أوبامـا يتبنّى كثيراً من سـياسـات بوش
إذا كان النفاق هو المجاملة التي تقدمها الرذيلة إلى الفضيلة، فإن التحول الكلي عن المواقف هو المجاملة التي يقدمها الرئيس الأميركي باراك أوباما الى سلفه جورج بوش. فخلال 125 يوماً من وجوده في البيت الأبيض، تبنى أوباما كثيرا من برامج بوش التي اعتبرها سابقاً غير قانونية.
وكان آخر التحولات في المواقف، قبوله بالمحاكم العسكرية، وكان قد شجب في 2008 إبان حملته الانتخابية تلك المحاكم، ووصفها بأنها «فشل ذريع». وأوقفها أوباما لدى وصوله إلى السلطة، إلا أنه أعادها الآن. وبالطبع، لن يعترف بشكل صريح بما يقوم به في الواقع. وفي اثناء خطابه المتعلق بالأمن القومي الخميس الماضي، قال إنه لم يلتزم بقيم بوش الأخلاقية.
أما التحول في المجال العسكري، فترافق في خطوات ثلاث قام بها أوباما، هي: توجيه الانتقاد لسياسة بوش، وإجراء تغييرات تجميلية وبسيطة، وثالثاً تبني سياسة سلفه.
وتمثلت التغييرات التجميلية في إعلان أوباما «سنمنح سجناء غوانتانامو حرية اختيار المحامي»، وهناك شركات محاماة كثيرة تنشد الدفاع عن أولئك السجناء. وإضافة إلى ذلك، ماذا عن رفض الأدلة التي تم جمعها بالإكراه؟ إنه أمر ليس جديدا، حيث يملك القضاة العسكريون صلاحية رفض الأدلة، ومارسوا هذه الصلاحية إبان إدارة بوش لرفض التهم الموجهة ضد عضو تنظيم «القاعدة»، محمد القحطاني.
وفي غوانتانامو، كان زملاء أوباما من الديمقراطيين هم من اكتشفوا حكمة خيار بوش بصورة مفاجئة. وصوّت الكونغرس على إغلاق غوانتانامو بنسبة 90 ضد ستة، في تمرد واضح ضد أوباما، ورفض الأعضاء تقديم سنت واحد حتى يوضّح الرئيس ما الذي سيفعله بالسجناء. ويريد السناتور جيمس ويب، من لجنة الدفاع الوطني، إرجاء إغلاق السجن حالياً. ويوم الثلاثاء الماضي، قال رئيس الغالبية الديمقراطية في الكونغرس هاري ريد، «لا نريد أحداً من سجناء غوانتانامو على الأراضي الأميركية، ولا في السجون الأميركية».
لم يترك خيارات كثيرة، إذ إن البلدان الأصلية للسجناء لا تريد أخذهم. وأوروبا رافضة للموضوع. أما جزيرة القديسة هيلانة فإنها في حاجة الى ترميم، وجزيرة البا لم تكن مناسبة منذ البداية، وجزيرة الشيطان باتت الآن وجهة سياحية. وهكذا، أخذ «غوانتانامو» يبدو الحل الأمثل مرة أخرى.
وشعر المراقبون بالذهول لمدى التطابق بين أجندة بوش الأمنية وما تقوم به الإدارة الديمقراطية الحالية. وقدم الصحافي فكتور دافيس هانسون (من ناشيونال ريفيو) قائمة بالتشابه بين إدارتي بوش وأوباما، وهي «قانون المواطن، والتنصت على المكالمات، ومراقبة الإنترنت، والمحاكمات العسكرية، وهجمات الطائرات غير المأهولة، وتأجيل الانسحاب من العراق وأفغانستان، وأخيرا في غوانتانامو».
لكن، ما الذي يعنيه ذلك كله؟ أهي نفاق الديمقراطيين وكذبهم؟، لكن الانتهازية والخداع ليسا أمرين جديدين في واشنطن. وهناك أمر أكبر بكثير من الوعود، هي المصالح القومية التي لا يمكن إنكارها أو مقاومتها، والتي ترسخ نفسها بعيداً عن كل السياسات الرخيصة. إذ إن عالم ما بعد « 11 سبتمبر» و ضروراته لا تترك الكثير من البدائل المقبولة، ومنها إعادة إحياء المحاكم العسكرية التي استخدمها تاريخياً جورج واشنطن وأندرو جاكسون، ونفيلد سكوت، وأبراهام لينكولن، وآرثر ماكارثر، وفرانكلين روزفلت.
وكان ابتكار سجن غوانتانامو، الموجود قبالة الشواطئ، خياراً رائعاً لسَجن الإرهابيين فيه، الذين أدركت إدارة بوش أن بعضهم يجب أن يسجنوا من دون محاكمة في حرب تبدو بلا نهاية. وتتجلى عبقرية الديمقراطية في أن تبادل السلطة يجبر المعارضة على العودة إلى وعيها عندما تتسلم السلطة. وعندما وصلت الإدارة الجديدة إلى السلطة بالإرادة الشعبية، تبنت سياسات سابقتها، وتتم صياغة إجماع وطني، وتترسخ شرعية جديدة.
وهذا ما يحدث أمام أعيننا، فإن سياسات بوش في الحرب على الإرهاب لن توصم بالإدانة من المؤرخين، لأن اوباما ينفذها نفسها يوماً بعد آخر، وإنكاره ذلك لا يعني شيئاً، والدليل النظر إلى أفعاله.
تشيني من أشد منتقدي الرئيس
وعاد تشيني الذي لقب بـ«دارك فادور» ( الفارس الأسود) في «حرب النجوم» إلى الواجهة، ليحاول إنقاذ امبراطورية بوش وسياساته للأمن القومي وأساليبه لمكافحة الإرهاب. ونادراً ما رأى المؤرخون نائب رئيس سابق يوجه انتقادات شديدة إلى رئيس جديد، بعد فترة قصيرة من تولي الأخير مهامه، كما فعل تشيني الخميس الماضي، حيث كان أوباما أنهى خطاباً مهماً للدفاع عن رئاسته وسياساته، أعلن فيه عزمه على إغلاق معتقل غوانتانامو، حتى انتقده تشيني بأشد العبارات، وتحدث عن «استياء مصطنع» أمام الأساليب التي أجازها الرئيس السابق جورج بوش، لحمل المشتبه فيهم القيام بأعمال إرهابية، على تقديم معلومات، واعتبرها أوباما أعمال تعذيب. واتهم تشيني أوباما بأنه «يدعي التمسك بالقيم الأخلاقية»، وأيضاً بتعريض الولايات المتحدة للخطر بإعلانه قرار اغلاق غوانتانامو، وإحضار أسوأ الإرهابيين إلى الأراضي الأميركية. وفي الأسابيع الماضية، كان تشيني الذي يقدم على أنه من مهندسي سياسات الرئيس بوش الرئيسيين من أشد منتقدي إغلاق غوانتانامو، أو نشر معلومات سرية بررت شرعية استخدام وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) أساليب استجواب قاسية. ويتساءل عديدون عن سبب هذا الهجوم العنيف الذي يشنه سياسي لم يكن يعرف كيف يمضي وقته، بعد أن خدم خلال أربع ولايات رئاسية. ويرى المقربون منه أن الدافع الوحيد لهذا التصرف هو حب تشيني لبلاده الذي يؤكد على الدوام أن أهم إنجاز في رئاسة بوش منع وقوع اعتداءات مماثلة لهجمات « 11 سبتمبر». وتقول ابنته ليز « والدي يؤمن بقوة بأن ما تقوم به الإدارة الأميركية الحالية يعرض أمن أميركا للخطر، ولا شيء في العالم سيكون أسهل بالنسبة إليه من الذهاب في رحلات صيد وتمضية وقت مع أحفاده». ويبدو أن الأعضاء السابقين في إدارة بوش ينتابهم شعور بالظلم عندما يسمعون أوباما يتحدث عن «غضب» بعض الأميركيين. وتساءلت دانا بيرينو، المتحدثة السابقة باسم بوش، «لماذا كان علينا تلقي ضربات طوال سنوات؟ وعندما ندافع عن أنفسنا يقال لنا إننا غاضبون!». ويرى الجمهوريون أن مواقف تشيني الجديدة تطرح تساؤلات. وعلى الرغم من تحسن صورته بعض الشيء في استطلاعات الرأي، منذ نقل السلطات إلى الرئيس الجديد، «37٪ من المؤيدين في مايو في مقابل 29٪ في يناير بحسب استطلاع أجري لحساب (سي إن إن)»، يبقى تشيني إحدى الشخصيات الأقل شعبية في عهد بوش، ومن الأفضل ألا يطرح نفسه متحدثاً باسم حزب يحاول تحسين صورته. أما بوش، فلايزال مصراً على أن يترك أوباما يحكم، ويرى بعضهم أن شبح الملاحقات القضائية بات يلقي بظلاله، إذ يطالب اليسار بمحاسبة مسؤولين على أفعالهم. وحذر تشيني من أنه سيحمي الأعضاء السابقين في إدارة بوش من الملاحقات القضائية وقال «لا اعلم ما اذا كان شخص اخر سيقوم بذلك لكن يمكنكم الاعتماد علي في هذا الأمر». |