«مملكة» كوريا الشيوعية مهمومة بتوريث السلطة
يبدو أن أيام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل أصبحت معدودة، حيث يبدو هزيلا ومريضا، ويعتمد في أحيان كثيرة على زوج أخته، إلا أن مراقبين كثراً لا يتوقعون حدوث تغيير كبير في السياسات، عندما يختفي جونغ (68 عاما) من على مسرح الحياة، وإن كان انتقال السلطة ستصاحبه تجاذبات بين القوى الثلاث التي تصيغ القرار في البلد الشيوعي، وهي عائلة مؤسس الدولة كيم ايل سونغ والحزب الشيوعي الحاكم والجيش.
الرجل المريض
وأخيرا، أفرجت وكالة الأنباء الكورية المركزية ـ الذراع الدعائية لحكومة كوريا الشمالية ـ عن صور تعكس انطباعا بأن الزعيم الكوري الشمالي عاد إلى مسرح الأحداث ليدير بلاده بهمة بعد أنباء عن إصابته بحالة من فقدان الوعي الصيف الماضي، ومن تلك الصور واحدة يبدو فيها بالقرب من حمام سباحة، طاعنا في السن ضعيفا ومريضا.
وعلى الرغم من أن الصور تشير إلى أن جونغ استأنف عمله حاكما مطلقا لعموم كوريا الشمالية، إلا أن الواقع ينبئ بخلاف ذلك. وهذه هي الحقيقة التي جعلت محللين يطرحون سؤالين: من سيخلف كيم عند غيابه؟ كيف ستتصرف كوريا الشمالية في هذه الحالة؟
المعروف أن كوريا الشمالية تسيء التصرف في الوقت الراهن، أو كما أشار دبلوماسي في سيؤول، «تطلق ألعاباً صبيانية باليستية عابرة للقارات». ومن المتوقع أن تطلق هذه الدولة عما قريب صاروخ «تايبودوغ 2» الذي يبلغ مداه من 2500 إلى 2800 ميل (4000 إلى 4500 كلم)، ويمكنه الوصول إلى هاواي . وأعلنت بيونغيانغ أنها ستقاضي صحافيتين أميركيتين بتهمة «الأعمال العدائية»، مدعية أنهما دخلتا كوريا الشمالية من شمال شرق الصين، وتجولتا في أراضيها.
وعلى الرغم من سوء الأحوال الاقتصادية في البلاد، قال النظام الكوري الشمالي إنه سوف يطرد عمال الإغاثة الدوليين الذين يكافحون من أجل تأمين الطعام للشعب الكوري، ردا على مطالب أميركية وكورية جنوبية للسماح لوكالات الإغاثة بالإشراف على توزيع الطعام.
وإذا كان الوضع الخارجي لكوريا الشمالية هو التعامل مع العالم كما هو معتاد، فالأمور في الداخل لم تكن كما كانت عليه الحال من قبل .
زوج الأخت
ويقول محللون إن زوج أخت كيم، تشانغ صنغ تايك، يساعده على إدارة البلاد (زوج أخته الصغرى، كيم كيونغ هويي)، وتشانغ (63 عاما)، ويشرف على وكالة الأمن الكوري الشمالي التي تضم داخلها الشرطة السرية سيئة السمعة. ويعكس هذا الموقع بما لا يدع مجالا للشك أن تشانغ ليس سوى شخصية متشددة، حيث تسلق سلم الحزب الشيوعي الحاكم بسرعة فائقة. وقبل عقد مضى، كان يرافق كيم في زيارته للوحدات العسكرية الحيوية، حيث أوجد روابط قوية مع كبار القادة العسكريين. وبعد فترة قصيرة، درج كيم على إرساله في مهام أساسية إلى الخارج.
ويتمتع تشانغ، وفقا لمصادر، «بالذكاء والجاذبية السياسية»، وفي وقت مبكر من هذا العقد، بدأ يستضيف التجمعات الاجتماعية في منزله، واستقطبت هذه التجمعات الصفوة في كوريا الشمالية. وفي ،2004 خضع تشانغ للإقامة الجبرية، بتهمة «رعاية الفصائل».
ويقول الأستاذ في جامعة دراسات كوريا الشمالية في سيؤول، يانغ مو غن، «تملكت كيم الغيرة»، إلا أن كيم ظل لصيقا بشقيقته، حيث يعتقد محللون أنها لعبت دورا أساسيا في عودة زوجها إلى المسار السياسي. وفي عام ،2006 ظهر تشانغ في حفل رأس السنة بجانب كيم، ما يشير إلى أن الزعيم الكوري الشمالي عفا عن زلات صهره، وإذا كان تشانغ يساعد كيم على إدارة البلاد، فإن له عملا مخصصا يؤديه بهذا الخصوص.
ولاء الجيش
وتعترف المصادر في واشنطن وسيؤول بأن هناك تقارير تعكس عدم الرضا والسخط في أوساط الجيش الكوري الشمالي، على الرغم من أن كيم تنازل كثيرا لكي يضمن الجيش إلى جانبه. ويعتقد محللون أن كيم استطاع أن يحصل على ولاءات كبار وقدامى الضباط ورجال الاستخبارات، إلا أن الأزمة الاقتصادية حدّت من تدفق الأموال التي يحصل عليها ضباط الجيش في أعمال اقتصادية غير شرعية، يديرونها مباشرة بأنفسهم، أو عن طريق وكلاء.
وازدهرت التجارة مع الصين جزئيا بسبب الانخفاض الكبير في أسعار سلع، مثل الزنك وخام الحديد الذي تصدره إليها كوريا الشمالية، وهذا قلل من الدخول التي يحصل عليها الضباط العسكريون الذين يتاجرون في هذه السلع، كما تقول مصادر استخبارات في شرق آسيا.
وأغضب القرار الحكومي بمقاطعة مساعدات الطعام الأميركية بعض الضباط، حيث إن جزءا منها يتصرف فيه الجيش بالبيع في الأسواق. ولهذا، لا يشكل إيقاف تلك المساعدات فقط خطورة على حياة السكان في كوريا الشمالية، وإنما أيضا يحرم الضباط الفاسدين من كسب الأموال.
ومن شأن ذلك كله أن يزيد من احتمالات تغيير النظام في كوريا الشمالية، ربما من خلال ما يشبه الانفجار الداخلي الذي رآه العالم في شرق أوروبا قبل 20 عاما.
وقد تكون هذه الاحتمالات مضللة، ولكن، على كل حال يأمل العالم في أن يرى 23 مليون إنسان ينفلتون من قبضة النظام البغيض، بيد أن كوريين شماليين سيشعرون بإحباط جراء العقبات التي تلي تغيير النظام، فبسبب الأزمة الاقتصادية هم غير متأكدين من توحيد الكوريتين بسرعة. كما أن التقارب بين الكوريتين قد يزعج الصين التي تريد أن تستخدم كوريا الشمالية كدولة تفصل بينها وبين كوريا الجنوبية الموالية للغرب، حتى ولو توفي كيم غدا، فإن من يأتي بعده قد لا يكون مختلفا اختلافا كليا عنه.
ويقول عالم السياسة في جامعة ايه اند ام في تكساس، أندرو أسكوبيل، والذي كتب تقريرا لوزارة الدفاع الأميركية العام الماضي يقيم فيها مستقبل كوريا الشمالية، يقول «ينبغي عدم الربط بين نهاية نظام كيم ونهاية كوريا الشمالية كدولة». ويقول المحلل السياسي في المعهد الكوري للتحليل الدفاعي، بايك سيونغ جو، «عشنا من قبل مرحلة انتقالية»، مشيرا إلى كيم إيل سنغ والد كيم جونغ إيل والذي توفي فجأة عام ،1994 حيث إن كيم جونغ إيل خلف والده من دون أي مشكلات ظاهرة، ويضيف جو « الأجانب كثيرا ما يسيئون تقدير ديمومة هذه الحكومة».
أبناء
وبالفعل، فإن الديمومة هي التعبير الأمثل، فقد ظل كيم في السلطة عندما تعرضت البلاد للمجاعة، لكنها لم تهز قبضته القوية على مقاليد الحكم في البلاد. ومنذ ذلك الوقت، ظلت الصين تضغط عليه من دون جدوى لإصلاح الاقتصاد، وفي استطاعة كيم مقاومة مثل هذه المطالب جزئيا، بسبب كون كوريا الشمالية تتميز بالحراك، وتقودها شخصية قوية بشكل غريب، حيث لا يقل عدد النصب التذكارية فيها لكيم وعائلته عن 30 ألف نصب في عموم كوريا الشمالية. ولدى كيم ثلاثة أبناء ليختار من بينهم خليفة له، وأصبح المحللون يتسابقون في اختيار الأمثل، ومن المعتقد أن يكون ابنه الأصغر، كيم جونغ أون (26 عاما)، والذي يحمل شبها كبيرا بأبيه، هو الاختيار المفضل لكيم.
والدة جونغ أون، راقصة سابقة تسمى كو جونغ هي، كانت الزوجة الثالثة للزعيم الكوري الشمالي. ويقول محللون إنها قبل وفاتها بسرطان الثدي عام ،2004 طلبت من كيم أن يسمي أحد ابنيها خليفة له (أنجب كيم الابن الثالث من زوجة أخرى)،. وفي ،2007 انخرط أون وأخوه الأكبر كيم جونغ تشول في برنامج تم وضعه خصيصا لهما في جامعة كيم إيل صنغ العسكرية.
وكتب طباخ الزعيم الكوري، كينغي فوغيموتو، في مذكراته إن كيم يعتقد بأن تشول «ناعم ومتخنث». ولهذا، يفضل الزعيم ابنه أون، والذي يصفه فوغيموتو بصاحب المزاج الساخن مثل أبيه. وهناك أنباء غير مؤكدة أوائل العام أن كيم اختار ابنه أون خليفة له. ويعتقد محللون أن كيم إذا مات فجأة، فإن تشانغ سيصبح زعيم الأمر الواقع حتى ولو تم وضع أحد أبناء كيم في المقدمة للحفاظ على خط الأسرة الحاكمة، وهذا يدل في جميع الأحوال على أن فترة ما بعد كيم جونغ إيل لن تكون مختلفة عن الوضع الراهن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news