التغيّرات السياسية توقظ «ملف المخدرات»
تجدد ملف قضية المخدرات بعد إحضار أحد المتهمين الرئيسين فيه من العاصمة السنغالية داكار، ومباشرة الاستماع إليه فى نواكشوط، أو إذا عدنا سنوات إلى ملف مشابه تمت إثارته فى نهاية التسعينات إبان فترة حكم الرئيس المخلوع معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، والذي تسبب حينها فى سجن ضباط كبار فى الأمن الموريتاني، أمثال الكراني وغيره، قبل أن ترفع التهمة عنهم ويعاد إليهم الاعتبار، ثم يصدر أمر من رأس الهرم الحاكم حينها بان يطوى الملف نهائيا حين تأكد لديه استغلال جهات أمنية وسياسية عليا فى الدولة الملف لتصفية الحساب مع ضباط لم تجد للوصول إليهم وسيلة أسهل من إلصاقهم بتهمة تصعب على التحقيق، في دولة تلعب فيها العلاقات الشخصية والنفوذ السياسي دورا به يمكن تحريف كل شيء.
وإذا كان ولد الطايع شخصيا، حسب ما أكد أكثر من مصدر موريتاني، هو من تدخل حينها لطي الملف، اعترافا منه بتعقيده وخطورة المتابعة فيه، بعد أن تم استغلاله بذكاء من جهات لا يستبعد بعضهم أن تكون هي ذاتها ضالعة بشكل أو بآخر فى التجارة نفسها، فإنه وبعد سقوط نظام ولد الطايع بقليل، أعاد الأمن الموريتاني الاهتمام إلى الموضوع بجدية، خصوصا بعد أن تمت تحويلات ضباط كبار عن مراكز أمنية مهمة، مثل إزاحة دداهي ولد عبدالله، الذى ظل على تلك الإدارة طيلة فترة حكم ابن عمه الرئيس ولد الطايع، ما مكن الأمن الموريتاني وبسرعة من الحصول على معلومات وافية عن أكبر عملية شحن للمخدرات، يتم رصدها ساعة عبورها التراب الموريتاني عن طريق مطار نواذيبو، وينجح بالفعل في إلقاء القبض على كامل الكمية فى مشهد يؤكد أن البلاد كانت ومنذ سنوات معبرا وديعا لتجارة الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى أوروبا.
ألقي القبض على عناصر الشبكة المباشرين، وأعادت السلطات الموريتانية فى عهد الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبدالله فتح الملف، وهي واثقة بأنه وفى ظل نظام ديمقراطي شفاف ستكون نتائج التحقيق نزيهة ولن يظلم أحد، غير أنه لم يمض شهران على تشكيل اللجنة الأمنية المكلفة بمتابعة التحقيق فى الملف، حتى ظهر الانشقاق بين الأعضاء الأساسيين، مع تسريبات تقول إن من بين أعضاء اللجنة من يحاول استغلال الملف لتصفية خصومه عن طريق فبركة التهم ضد شخصيات أمنية كبيرة وهو ما يعود بالذاكرة إلى الطريقة ذاتها والنهج نفسه الذي تم تنفيذه نهاية التسعينات.
توقفت اللجنة، وتم تجميد الملف الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع سيدي ولد الشيخ عبدالله، وحدث انقلاب السادس من أغسطس2008 .
ويظهر لاعبون سياسيون جدد، وجدوا أن في الساحة من لايرضيه ذلك الانقلاب، بل ويرونه أكثر من ذلك يعمل ضد الأجندة التي وضعوها لتثبيت حكمهم في البلاد، العقيد أعلي ولد محمد فال، رئيس موريتانيا فى المرحلة الانتقالية من 2005 إلى .2007 وفجأة يعاد الحراك إلى ملف التجارة المحرمة دوليا، وتصر جهات عليا فى السلطة على إحضار التاجر الفرنسي من أصل إفريقي «أريك مبينغا»، المتهم بقيادة الشبكة التي تم اعتقال معظم عناصرها في نواكشوط، وحتى قبل أن يصل «إريك» إلى نواكشوط، ويتم الاستماع لشهادته، قامت جهات خاصة بتسريبات غاية في الخطورة ضد الضابط محمد عبدالله ولد آد الذي يقال إنه من أكثر الضباط حظوة عند العقيد ولد فال، وربطت بين سفره لإجراء امتحانات في دولة مجاورة وإحضار المتهم، ما رأى فيه بعض المحللين محاولة البعض التخطيط لطبخة سريعة قد لا يكون المستهدف منها ولد آد وحده، بل قد تطال لو نجحت شخصيات سياسية وأمنية كبيرة فى موريتانيا، قبل أو بعد انتخابات السادس من يونيو 2009 .
أمس الأول، وحسب مصادر عليمة حصل عليها «أنباء»، تم إلحاق مدير أمن الدولة السابق السيد دداهي بلجنة التحقيق الجديدة التى تباشر التحقيق مع المتهم «إريك»، وهو ما يثير استغراب الكثيرين خصوصا مع إبعاد مدير الشرطة القضائية وعناصر الإنتربول المفترض أن لهم على الأقل من حيث الاختصاص معرفة بنوع المعلومات التي يفيد التحقيق انتزاعها من المتهم، بعيدا عن أسلوب الفبركة والتأويل الذي قد يشم منه البعض رائحة المؤامرة، كما قد يتهمه البعض الآخر بإبعاد التحقيق عن وجهته الحقيقية.