سوزان تميم
بمجرد أن نطق قاضي محكمة الجنايات المصري المحمدي قنصوه بإحالة المتهمين في قضية سوزان تميم إلى المفتي نصبت الفضائيات العربية، خصوصا المصرية، خيمتها بالساعات لتستحل كل تفصيلة في القضية بوصفها غنيمة مباحة للغوغائية.
الزملاء في الفضائيات نسوا أمرين، وهما أن منطوق القاضي بإحالة المتهمين هشام طلعت ومحسن السكري، هو «قرار إجرائي وليس حكما»، وأن الحكم لم يصدر بعد (سيصدر يوم 25 يونيو)، وحتى لو سماه «طوب الأرض» تجاوزا أنه حكم فهو ليس نهائيا (أمامه درجتان نقض واستئناف)، كما نسوا أيضا أن هناك قرار حظر نشر للقاضي خرقوه بعد أن تكاثرت عليه ضوارٍ مفترسة على قطعة لحم. الفضائيات، والتي وصل إرسال بعضها بشأن هذه القضية إلى أكثر من تسع ساعات، أقامت «قضاء موازياً» تقريبا، رأسها برأس القاضي والمحكمة، استدعت كل شاهد، وأقامت مناظرات مطولة يتبارى فيها محامو المجني عليها والمتهمون وعابرو السبيل، واستخدمت استجوابات الأطراف الأصلية للدعوى عبر العودة للمحاضر، وجلبت أهالي المتهمين في حضور درامي تصعب مقاومة تأثيره ، ووصل التبذل في فضائية أقصاه حين حولت منطوق المحكمة بإحالة الأوراق للمفتي إلى استطلاع جماهيري عنوانه: «هل كان قرار إعدام مصطفى والسكري عادلا أم جائرا» صوت بنعم أو لا. وبالطبع، وكالعادة، يمكنك سماع دفاعات عجيبة عن هذه السقطات الإعلامية التي لا نظير لها في العالم، تبريرات من نوع الشفافية وحق المشاهد في المعلومة وما شابه من تنظيرات تخفي لب الموضوع، لكنها بالتأكيد كلها حجب (بضم الحاء والجيم) تخفي جوهر المسألة وهو الاستسلام لشهوة المنافسة، والانتصارات الإعلامية المغشوشة، ومواكبة سوق الفضول الشعبوي لإرضاء مشاهدين هم أول من سينتقد هذا الإعلام غدا حين تمضي السكرة وتأتي الفكرة.
كان أمام الفضائيات العربية في قضية سوزان مساحة لإضافة يحتاجها المشاهد مثل خلفيات جنوح القضاء المصري إلى التشدد والإعدام في الفترة الأخيرة أو علاقة السلطة والثروة في المجتمعات العربية، وحتـى ـ مع الحذر ـ عالم طلعت مصطفى من التعاطف مع الأصولية الى الصعود في الوطني الحاكم، لكن الفضائيات اختارت الأسهل الأسوأ ناسية أنها باستباحة التأثير في القضاء وسياجاته وتحويله الى «مزاد شعبي»، إنما تجهز على المؤسسة الوحيدة الممسكة بزمام أمرها تقريبا، في عالم عربي خلا من جميع المؤسسات.
alayak2005@yahoo.com
الزملاء في الفضائيات نسوا أمرين، وهما أن منطوق القاضي بإحالة المتهمين هشام طلعت ومحسن السكري، هو «قرار إجرائي وليس حكما»، وأن الحكم لم يصدر بعد (سيصدر يوم 25 يونيو)، وحتى لو سماه «طوب الأرض» تجاوزا أنه حكم فهو ليس نهائيا (أمامه درجتان نقض واستئناف)، كما نسوا أيضا أن هناك قرار حظر نشر للقاضي خرقوه بعد أن تكاثرت عليه ضوارٍ مفترسة على قطعة لحم. الفضائيات، والتي وصل إرسال بعضها بشأن هذه القضية إلى أكثر من تسع ساعات، أقامت «قضاء موازياً» تقريبا، رأسها برأس القاضي والمحكمة، استدعت كل شاهد، وأقامت مناظرات مطولة يتبارى فيها محامو المجني عليها والمتهمون وعابرو السبيل، واستخدمت استجوابات الأطراف الأصلية للدعوى عبر العودة للمحاضر، وجلبت أهالي المتهمين في حضور درامي تصعب مقاومة تأثيره ، ووصل التبذل في فضائية أقصاه حين حولت منطوق المحكمة بإحالة الأوراق للمفتي إلى استطلاع جماهيري عنوانه: «هل كان قرار إعدام مصطفى والسكري عادلا أم جائرا» صوت بنعم أو لا. وبالطبع، وكالعادة، يمكنك سماع دفاعات عجيبة عن هذه السقطات الإعلامية التي لا نظير لها في العالم، تبريرات من نوع الشفافية وحق المشاهد في المعلومة وما شابه من تنظيرات تخفي لب الموضوع، لكنها بالتأكيد كلها حجب (بضم الحاء والجيم) تخفي جوهر المسألة وهو الاستسلام لشهوة المنافسة، والانتصارات الإعلامية المغشوشة، ومواكبة سوق الفضول الشعبوي لإرضاء مشاهدين هم أول من سينتقد هذا الإعلام غدا حين تمضي السكرة وتأتي الفكرة.
كان أمام الفضائيات العربية في قضية سوزان مساحة لإضافة يحتاجها المشاهد مثل خلفيات جنوح القضاء المصري إلى التشدد والإعدام في الفترة الأخيرة أو علاقة السلطة والثروة في المجتمعات العربية، وحتـى ـ مع الحذر ـ عالم طلعت مصطفى من التعاطف مع الأصولية الى الصعود في الوطني الحاكم، لكن الفضائيات اختارت الأسهل الأسوأ ناسية أنها باستباحة التأثير في القضاء وسياجاته وتحويله الى «مزاد شعبي»، إنما تجهز على المؤسسة الوحيدة الممسكة بزمام أمرها تقريبا، في عالم عربي خلا من جميع المؤسسات.
alayak2005@yahoo.com
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news