أعباء التشييع والجنازة تلاحق الصينيين حتى بعد الموت. غيتي

تكاليف الموت تؤرّق حياة الصينيين

عندما توفي زوج لين يوانجنغ بسبب سرطان الكبد في فبراير الماضي، تم تجهيزه بمبلغ كبير من المال فرضته بيروقراطية مؤسسة تجهيز الموتى الحكومية، وكان أول أشخاص دفعت لهم هم ممرضو المستشفى الذي توفي فيه زوجها، من اجل تنظيف جثته ومعاملتها ـ أي الجثة ـ باحترام، وإيداعها في احد جوارير المشرحة الباردة، ثم دفعت لأحد المباشرين لمساعدتها في تسجيل حالة الوفاة لدى مكتب الأمن العام وحكومة شانغهاي ولأغراض الاتصال بمكتب تجهيز الموتى المملوك للدولة لعمل اللازم.

ولدى مكتب تجهيز الموتى وُجهت الأرملة المكلومة بقائمة طويلة من المطالبات والخدمات والمعدات التي من شأنها أن تساعد زوجها المتوفى على رحيل سريع إلى مثواه الأخير، تراوح بين وعاء لحفظ رماد المتوفى تصل قيمته إلى 6000 دولار أميركي، تشمل أيضاً تكلفة معدات أخرى. ومن اجل استنزاف المزيد من الأموال من جيب السيدة لين نظير نقل الجثة لحرقها، عرض مسؤولو مكتب تجهيز الموتى عليها قائمة طويلة من الخيارات: هل تفضل أن يتم نقل الجثة في سيارة ميني فان، أم مرسيدس بنز؟ وهل تفضل أن يتم وضع الجثة في غرفة كبار الشخصيات انتظاراً للحرق؟ وهل جرة الرماد هي المكان الأفضل للرحلة الأخيرة للمتوفى؟

وفي الوقت الذي من المفترض أن تحدد فيه الدولة الصينية سعر ترحيل وتخزين وحرق الجثث، فإن أموراً إضافية أخرى مثل الأكفان وجرار الرماد وأكاليل الزهور ومواكب الجنائز والقبور، وخلافه، تتحدد أسعارها وفقاً السوق.

وتقف صناعة تجهيز ودفن الموتى في قفص الاتهام في العالم أجمع بأنها تستغل الزبائن الضعفاء، بيد أن ما تفعله هذه المؤسسة في الصين يفوق كل التوقعات ويضيف حزناً جديداً على أهل المتوفى. ومن الناحية العملية فإن هذه الصناعة تحتكرها الحكومة الصينية وشركات الدولة التابعة للفروع المحلية لوزارة الشؤون المدنية، والتي تشرف مباشرة على الصناعة، وهي التي ترفع الأسعار لتحقيق مزيد من الأرباح.

انفجر الغضب الشعبي الشهر الماضي من المتكسبين من هذه الصناعة، وامتدت الاحتجاجات حتى الى الصحف المملوكة للدولة.

ووفقاً لتقارير صحافية حكومية، فإن صناعة تجهيز ودفن الموتى تدر 16 مليار يوان (2.34 مليار دولار) في العام، وذلك اعتماداً على متوسط عدد الموتى في العام، البالغ قدره ثمانية ملايين شخص. وإذا ما أضيف إلى ذلك مبيع القبور فإن الرقم سيصعد إلى 200 مليار يوان (29.2 مليار دولار )في العام. وزادت أسعار «الإضافات»، مثل الأكفان والملابس الجنائزية والتوابيت الخشبية والأكاليل وجرار الرماد، بنسبة 1000٪، في الوقت الذي يفوق فيه سعر مساحة المقبرة الذي تطالب به الحكومة أكثر من 1000 مرة سعر الشقة العادية في الصين.

ويعبر أحد الصينيين عن هذا الوضع على الانترنت قائلاً إن البعض «عندما يكون الواحد منهم حياً لا يجد ما يشتري به منزلاً، وعندما يموت يعجز عن شراء صندوق صغير تستقر فيه بقاياه».

ووفقاً لجمعية الجنائز الصينية فإن 80٪ من مؤسسات تجهيز الموتى و50٪ من المقابر في الصين، مملوكة للدولة، ولكن بما ان سلطات الشؤون المدنية هي المالك الأكبر، وان منظمي هذا العمل والمشرفين على المقابر الخاصة، قريبو العلاقة بمسؤولي الشؤون المدنية، فإن الفساد في ازدياد مستمر في هذا المجال.

ويشبّه مدير الشؤون الاجتماعية في الوزارة، زانغ منغليانغ، هذا الوضع بـ«كون الشخص لاعباً وحكماً في الوقت نفسه»، وفي مقابلة صحافية له مع جريدة «الشعب» اليومية، لسان حال الحزب الشيوعي، يقول إن «إدارات تجهيز الجنائز المحلية موجودة بثقلها في مؤسسات تجهيز الموتى وتتلقى رواتبها من هذه المؤسسات، فكيف يفترض بها أن تراقب تلك المؤسسات مراقبة جيدة»؟

وقبل وفاته استمعت السيدة لين لوصية زوجها التي تتمثل في توفير أموال كافية ليتم نثر رماد رفاته في البحر في جنازة وقورة مدعومة من قبل الحكومة. وفي يوم ماطر تجمعت هي وبعض العوائل التي فقدت أعزاءها، في احد الموانئ على أطراف مدينة شانغهاي، وفي الوقت الذي كانت فيه إحدى الفرق الموسيقية الجنائزية تعزف لحناً حزيناً شق أصحاب المتوفين طريقهم وسط الزحام حاملين بقايا أعزائهم في أكياس ورقية ليستقلوا زورقاً ويختاروا بقعة ظاهرة في بحر الصين الشرقي ليلقوا فيها رماد موتاهم.

وبتفاديها إقامة جنازة باهظة الثمن استطاعت السيدة لين أن تقلل التكلفة الى ما يصل الى 7000 يوان، وفي بلد من المفترض ان ينال الموتى احتراماً يوازي احترام الأحياء، فإن الكثير من المواطنين يجدون من الصعب عليهم تحمّل الموت الفاخر.

الأكثر مشاركة