فرنسا صدّرت «طرقاً جهنمية» للتعذيب
طالما وجهت أصابع الاتهام إلى الدول النامية بتعامل لاإنساني مع السجناء والمعتقلين، وانتهكاها لحقوق مواطنيها، إلا أن الاتهام يجب أن يوجه إلى البلدان المتقدمة التي لم تكتف باستخدامها لطرق مختلفة لتعذيب المعتقلين، بل قامت بتصدير تلك الطرق إلى بلدان أخرى. وتعرض مئات الأشخاص في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد الاعتداءات على نيويورك، إلى التعذيب وسوء المعاملة.
وتعتبر فرنسا أفضل مثال في هذا السياق، فقد ارتكبت القوات الفرنسية أبشع الممارسات والانتهاكات في حق الجزائريين خلال فترة الاحتلال. وشملت تلك الممارسات التعذيب والاغتيالات. وقام ضباط فرنسيون بتدريب وحدات خاصة في الأرجنتين على تعذيب المعتقلين السياسيين، بالوسائل النفسية والجسدية.
وعندما كانت التحقيقات في اختفاء مواطنين فرنسيين في الأرجنتين خلال الحكم العسكري، استجوب القاضي روجر دي لوار ضابطاً عسكرياً فرنسياً كبيراً، وسأله إن كان على علم باستخدام الشرطة الأرجنتينية لوسائل تعذيب كان الضباط الفرنسيون قد دربوهم عليها. وساهمت شهادة الضابط في الوقوف على الحقيقة المرة التي لم يكن أحد يتوقعها، وثبت أن الفرنسيين صدروا «طرقاً جهنمية» إلى الأرجنتين. ودافع الضابط عن استخدام جنوده للتعذيب عندما كان في الجزائر، وقال إن استخدام التعذيب في «معركة القصبة»، وهي مواجهة تاريخية بين الجنود الفرنسيين والمجاهدين الجزائريين إبان الثورة الجزائرية، يشبه ما حدث مع عناصر تنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من الجدل التاريخي حول الدعم الرسمي الفرنسي للانتهاكات والتعذيب في الجزائر، إلا أن بعض من عايش الثورة الجزائرية أكد أن الحكومة الفرنسية ألحت على الحكام العسكريين في الجزائر بضرورة «التصفية السريعة» لجبهة التحرير الوطني التي تزعمت النضال الوطني آنذاك. ونظراً إلى التصريحات الجريئة للضابط الفرنسي بول أوساريس، تم تجريده من رتبته العسكرية، ومنع من ارتداء الزي العسكري ووسام الشرف في المناسبات الرسمية.
كان أوساريس على علاقة وطيدة بالجيش البرازيلي، وحسب الجنرال التشيلي مانويل كونتيراس الذي كان يقود المكتب الوطني للاستخبارات، فإن ضباطا من تشيلي تلقوا تدريبات على يده في البرازيل. كما قدم الأخير خدمات لمؤسسات عسكرية في أميركا الجنوبية، تضمنت استشارات في مجال الاستنطاق والتعذيب ومواجهة الجماعات المسلحة.
ويعتقد أن الجنرال الفرنسي روجيه ترنكيه كان مهندس «الحرب الحديثة» من خلال سياسة القمع القاسية في الجزائر. وهو الذي انتهج ما يسمى «عقيدة السرية» في ممارساته اللاإنسانية.
وتبنى النظام العسكري في الأرجنتين، في ما بعد، هذه السياسة ونجم عن ذلك فوضى عارمة. ومن بين مبادئ عقيدة ترنكيه أن تتم الاستنطاقات بشتى الوسائل في سرية تامة، وفي حال وفاة السجين يتم التخلص من جثته بسرعة. وكانت فرق خاصة في الأرجنتين ترمي جثث ضحايا التعذيب في المحيط الأطلسي، وجرفت الأمواج عدداً من الجثث إلى شواطئ الأرغواي والأرجنتين.
استخدمت القوات الفرنسية أسلوب التمويه في البحث عن المطلوبين في الجزائر، حيث كان ضباط الأمن العسكري يلاحقون المجاهدين، وهم يرتدون الزي المدني. وقامت بتصدير هذه الطريقة، كذلك، إلى الأرجنتين. أين اختفى نحو 30 ألف شخص في السبعينات وبقي مصير أكثرهم غامضا الى حد الآن ؟
وتقول مصادر فرنسية رسمية إن باريس قدمت الدعم والمساعدات للأرجنتين ودول أخرى بناء على طلب منها. ويوضح رئيس الوزراء السابق بيار ميسنر أن «الأرجنتين بلد مستقل، ولا يوجد مبرر لرفض طلب تتقدم به». وهذا يعني أن دعم التعذيب وتصديره لم يكن سلوكاً فردياً أو معزولاً، لكنه اتجاه رسمي تبنته دول متقدمة التي ترفع راية الدفاع عن حقوق الإنسان.