اعتذارات أوباما عن «أخطاء واشــــــنطن» إشــارة قـوة
«لن اعتذر أبدا عما فعلته الولايات المتحدة، ولا آبه مهما كانت الحقائق»، هذا هو التقليد الذي سار عليه الرئيس الاميركي الأسبق، جورج بوش الأب عام 1988 والذي أصبح شائعا في ما بعد خلال عهد ابنه الرئيس السابق جورج بوش، ويعتبر ذلك ملخصا مركزا للمدرسة التفكيرية في الولايات المتحدة.
ويعتقد العديد من المحافظين الأميركيين بأن إحدى نقاط الضعف التي يتميز بها خصومهم الليبراليون تتمثل في إطلاق الاعتذارات هنا وهناك نيابة عن البلاد، وفي وقت ما وصفت المحافظة الأميركية، جين كريكباتريك، الليبراليين بأنهم الأشخاص «الذين ينسبون اللوم أولا لأميركا».
والآن يشكو المحافظون وبصوت عال بأن واحدا من الليبراليين الذي يحبون «جلد الذات كثيرا» يجلس في المكتب البيضاوي، محقرا ذاته وبلاده أمام الأجانب، ويشتكون من أن الرئيس الاميركي، باراك اوباما، حول نفسه إلى «رئيس أركان اعتذار دولي»، ويقول مقدم البرامج الإذاعية المحافظ، روش لمبورغ، إن الرئيس «كلما ذهب الى مكان ما يوزع الاعتذارات هنا وهناك نيابة عن الولايات المتحدة».
وفي صحيفة «نيويورك تايمز» جلد المعلق السياسي، جيمس كريشك، الرئيس اوباما بسياط حداد «لجولة اعتذاره الدولية العظيمة هذا الربيع»، وبدا الامر كما يقول كريشك، في المقابلة التي اجراها تلفزيون العربية مع اوباما والتي دعا من خلالها الى «احترام متبادل» بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، وان اوباما كرر «الوزر» نفسه في حديث دعا من خلاله الى الحد من انتشار السلاح النووي، عندما ذكر «ان الولايات المتحدة بوصفها القوة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في العالم فإن لديها مسؤولية اخلاقية للعمل حيال ذلك». ثم انه «قدم المزيد من الاعتذارات في تركيا»، عندما تحدث عن «الثقة المتوترة» بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي، ثم انه «ضاعف أوزاره» في قمة الاميركتين «عندما جلس صامتا خلال 50 دقيقة من الخطبة المسهبة التي قدمها الزعيم الشيوعي النيكراغوي.. وأفصح عن سروره بمصافحته رئيس فنزويلا الاوتغراطي، هوغو تشافيز».
سيلاحظ القارئ الفطن أن كل ما ذكره كريشك من امثلة لا يتضمن ابدا كلمة «اعتذار». ويعتقد الكثير من منتقدي اوباما ان الرئيس يقلل من مكانة بلاده، وان مثل هذه السياسة تنم عن الضعف، وانعدام الوطنية، وانها خطرة بما لا يقبل الشك.
ويعبر الجمهوري البارز، نيوت غينغريتش، عن انزعاجه من ان اوباما يرسل الاشارة الخاطئة، مؤكدا «أن المفترسين والعدوانيين والمناهضين لاميركا والدكتاتوريين، عندما يشمون رائحة الضعف من الجانب الاميركي فإنهم يتحفزون للمضي قدما».
ويعتقد الكثير من الوطنيين الأميركيين ان الآخرين يعتذرون لان لديهم الكثير ليعتذروا عنه، اما اميركا، وكما كان يراها الرئيس الأسبق، رونالد ريغان يراها انها عبارة عن «مدينة مضيئة تجلس على تل».
وفي حقيقة الامر، فإن اميركا الحديثة لديها الكثير لتفخر به اكثر من أية امة اخرى، الا ان الامر يبدو سخيفا لأوباما الذي تنحدر زوجته من الرقيق أن ينكر أن اميركا ايضا ارتكبت في الماضي أخطاء تثير الخجل. نعم اميركا تعتبر قوة دولية وما فعلته في الماضي سيكون له اثر في ما ستفعله في مستقبلها، اذاً عندما يقول اوباما ان الولايات المتحدة قد اقترفت خطأ في تعاملها مع اوروبا او العالم الإسلامي فإنه يرسل إشارة عن قصد منه. وبالنسبة لمنتقديه من المحافظين، فإن هذه الاشارة التي يرسلها هي علامة من علامات الضعف، الا انهم لم يقرأوا بما فيه الكفاية ما اذا كانت تعليقات اوباما تتضمن ما يستدل منه على أنه يشعر بالخجل من بلاده او أنه ينوي ان يضحي بالمصالح الاميركية، وما يحاول فعله هو تحسين بعض العلاقات المسمومة التي ورثها عن سلفه جورج بوش الابن، وذلك بالاعتراف في لغة مموهة ان الولايات المتحدة نفسها يمكنها ان ترتكب الاخطاء، وان مثل هذه الاعتذارات ينبغي ان تسري لتشمل غزو العراق وفضائح التعذيب.
وإن التباهي بأن اميركا هي دائما على حق وأنها امة فاضلة لا بأس به ولكنه في الوقت نفسه يستعدي عليها الاجانب، وانه ببساطة لا جدوى منه، والاهم من ذلك ان الاستعداد للنقد الذاتي للبلاد يعتبر إشارة للمجتمع المتفتح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news