إن تعليقات فارون تعتبر إساءة لاسم نهرو ـ غاندي، وأضافت «إنه لأمر محزن أن نسمعه يقول ذلك كله. وفي أي حال، ما قاله يعتبر ضد مبادئ عائلة غاندي التي عاشت وماتت من أجل تلك المبادئ».
وأثار حديثه استهجانا وشجبا كثيرين، وأشعل فتيل الجدل حول الشكل الذي تسعى الدولة الهندية لتبنيه، فهل ستظل تلك الدولة التي تقسمها الخلافات الدينية والعرقية، أم تطمح إلى أن تكون دولة التسامح التي يوحدها التنوع.
وسلط هذا الجدل الأضواء مرة أخرى على إرث هذه العائلة السياسية الكبيرة التي تعود أصولها للزعيم الهندي نهرو، فهي من أشهر العائلات السياسية في جنوب آسيا، التي لايزال اسمها يشكل قوة سياسية طاغية. وفي حقيقة الأمر، لا تقتصر العائلات السياسية في جنوب آسيا فقط على الهند، وإنما هناك أيضا أجيال من الساسة الأقوياء الذين خرجوا من عائلات سياسية متنفذة في باكستان وبنغلاديش وسريلانكا ونيبال، إلا أن أياً منها لم يتمتع بالاستمرارية الطويلة التي حظيت بها هذه العشيرة السياسية الأولى في الهند .
ويعتقد معلقون سياسيون كثيرون أن تلك العبارات المثيرة لمشاعر المسلمين لو نطق بها أي عضو برلماني متطلع للسلطة قد يكون التعامل معه مختلفاً، حيث سيتم اعتقاله بتهمة إثارة القلاقل العامة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جواهر لال نهرو، فاليريان رودريجز، «السلطة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه العائلة التي لديها القدرة أيضا لتقديم الدعم السياسي لأطراف أخرى»، ويضيف « لدى الأسرة حضور ضاف في عقول الشعب والصفوة والطبقة الوسطى وعالم المؤسسات في الهند».
ويعود نسب فارون إلى جده الأكبر جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء هندي، وهو الذي خاض حرباً مريرة من أجل الاستقلال جنبا إلى جنب مع الزعيم الروحي الهندي المهاتما غاندي. واكتسب فارون لقبه من جدته أنديرا غاندي ـ ابنة نهرو التي اكتسبت اسم غاندي بعد زواجها من فيروز غاندي. والد فارون هو سانغي غاندي، الابن الأصغر لأنديرا الذي لقي حتفه في حادث تحطم طائرة عام .1980
وبعد وفاة والده، اختلفت والدته مانيكا مع أنديرا لتنسحب من منزل العائلة. ومنذ ذلك الحين، تم إقصاء ذلك الفرع ليس فقط من العائلة، وإنما أيضاً من حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وأصبحت مانيكا، وهي شخصية قيادية نشطة في حركة حقوق الخضريين والحيوانات، عضواً برلمانياً في الجناح اليميني للحزب الهندوسي «بهارتيا جناتا». ولصالح ذلك الحزب يترشح ابنها فارون، ويجد نفسه في مواجهة خصمين مختلفين، أحدهما عمته سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر الهندي، وابن عمه راؤول غاندي العضو البرلماني.
وبالمقارنة مع فارون، تسلم فإن راؤول غاندي قبل فترة منصب الأمين العام للحزب، وهناك حديث يدور في أروقة حزب المؤتمر عن أن الحزب إذا كسب مقاعد كافية في انتخابات هذا العام، سيصبح راؤول، الشخصية الخجولة جداً من الإعلام، رئيساً للوزراء في الحكومة الائتلافية المقبلة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه فارون في ما يبدو للحصول على أصوات اليمين المتطرف، فإن حملات راؤول الانتخابية تركز على روح تقاليد أجداده، سعياً إلى الوصول إلى جميع طوائف الشعب الهندي.
وعلى الرغم من الشجب الواسع الذي تعرض له فارون، فإن حزب بهارتيا رفض عدم تنحيته عن الترشيح. ورفضت المتحدث باسم الحزب سيدهارث سينغ، الاتهامات بأن الحزب اتخذ خطوة معيبة بدعمه لفارون على أسس عائلية . ويقول سينغ « حزب المؤتمر هو الحزب العائلي الوحيد، وخلافاً لأحزاب اليسار، فإننا الحزب الوحيد الذي يمارس الديمقراطية داخله».
ويرى مراقبون أن حزب بهارتيا جاناتا على الرغم من ادعائه أنه انتقل إلى الوسط، فإنه يشعر بالسرور من تبنى فارون لموقف الجناح الأيمن الوطني، في سعيه لتأمين ما يطلقون عليه «صوت هندوتفا». إضافة إلى ذلك، فان وجود شخص مثل فارون في حزب بهارتيا، ينتمي لعائلة نهرو من شأنه أن يحدث مضايقة لأفراد العائلة في حزب المؤتمر المنافس.
يعتقد الصحافي الهندي المخضرم ام كي دار أن حزب بهارتيا سيستخدم فارون ووالدته على المستوى المحلي، وعلى الرغم من كراهيتهما لأنديرا غاندي، إلا أنهما سيستخدمان اسم العائلة للفوز بمقعدين في الانتخابات، حيث أن هذه انتخابات حاسمة وأي مقعد إضافي سيضيف قوة لكاسبه.
دخل فارون غاندي المعترك السياسي في سن مبكرة، فحينما كان في التاسعة عشرة من العمر، جعلته والدته مرافقاً لها في اجتماعاتها وحملاتها الانتخابية، وبدأ يخاطب التجمعات الجماهيرية خلال هذه الحملة الانتخابية، وألّف ديواناً من الشعر أطلق عليه «نفس أخرى».
تم استخدام فارون نجماً لحملة بهارتيا جاناتا الانتخابية لعام ،2004 حيث هاجم عمته سونيا غاندي زعيمة حزب المؤتمر، ونعتها بأصولها «الأجنبية»، قائلاً إنه لا يوجد هندي واحد يرغب في أن يكون أجنبي زعيماً له، لكنه عاد ونفى ذلك وقال إنه يضع عمته سونيا في مكان عالٍ.
وفي إجابة عن سؤال طرحته عليه «بي.بي.سي» في أكتوبر ،2005 عن سبب انضمامه لحزب بهارتيا جاناتا في الوقت الذي تقود فيه عائلة نهرو ـ غاندي «حزب المؤتمر»، رد قائلاً إن «حزب المؤتمر» «ليس مجرد حزب، وإنما مجموعة من الأفكار الأيديولوجية التي ساندتها عائلتي، وأنا ملتزم بتلك القيم، بيد أن (حزب بهارتيا) جاء ليمثل قيم الوطنية والعلمانية».
وفي اجتماع في السادس من مارس هذا العام، قال «إذا رفع شخص ما يده ليضرب الهندوس، أو حتى يفكر أنهم أناس ضعفاء، ولا يوجد شخص خلفهم، فإنني أقسم بأن أقطع تلك اليد». وكان قد أطلق عبارات ازدرائية ضد الأب الروحي للهند المهاتما غاندي