منافسة أميركية - إسرائيلية لاجتـذاب يهود اليمن
تتواصل حالة التجاذب بين مؤسسات أميركية وأخرى صهيونية داخل إسرائيل لاجتذاب يهود اليمن ودفعهم الى الهجرة، حيث تبذل منظمة «مظلة المجتمع اليهودي» الأميركية جهودا كبيرة لجمع الاموال لإعادة توطين 113 يهوديا يمنيا في نيويورك بينما تسعى جهات اسرائيلية لجذبهم الى الكيان العبري.
وترى قيادة «مظلة المجتمع اليهودي» أن هناك أحداثاً عديدة في اليمن تستوجب ترحيل يهودها بأسرع وقت ممكن، ويتوقع ان تكلف اعادة توطين اليهود اليمنيين مليوني دولار، تمكنت المنظمة من جمع 800 ألف منها وأما المتبقي فستدفعه الحكومة الاميركية، ولكن منظمة صهيونية أعربت عن عدم رضاها بهذه الخطوة.
وقال مسؤول إسرائيلي طلب عدم كشف اسمه «لو دفعتم مليوني دولار للوكالة اليهودية فإنها ستفعل الكثير لتحسين ظروف معيشة اليهود اليمنيين.
ولابد من القول إنه من الافضل جلب جميع اليهود اليمنيين البالغ عددهم 270 الى إسرائيل»، وترى منظمة مظلة المجتمع اليهودي أنها تفعل ما يرغب فيه يهود اليمن أنفسهم. وقال مسؤول فيها «نحن نساعد اليهود المحتاجين، وكانت رغبتهم الحرة 100٪ هي الذهاب الى أميركا».
علاقة قديمة
وتعتبر الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، وبدأت علاقه اليمن باليهودية في عهود قديمة قبل الميلاد في عهد النبي سليمان حين آمنت الملكة بلقيس بالله ومعها شعبها وكذا حمل ابناؤها اليهودية إلى «الحبشة».
وبقيت اليهودية في اليمن حتى بعد مجيء الاسلام، حيث دخل بعضهم الديانة الجديدة وظل البعض الآخر على دينه، ويمتاز يهود اليمن عن غيرهم من مواطنيهم بأنهم لا يضعون الخنجر اليمني الشهير «الجنبية» ويعود ذلك إلى انهم «يعتبرون اهل ذمة» فلا يصح لهم ان يتسلحوا فتوارثوا هذه العادة عبر الأجيال رغم انهم أمهر من يصنع الخناجر.
وبخلاف معظم يهود العالم، يسود ايمان عميق في اوساط يهود اليمن البالغ عددهم ما بين 200 إلى 300 من اصل نحو 60 ألفا قبل عام 1948 ،ان قيام اسرائيل فكرة مضادة لأصول الديانة اليهودية، ومع ذلك فقد هاجر عدد كبير منهم الى اسرائيل في حين ان أعداداً كبيرة قررت الهجرة الى اميركا وأوروبا.
وكان الحاخام الاكبر ليهود اليمن يعيش بن يحيى، قال في مقابلة صحافية «ان الغالبية من اليهود المتبقين في اليمن تجمعت في مدينة ريدة وما حولها بعد ان تضاءلت أعدادهم بسبب الهجرة».
وقال يحيى ان سبب تجمعهم في مدنية واحدة هو «رغبتنا في اقامة صلواتنا واعيادنا والسبوت معا، فضلا عن اقامة مدارس لأبنائنا وبناتنا لتعمل التوراة والزبور».
ؤأكد بن يحيى الذي توفي أخيرا مخلفا ابنه في المنصب الديني أن ما بقي من اليهود في اليمن لا يزيد على 300 شخص، بعد أن كانوا يشكلون نحو ربع السكان قبل الهجرات التي بدأت في أربعينات القرن الماضي. وقال إنه شعر بالارتياح عندما ذهب الى اسرائيل إلا أن أمراً واحداً لا يبعث على الراحة ويتعلق بالشرف.
وأوضح «لا تستطيع أن تفعل شيئا حتى لو رأيت زوجتك أو ابنتك تصاحب أو تعاشر شخصا آخر وهذا يخالف تقاليدنا وطباعنا كيهود يمنيين، اضافة الى أننا متدينون لا يرضينا ذلك».
وأضاف «ارض اسرائيل طيبة ولكن لا أستطيع أن أعيش في ظل ذلك الفساد الاخلاقي، ونحن بيئتنا في اليمن محافظة تماما ومختلفة عن تلك الاجواء».
ورفض الحاخام الإدلاء برأيه حول قتل الأطفال الفلسطينيين على ايدي آلة الحرب الاسرائيلية، مكتفيا بالقول «ما دخلي بهذا الموضوع» .
التطبيع في علم الغيب
أما عن رغبته في تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية، فقال بن يحيى «نحن نحب السلام، والتطبيع مسألة تبقى في علم الله»، مستشهدا بنص الآية الكريمة {إِن اللهُ لا يُغَيرُ مَا بِقَوْمٍ حَتى يُغَيرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
وعن أسباب امتناع اليهود عن حمل السلاح، قال «نحن نعتبر اهل ذمة ولذلك لا يصح أن نتسلح حتى بالجنبية وهذا أمر قديم وهي عهدة توارثناها جيلابعد جيل».
ويعود الاعتقاد ببطلان قيام اسرائيل يهوديا لحملة ضخة قامت بها مجموعة «ساتمار هاسيديم» وهي منظمةنشأت في القرن الثامن عشر الميلادي برومانيا وتقف هذه المنظمة في مواجهة الصهيونية كفلسفة وحركة على اساس ايمانها «انه من الكفر ان يكون لدى اليهود دويلة مستقلة، قبل ان يأتي المسيح (عليه السلام) إلى الارض ويرشد اليهود لما ينبغي عليهم فعله»، وتجد هذه الحركة الكثير من النصوص في التوراة التي تؤيد ذلك.
بيع أطفال اليهود
ولاتزال هذه المأساة تزعزع يهود اليمن، حيث إن غالبية الاولاد الذين خطفوا كانوا من بينهم، وبلغ تعداد المخطوفين اكثر من 1100 ولد، وتم خطفهم بطريقة بشعة حيث شارك في المؤامرة اطباء و ممرضات وسيارات إسعاف وموظفون وغيرهم، فكانوا يأخذون الولد من ذويه باعتباره مريضاً يحتاج الى علاج فوري ثم يستدعون أهله ليخبروهم بأن ابنهم توفي في المستشفى، ثم يقيمون مراسم دفن للطفل بحضور الاهل ولكن من دون السماح للاهل بفتح الكفن لوداع ابنهم الذي اثبتت التحقيقات الاسرائيلية لاحقا أنه يكون في الواقع حيا وفي الطريق الى عائلة اخرى اشترته بالمال. |
وكان لهذه المجموعة اليد الطولى في ترسيخ هذه القناعة لدى يهود اليمن، وتضم حركة «ساتمار» حاليا نحو 250 الف عضو ويقع مركز الحركة بمدينة نيويورك في انعزال كبير عن المجتمع الأميركي لحماية افرادها من كثير من مظاهر الحياة المعاصرة التي تعتقد «ساتمار» انها مخالفة للديانة اليهودية.
ومنذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بدأت ساتمار بإرسال ممثلين لها الى اليمن في حملة نادرة من نوعها لتشجيع اليهود هناك على عدم الهجرة الى اسرائيل.
وكان يهود اليمن يعيشون حياتهم الآمنة ويتابعون انشطتهم في مختلف المجالات، ولم تغرهم الهجرة الى فلسطين رغم ان مدينة عدن كانت مفتوحة ومشجعة للهجرة منها وإليها ومن جميع أنحاء العالم.
وتشير وثائق بريطانية الى أن يهود اليمن كانوا يتمتعون بقدر كبير من الامان اكثر مما عاشوه في اوساط اوروبية، وكانوا يعملون في الحرف اليدوية والصياغة.
وكانت تتجمع منازلهم في المدن الصغيرة في احياء خاصة ليست بعيدة عن الاحياء العربية وهم يعيشون بسلام مع جيرانهم العرب، ولا يتدخل احد في امورهم كما لا يتدخلون في المنازعات القبلية ويمنكهم ان يتملكوا الاراضي.
ويقول الباحث الاجتماعي اليمني عبدالسلام الشرعي «ان اليهود كانوا منتشرين في ربوع اليمن كغيرهم من المواطنين دون خصوصية معينة فمنهم من سكن القرية ومنهم من سكن الحي او الحارة من المدن اليمنية». وفي صنعاء العاصمة التاريخية لليمن كان معظمهم يقطن منطقة اطلق عليها «قاع اليهود» ضمن ساحة غرب العاصمة وتعرف اليوم بقاع العلفي».
وفي حاشد سكن اليهود في مناطق عدة، خصوصاً في ناحية ظليمة وفي جانب من المداير وجانب من مدينة حبور، وكذلك سكنوا في مدينة اب في حارة «الجاءه» وفي السياني سكن اليهود في قفرية خاصة بهم اسمها الجسد وفي قضاء بالنادرة سكنوا قرية مجاورة اسمها «حجزان» وكان يشاركهم فيها بعض المواطنين المسلمين.
ويذكر المؤرخ اليمني مطهر الارياني «ان وفدا إسرائيليا زار صنعاء ومدناً يمنية وقوبل باستياء شعبي كبير بلغ حد تلفظ الأهالي عليه بألفاظ قاسية ووصل الحال ببعض السكان في قاع العلفي الذي كان يعرف بقاع اليهود قديما الى طردهم من الحي بعد ان سألوا عن بعض الاسماء التي كانت تسكن هناك وأرادوا التعرف الى منازلهم».