القرصنة باقية في الصومال حتى التخلص من «ثقافة البنادق»
نطلق على هؤلاء الناس اسم قراصنة، لكن اللصوص الصوماليين الذين يقومون حالياً بأعمال إرهابية ضد طرق الشحن في المحيط الهندي يعرفون في منطقة القرن الإفريقي باسم «شوفتا».
وعلى الرغم من أن «شوفتا» كلمة غير شائعة، إلا أنها تمثل مفتاحاً لفهم ما يجري قبالة السوحل الصومالية، حيث تعني الكلمة في الصومال المتمرد، أو الخارج على القانون، أو الثوري، طبقاً للجماعة التي يعمل معها. وفي ظل الفوضى التي تعم الصومال، يكون القتلة والمجرمون خليطاً من القراصنة وأمراء الحرب والخاطفين والمتشددين الإسلاميين. ومعظم هؤلاء من الشبان والرجال الغاضبين بسبب عدم تعلمهم ووجود أي مستقبل أمامهم، إضافة إلى كميات السلاح الكبيرة المنتشرة في البلد .
ونشأت كلمة «شوفتا» في القرن التاسع عشر كنوع من الميليشيا المحلية في الجبال الريفية في الشمال الشرقي لإفريقيا، لكنها تطورت في ما بعد لتعني «الخارجين على القانون»، و«سارقي الماشية»، و«قطّاع الطرق» الذين يجولون في المناطق الحدودية للسرقة والقتل. ولطالما حاولت سلطات الاستعمار البريطاني السيطرة على نشاطات «شوفتا»، غير أن العصابات المسلحة لعبت دوراً مهماً في مقاومة الاستعمار الإيطالي في إثيوبيا، وما يسمى أرض الصومال، في أثناء الحرب العالمية الثانية.
واتسم الـ«شوفتا» بالهمجية الفجة، ووصف ضابط في الجيش البريطاني الذي كان يرابط في المنطقة الحدودية الشمالية في كينيا عام 1942 هؤلاء اللصوص بأنهم عصابات صومالية على درجة عالية من التسلح. وقال «إنهم خارجون على القانون وعديمو الرحمة، ويقتلون من أجل القتل، ويعتبرون الحياة البشرية رخيصة جدا بالنسبة لهم». وكان يقال أن الـ«شوفتا» كانوا يمثلون بأسراهم قبل قتلهم ببطء .
ولاتزال الكلمة تستخدم لوصف عصابات اللصوص في الصومال وإريتريا وكينيا وإثيوبيا. لكن «شوفتا» تعني أكثر من مجرد لصوصية، إذا قد تشير إلى التمرد ضد سلطة غير محببة. وكان اثنان من أباطرة إثيوبيا في القرن التاسع عشر من الـ«شوفتا».
وذكر الكاتب البريطاني إريك هوبسبون إن بعض اللصوص صاروا أبطالاً في أعين الناس، لأنهم كانوا يسرقون الأغنياء ويعطون الفقراء. وتنطوي «الشفتانت» على هذه الخاصية في الخارجين على القانون. وانطبق ذلك بالضبط على ما فعله القراصنة الصوماليون في بحار شرق إفريقيا، إذ أنهم اتبعوا أسلوبا يقضي بالامتناع عن قتل البحارة، واقتسام الغنائم بين العصابات، وكان ينظر إلى هؤلاء في مجتمعهم على أنهم أبطال وطالبو رزق، وأنهم نوع من المافيا البحرية تؤيد النظام الاجتماعي وتقاوم القوى الغربية. وتم تمجيدهم، ورويت عنهم القصص الرومانسية عندما كانت الحكومة ضعيفة.
وباتت الصومال أكثر أماكن العالم خطراً، حيث عانت هذه الدولة من 14 فشلاً لحكومتها خلال عقدين من الزمن. وكانت القرصنة المنتج الوحيد لهذه الدولة، وتمكن الـ«شوفتا» من جمع 150 مليون دولار في العام الماضي. ومنذ فبراير الماضي، هاجم القراصنة 78 سفينة وخطفوا 18 سفنية، وأخذوا أكثر من 300 رهينة من نحو 12 دولة. وينظر إلى القرصنة الصومالية عادة على أنها مشكلة اقتصادية أو حتى تهديد عسكري ينبغي حله باستخدام قوة قاسية، بيد أنها من الناحية العميقة تعتبر قضية ثقافية، أي عودة إلى شكل من السلوك عالق في التراث الصومالي.
وفي واقع الامر، يعني اقتلاع القرصنة من الصومال اقتلاع أسطورة روبن هود من رؤساء عصابات القرصنة الصوماليين وإعادة بناء مؤسسات اجتماعية، وإعادة تعليم جيل تربى على العنف وتقديم أشكال بديلة من التوظيف. ولن يكون هناك سلام في البحر قبالة الصومال حتى يكون هناك شكل من حكم القانون على الأرض.
وتجاهل العالم كله الوضع المتفاقم في الصومال لسنوات ، وتأخذ الجريمة المنظمة طريقها إلى ما تبقى من الدولة الصومالية. ولطالما كانت حياة القراصنة الصوماليين سيئة ومتوحشة، وعادة ما تكون قصيرة. وتكون المراكب التي يستخدمها القراصنة سيئة، في حين أن قراصنة عديدين لا يحسنون السباحة. وكانت واشنطن تعهدت أخيراً بوقف القرصنة، لكن ذلك لايمكن القيام به عن طريق البنادق فقط، ولن يحدث ذلك حتى تتخلص الصومال من «ثقافة البنادق».
وعند النزول في مطار مقديشو في هذه الأيام، يتعين على الراكب أن يملأ استمارة تحوي تفاصيل عن الاسم والعنوان، ونوع السلاح الذي يحمله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news