استعباد ملايين الأطفال الهنود نظير ديون آبائهم

طفل هندي يعمل في مصنع طوب بضواحي مدينة سلغارد. رويترز

ملايين الأطفال في الهند يخضعون للعمل عبيدًا لتسديد ديون تتعلق بعائلاتهم، ومن ضمن هؤلاء الأطفال الطفلة فينوثيني التي لم تسمع أبداً بفيلم المليونير المشرد، ولا حتى عن تلك الادعاءات بأن الطفلة روبينا علي، احد أبطال الفيلم، عرضها والدها لمن يتبناها بمبلغ 200 ألف جنيه إسترليني.

فعلى بعد 600 ميل من مدينة مومباي، في قلب المنطقة الريفية لتاميل نادو، تعلم فينوثيني البالغة من العمر 14 عاماً بتجارة استرقاق الأطفال في الهند، وتصحو هذه الفتاة عند الرابعة صباحاً لتعمل حتى السابعة مساءً في صناعة الحبال في مصنع يقع بجانب الطريق تحت شمس الجنوب الحارقة.

وتعمل هذه الفتاة لتسديد مبلغ 35 ألف روبية (480 جنيهاً إسترلينياً) قبضها والدها من مالك المصنع قبل مولد الفتاة نفسها. وتقول فينوثيني «لن نستطيع أبدا الحصول على هذا المبلغ»، وتضيف «اننا فقراء ولا احد يهتم بنا، ولهذا السبب فإنني اعمل كالرقيق».

مونيشا البالغة من العمر 11 عاماً تعتبر حالة أخرى من حالات الاسترقاق هذه، باعها والدها نظير ما يعادل 150 جنيهاً إسترلينياً لصاحب مصنع عندما كان عمرها سبع سنوات لتصبح واحدة من جيش يقدر عدده بـ15 مليون طفل من المسترقين في الهند.

وتمارس مونيشا أسوأ أنوع العمل الذي يضعه قانون منظمة العمل الدولية تحت فئة الأعمال التي تسبب ـ من بين امراض اخرى ـ تدمير البصر، وامراض الرئة، وايقاف نمو الأطفال، والتهاب المفاصل. ولا يمكنها مغادرة المصنع الا بعد تسديد ذلك المبلغ الذي قبضه والدها من صاحب المصنع، ولن تستطيع ان تدفعه لأن فوائد المبلغ تفوق الأجر الذي تتقاضاه، وستظل ترسف في قيود الاسترقاق ربما الى الابد.

ويحرم القانون الهندي منذ 30 عاماً هذه الترتيبات المتعلقة بالعمل الاسترقاقي، لكنها ظلت حية خصوصاً في القرى النائية. ويعمل الأطفال في مصانع الملابس التي تثير شهية الغرب لرخص ثمنها، ويلقحون القطن المعدل وراثياً، ويصنعون الطوب المستخدم في الطفرة العمرانية الهندية، ويزرعون الزهور التي يتم تقديمها للآلهة.

ويقول الخبراء ان معظم ملاك المصانع يفضل هذا النوع من العمل لأن الأطفال لا يشتكون ولا يلجأون للإضراب عن العمل او يطالبون بفترات راحة إضافية، ومن السهل تخويفهم، ويوافق آباؤهم اليائسين على دفع سعر الفائدة العالي الذي يصل في السنة الواحدة لما يراوح بين 30 و40٪ من إجمالي المبلغ المدفوع.

ويقول عضو منظمة باشوبان باشاو اندولان لتحرير الأطفال، بوفان ريبو «ان استغلال الأطفال تغلغل في داخل نسيج الصناعة الهندية ومن النادر أن تجد منتجاً هندياً خالياً تماماً من هذا الرجس».
وأقامت منظمة خيرية بريطانية أكثر من 10 مدارس أطلقت عليها «بسمة» في منطقة تاميل نادو لتأهيل الأطفال الذين يتم إنقاذهم من أغلال العبودية. هذه المدارس التي تمولها منظمة افيري تشايلد تركز على تعليمهم كيف يلعبون، ويتعلمون لأول مرة في حياتهم.

معظم هؤلاء الأطفال قضى سنوات عديدة يعمل لما يصل الى 14 ساعة في اليوم. وتهدف هذه المدارس الى اعدادهم للانضمام للمدارس العامة والاندماج في الحياة العادية.

ويرتبط عمل استرقاق الاطفال بنظام الطبقات الاجتماعية في الهند، حيث ان اطفال تاميل نادو المرتبطين بهذا العمل من طبقة الارنزاتيار، وهي مجموعة مكونة من 100 مليون شخص يتم تصنيفهم دون طبقة الداليتيس أو (المنبوذون).

ويعاني الكثير من هؤلاء الأطفال لسوء المعاملة، وتقول الاميلو، احدى زعماء مجموعة نساء الارنزاتيار اللاتي يحاولن الكشف عن هذا النوع من الاسترقاق ـ تقول«ان خادمات المنازل والمصانع وجامعات الأزهار قد يكن منبوذات خلال النهار، لكن الوضع يصبح مختلفاً في المساء».

ويبدو أن الأطفال الذين يتعرضون لإساءة المعاملة يصبحون محبطين اكثر من كونهم خائفين. ساتيش البالغ من العمر 13 عاما يبدو طفلاً شجاعاً ترتسم على محياه بسمة التحدي كما تعلّمها من موظفي المنظمات غير الحكومية التي أهلته، لكنه عندما شرح الظروف في المزرعة التي يعمل فيها الى ما يصل 16 ساعة في اليوم، انفجر باكيا.

وكان سيده يضربه بقسوة أربع او خمس مرات في اليوم خلال العامين السابقين، وكان والده قد قايضه نظير سلفية تبلغ 5000 روبية (70 جنيهاً استرلينياً)، ويقول استغل والدي هذا المبلغ في بناء منزل وشراء جهاز تلفزيون.

ويكشف هجوم حكومي على شركة تعمل على توريد الاطفال الأرقاء في بنجابي بنغال، عن الكثير عن أساليب هذه التجارة البغيضة، حيث أسفرت هذه الحملة الرسمية عن تحرير 35 فتاة تبلغ أعمارهن بين 11 و 18 عاماً، وكان آباؤهن قد تقاضوا مقدماً مبالغ تصل في مجملها الى 1000 روبية.

ومن سخريات القدر ان تتم مواجهة الشخص الذي يدير تلك الشركة بتهمة خيانة الأمانة، ويعتقد النشطاء في هذا المجال أن مثل هذه التهم تعكس التراخي الرسمي في إنهاء تجارة الأطفال.

الديون التي تتحملها اسر هؤلاء الأطفال تنتقل من جيل إلى جيل. وتعمل ديبا (13 عاما) وبيرثا (ثمانية اعوام) في احد المناجم في مدراس منذ طفولتهما الباكرة، وتعملان في هذا الموقع نظير دين يبلغ 10 الاف روبية قبضها جداهما منذ أكثر من 25 عاماً.

عن ذي تايمز

تويتر