هندية ترقص احتفاءً بفوز حزب المؤتمر. أ.ب

الفساد والنفعية وجهان آخران لديمقراطية الهند

«مليار من البشر يعيشون تحت ديمقراطية فعالة، ألا يعني ذلك شيئاً مهماً»، هكذا عبر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عن إعجابه بالديمقراطية الهندية التي يراوح صداها بين جنبات العالم في هذه الأيام.

وعلى الرغم من التراجع الاقتصادي الحاد، وسلسلة الأعمال الإرهابية التي هزت البلاد أخيراً، فإن الناخبين الهنود الذين يبلغ تعدادهم 420 مليون ناخب، استطاعوا بهدوء أن يعيدوا حزب المؤتمر الوطني مرة أخرى إلى سدة الحكم، مع زيادة في الأغلبية.

في المجتمعات الغربية، يختلط الإعجاب بالديمقراطية الهندية بشئ من الخوف، حيث تتوجس الحكومات الغربية من أن تأتي حكومة يقودها الجناح اليميني، أو حزب «بهارتيا جناتا»، التي من شأنها أن تتخذ موقف مواجهة متشدداً مع باكستان، ما يعطي الصراع في جنوب آسيا صبغة تتصف بالخطورة. ويبدو أن المستثمرين أحسوا أيضاً بالراحة، لتولي حكومة «المؤتمر الوطني» حكم الهند، وارتفع مؤشر السوق 17٪ عشية فوز الحزب .

ومما تجدر الإشارة إليه أن العلماء السياسيين قضوا سنوات طويلة يدعون أن الديمقراطية قلما تعيش وتنتعش في المجتمعات الفقيرة، بيد أن الهند استطاعت أن تتحدى هذه القاعدة، وأصبحت استثناء منها، وعلى الرغم من أن ربع سكانها يعيشون تحت مستوى خط الفقر، فإن الديمقراطية ترعرعت وعاشت في البلاد منذ نالت استقلالها عام .1947

وفي الحقيقة، تعتبر الديمقراطية الهندية أعجوبة ينبغي أن نتفكر فيها، إلا أن هذه الحقيقة يمكن أن تقودنا إلى نتائج ليست في الحسبان، ففي خضم الشعور بالانتشاء من هذه الأعجوبة، ينبغي أن نضع في الاعتبار أربعة مفاهيم عن الديمقراطية الهندية.

أولاً، ينبغي أن نتذكر أن الديمقراطية في الهند ليست دائماً تتسم بالجمال والألق، ففي الوقت الذي يتصف فيه رئيس الوزراء الهندي، مانموهن سينغ،( 76 عاما) بالفكر الثاقب والشخصية الحصيفة، فإن معظم سياسيي الهند يتصفون بسوء الأخلاق والسمعة الرديئة. وفي معظم دول العالم، فإن السياسيين عندما يصفهم منتقدوهم بـ«المجرمين»، تعتبر هذا الاتهام مجرد إهانة همجية. وفي الهند، تعتبر من المسلّمات. وفي الوقت الذي ينتقد فيه البريطانيون بشدة، هذه الأيام، أزمة النفقات في البرلمان البريطاني، فإنه من المثير للاهتمام أن نفهم أن 128 عضواً من بين 543 عضواً في آخر برلمان هندي واجهوا اتهامات جنائية أو خضعوا للتحقيق، التي من بينها 83 اتهاماً بالقتل. ففي هذه المجتمعات الفقيرة، يمكن لزعماء العصابات أن يشقوا طريقهم بالعضلات أو بالأموال من أجل دخول البرلمان.

ثانياً، في الوقت الذي تتبنى فيه الهند النهج الديمقراطي، فإنها لا تتبع النهج نفسه الذي تسير عليه الدول الديمقراطية الأخرى، ولم يكن إعجاب بوش بالديمقراطية الهندية سوى إعجاب نظري، فالرئيس السابق اتخذ قراراً لتشكيل تحالف استراتيجي مع الهند، لأنه كان يشعر بأن الدول الديمقراطية حليفة لبعضها . فالأميركيون يبنون علاقات خاصة مع الهند، من أجل إيجاد توازن مع الصين، وفي الحقيقة، فإن العلاقة بين الهند وأميركا تتحول إلى علاقة دافئة مع الأيام، تحركها التجارة والهجرة الهندية لأميركا واللغة الإنجليزية، وإلى حد ما، القيم المشتركة.

وتعتبر الهند قوة عظمى، لها مصالحها الخاصة ومميزاتها الخاصة، وليس من الضرورة أن تسير بالخط نفسه الذي تسير عليه السياسات الغربية، سواء بالنسبة للعقوبات المفروضة على إيران أو التجارة الدولية. وإذا ما افترضنا منطق الإملاءات السياسية الحقيقية، فإن الهند تفوز بالحظوة عند أعتى الديكتاتوريين، مثل الطغمة العسكرية الحاكمة في بورما.

أيضا، يقود الجانب الرديء من الديمقراطية الهندية إلى مفهوم ثالث عام، هو السلطوية الديمقراطية، بمعنى اأن الديمقراطية تفرض نوعاً من التسلط على الشعب الهندي. أيضا الديمقراطية الهندية أحبطت آمال مئات الملايين من الشعب، حيث معدلات الفقر والأمية تفوق بكثير المعدلات نفسها في الصين ذات النظام السلطوي الديكتاتوري.

وأخيراً، يجب أن نتذكر أن النشوة بتبني الهند الديمقراطية قادتنا إلى مفهوم مغلوط، هو أن الديمقراطية منحتها استقراراً لا يمكن أن تهزه أيه قوة، بينما الهند في الواقع تواجه تهديدات عديدة، وفي مقدمتها الإرهاب».

كاتب ومحلل سياسي

ترجمة: عوض خيري عن «فاينانشيال تايمز»

الأكثر مشاركة