«فوضى سياسية» في بريطانيا مع تزايد الفضائح المالية

وزير العدل شاهد مالك أكبر مسؤول في الحكومة البريطانية يستقيل.               رويترز

يشهد الوسط السياسي البريطاني حاليا فوضى كبيرة، إثر فضائح مالية انكشفت أخيرا، بعد أن اتضح أن المسؤولين البريطانيين يبالغون في النفقات التي يستردون قيمتها من الحكومة في ما بعد.

وتحدثت الصحف البريطانية عما يقوم به أعضاء عديدون في البرلمان، وعن النفقات التي كان بعضها هامشيا، مثل شراء مصابيح كهربائية ومعدات شواء وطعام كلاب، إلا أن بعضها كان كبيرا، كما فعلت نائبة عمالية عندما استردت 22500 جنيه استرليني لقاء مكافحة الفطريات في شقتها الواقعة على البحر، واسترداد وزير آخر نحو 37 ألف جنيه مقابل كلفة تجهيز شقة في لندن بالمفروشات.

ودفعت هذه الوقائع رئيس الحكومة غوردون براون الذي يدافع عن منصبه إلى القول إن «أي شخص متورط في الفضيحة المالية لن يبقى في حكومتي». وأضاف إنه يتعين على البرلمان أن يفعل الكثير كي ينظف نظام النفقات لديه، كي يتمكن من استعادة ثقة العامة به. وأكد أن هناك حاجة لتغيرات كبيرة في البرلمان، تجب متابعتها حتى النهاية.

ومع اتساع نطاق هذه الفضائح، اضطر رئيس مجلس العموم، مايكل مارتن، إلى تقديم استقالته، أول من أمس، معلنا أنه سيغادر منصبه في 21 يونيو المقبل، بحيث يكون أول رئيس لمجلس العموم البريطاني يضطر لتقديم استقالته منذ ثلاثة قرون.

ويعتبر وزير العدل، شاهد مالك، أكبر مسؤول في الحكومة البريطانية يستقيل حتى الآن، على خلفية التحقيق في مزاعم بأنه دفع إيجارا أقل من القيمة المتعارف عليها في السوق لمنزل استأجره.

وقال مالك إنه ملتزم بالقانون «مليون في المائة»، موضحا أن مزاعم الصحافة لا أساس لها من الصحة، وإنها أشبه بالتعطش للدماء. وكانت صحيفة «ديلي ميل» ذكرت أن مالك حصل على الحد الأقصى المسموح به من التعويضات، والبالغ 66827 جنيها استرلينيا على مدى ثلاث سنوات عن نفقات منزله الثاني في لندن، بينما حصل على إيجار مخفض قيمته 100 جنيه استرليني أسبوعيا على منزل العائلة في مدينة دويسيبر الذي قام بتسديده من نفقاته الخاصة، وأكد مالك أن كل ما ذكرته الصحيفة ملفق.

وبعد تسعة أيام من انكشاف فضيحة النفقات، كتبت صحيفة «ديلي تلغراف» إن عضو مجلس النواب من حزب العمال ديفيد تشايتور استعاد 13 ألف جنيه استرليني من أموال دافعي الضرائب لقاء استئجار منزل كان قد تركه سابقا. وذكر المتحدث باسم براون أن تشايتور الذي وعد بإعادة المال سيتم إيقافه للتحقيق، وأدى توقيف تشايتور إلى فصله من الحزب، وتحوله إلى عضو برلمان مستقل.

وما أثار حنق وغضب البريطانيين أن السياسيين استعادوا نفقات تبدو بسيطة وغير مرهقة، مثل قص مرج الحديقة وأفلام إباحية وأشياء من هذا القبيل، في وقت يعاني الاقتصاد البريطاني ركودا كبيرا، حيث ازداد غضب الشعب البريطاني على حكومة حزب العمل التي تحكم البلاد منذ 1997.

ويمكن أن تؤثر الفضيحة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في يونيو 2010 .وتشير استطلاعات الرأي إلى فوز كبير لحزب المعارضة الرئيس، وهو حزب المحافظين.

وذكرت صحيفة «الغارديان» أن أي عضو من البرلمان اتضح أنه استعاد أموالا بصورة غير نظامية فإنه سيحرم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأمهل براون الوزراء حتى الأحد المقبل، كي يطمئن أن النفقات التي استعادوها في السنوات الخمس الماضية كانت بموافقة السلطات البرلمانية.

ويسود قلق حقيقي بين أعضاء البرلمان، نظرا إلى أنهم لم يشهدوا هذا التردي في سمعتهم وثقة العامة بهم من قبل. وحتى الأعضاء الذين لم يرتكبوا أي خطأ، فقد ذكرت تقارير صحافية أنهم يفكرون في التنحي، نظرا إلى أنه بات ينظر إليهم باعتبارهم خونة، ويخشى بعضهم من أن البرلمان يمكن أن يستغرق سنوات عدة كي يتعافى من الحالة التي وصل إليها، في حين يحذر آخرون من أن الناخبين يمكن أن ينفسوا عن غضبهم من الأحزاب الكبيرة عن طريق دعم الأحزاب الصغيرة أو المتشددة خلال الانتخابات الأوروبية المزمع إجراؤها في الشهر المقبل.

 
دعوة إلى إصلاح سياسي عميق

اعتبرت الصحافة البريطانية أمس أن استقالة رئيس مجلس العموم البريطاني، مايكل مارتن، كانت ضرورية، لكن وحده إصلاح واسع النطاق وإجراء انتخابات تشريعية يمكنهما استعادة ثقة الرأي العام بالحياة السياسية في البلاد.

وأجمعت الصحافة على الإشادة بخطوته، فيما اعتبر معلقون كثيرون أنه لم يكن ينبغي تعيينه في منصبه، كونه لا يصلح لهذه المهمة. وكتبت صحيفة «ذي صن» أن «قرار مارتن الاستقالة لن ينقذ البرلمان الذي فقد صدقيته، وبات أشبه بسفينة توشك على الغرق، وحدها انتخابات عامة يمكن أن تحل الأمر».

واعتبرت صحيفة «ذي ديلي تلغراف» أن رحيل مارتن يشكل مرحلة أولى في «ثورة بريطانية»، وطالبت أيضا بإجراء انتخابات. و دعت «ذي اندبندنت» حزب العمال برئاسة غوردن براون والمحافظين المعارضين إلى استبعاد أي نائب قام باستغلال السلطة، واعتبرت أن انتخابات مبكرة من شأنها أن تأتي بوجوه جديدة.

ورأت «ذي دايلي اكسبرس» أنه «مع الانتخابات الأوروبية التي ستجري خلال أسابيع وانتخابات تشريعية مقررة في الربيع المقبل، فإن الرأي العام يمكنه ممارسة أقوى ضغط ممكن على نوابه». وأضافت إن استقالة مارتن تشكل «تطورا كبيرا، يكاد يكون غير مسبوق في التاريخ الحديث، لكن الأمر لا يعدو كونه مرحلة أولى لا بد منها، فرضها الغضب الشعبي على الطبقة السياسية».

وتابعت الصحيفة التي نشرت على مدى أسبوعين تفاصيل فضيحة نفقات النواب إن استقالة مارتن «تكشف انهيار ثقة الرأي العام بالنظام السياسي».
تويتر