السكان الأصليون في بيرو مستهدفون في حياتهم من شركات النفط. أ.ف.ب

شركات النفط تخوض حرباً ضد السكان الأصليين في العالم

تتصاعد حرب عالمية بين شركات الطاقة والسكان الأصليين في مناطق مختلفة من العالم، المشترك فيها هو الصراع على المواد الطبيعية، والصمت شبه المتعمد من وسائل الإعلام تجاهها. فهناك الأحداث التي تجري في غابات شمال البيرو، في الأسابيع القليلة الماضية، وكانت سمتها الغالبة عدم التكافؤ في القوى. فمن جانب، كانت الشرطة المسلحة بالأسلحة الأوتوماتيكية والغازات المسيلة للدموع، والمروحيات العسكرية والعربات المدرعة. ومن الجانب الآخر، عدة آلاف من قبائل الوامبيس، والأواجون الهندية، ومعظمهم مسلحون بالأقواس والسهام، والرماح.

وفي واحدة من أسوأ أعمال العنف التي شهدتها البيرو خلال 20 عاماً، حذر الهنود أميركا اللاتينية من مغبة ما يمكن أن يحدث إذا منحت الشركات حرية الوصول إلى غابات الأمازون، لاستغلال حقول النفط التي يقدر احتياطيها بستة مليارات برميل، والحصول على كميات الخشب التي يريدونها. وبعد عدة أشهر من الاحتجاجات السلمية، طلب من الشرطة أن تستخدم القوة ضد الهنود قرب باغوا غراندي. ونتيجة القتال الذي وقع بين الطرفين قتل 50 هندياً وتسعة من أفراد الشرطة، كما جرح مئات آخرون واعتقل كثيرون. ووصفت جماعة حقوق السكان الأصليين الحادثة بأنها حادثة «تيانانمين البيروفية»، وقال أحد قادة الاحتجاج، سيرفاندو بيرتا، «نسيطر على غابات الأمازون منذ آلاف السنين. وما يحدث الآن هو إبادة جماعية، إنهم يقتلوننا لأننا ندافع عن حياتنا، وعن سيادتنا، وعن كرامتنا الإنسانية». وفي الأسبوع الماضي، ومع تصادم شرطة مكافحة الشغب مع المحتجين في ليما وفرض حظر التجول على بلدات بيروفية عديدة واقعة في غابات الأمازون، تراجع الرئيس غارسيا عن موقفه في وجه الاستنكارات الشديدة لتلك المجزرة. وأمر بتعليق القانون، ولثلاثة أشهر فقط، الذي يسمح باستغلال الغابات.، ويدرك الجميع أن الصراع سيندلع من جديد.

وعلى الرغم من عدم نشر تلك الأخبار في وسائل الاعلام العالمية، إلا أن ثمة احتجاجات كبيرة حول المناجم وحقول النفط ومناطق قطع الأشجار، واستغلال الغابات في إفريقيا، وأميركا اللاتينية، وآسيا وأميركا الشمالية. وتعتبر السدود التي تولد الطاقة الكهربائية ومنشآت إنتاج الوقود النباتي ومناجم النحاس والذهب في مركز النزاعات المتعلقة بحقوق الأراضي.

دلتا النيجر

واستمرت قوة عسكرية في مهاجمة الجماعات التي تعارض وجود شكرات النفط في دلتا النيجر. وتزود الدلتا دولة النيجر بـ99٪ من القطع الأجنبي، لكنها دائما تعاني من الصراعات والحروب . وخلال الشهر الماضي، تم إرسال قوات خاصة ومروحيات عسكرية للهجوم على القرى التي يعتقد بأنها تؤوي الميليشيات لديها. وفر آلاف من الناس من منازلهم. ورد المسلحون من حركة تحرير دلتا النيجر بقتل 12 جندياً، وفي الأسبوع الماضي حرقوا منشأة شيفرون للنفط.

ووقع التصعيد في الأسبوع الذي وافقت فيه شركة شل على دفع9.7 ملايين جنيه إسترليني لعائلات من إثنية الأوغوني، وتقع أراضيهم في الدلتا، حيث قامت هذه العائلات بانتفاضة سلمية ضد «شل» وشركات نفط أخرى في تسعينات القرن الماضي، ورفعوا شكوى ضد «شل» في محكمة في نيويورك.

وتقول رئيسة الندوة الدائمة للأمم المتحدة لقضايا السكان الأصليين فكتوريا تولي كورباس، وهي من السكان الأصليين في الفلبين، إنه «ثمة هجوم عدواني يستهدف استخلاص ما تبقى من موارد في مناطق السكان الأصليين. وثمة أزمة في حقوق الإنسان، وهناك المزيد من أعمال الاعتقالات والقتل والتعذيب»، وإضافت « ذلك يحدث في روسيا وكندا والفلبين، وكمبوديا ومنغوليا ونيجيريا والأمازون، وفي جميع أنحاء أميركا اللاتينية، وبابوغينيا الجديدة، وإفريقيا»

الفلبين

وعندما تم استحداث قوانين جديدة في الفلبين لفتح الدولة أمام صناعة المناجم العالمية قبل 10 سنوات، اندفعت الشركات إلى هذا البلد، بصورة شكلت خطرا على المجتمعات الأصلية، كما قالت وزيرة التنمية الدولية البريطانية السابقة كلير شورت، وهي رئيسة مجموعة صناعة المناجم البريطانية في الفلبين.

وأدى وصول السدود وصناعة المناجم والنفط إلى موت ثقافي للمجتمعات الأصلية. وتيقن سكان دونغريا كوند في شرق الهند من أن أسلوب حياتهم سينتهي عندما بدأت الشركات البريطانية تستغل بصورة قانونية، جبل نيامجيري المقدس من أجل مناجم الألمنيوم. وبالطبع، فإن المناجم الضخمة ستؤدي إلى تدمير مناطق شاسعة من الغابات البور، وسيحول الجبل إلى قطعة من الأرض اليباب الصناعية، وستتأثر بذلك أكثر من 60 قرية. وزار دافي يانومامي، من قبيلة يانونامي، وهي إحدى أكبر الجماعات البرازيلية الأصلية وأكثرها عزلة، لندن الأسبوع الماضي، ليحذر أعضاء البرلمان من أن غابات الأمازون يجري تدميرها الآن، وناشد المساعدة لمنع اندثار قبيلته. وقال أمام البرلمان «التاريخ يعيد نفسه، وقبل 20 عاما اندفع آلاف من العاملين في مناجم الذهب، وأدى ذلك إلى مقتل خمس شعبي بسبب الأمراض والعنف اللذين جلبوهما معهم. وكنا على وشك الاندثار، لكن الأوروبيين أقنعوا حكومة البرازيل بالتحرك، وتم استبعاد هؤلاء. ولكن، الآن عاد نحو 3000 رجل من العاملين في صناعة المناجم وقطع الأشجار ولديهم البنادق. ويتعرض شعبي للقتل، ونحن بحاجة إلى مساعدتكم».

الإكوادور

وفي الإكوادور، يمكن أن تغرم «شيفرون» مليارات الدولارات خلال الأشهر المقبلة إذا جاءت نتائج المحاكمات ضدها. وتواجه الشركة تهمة التخلص من أكثر من 19 مليار غالون من المخلفات السامة، وملايين غالونات النفط الخام خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، في مناطق الغابات، الأمر الذي نجم عنه أكثر من 1400 حالة وفاة بالسرطان في مجتمعات السكان الأصليين. وقدرت المحاكم الإكوادورية الأضرار بـ27 مليار دولار، في حين أن «شيفرون» التي ورثت القضية بعد أن اشترت شركة تكساكو، لم تنكر عملية التخلص من المواد السامة، لكنها قالت إنها نظفت الأضرار.

أما في الدلتا النيجيرية، فقد طلب من شركة شل أن تدفع 1.5 مليار دولار، لكن الشركة تمكنت من عدم الدفع حتى الآن. وفي إندونيسيا، تواجه شركة إكسون موبيل دعوى قضائية من السكان الأصليين هناك، الذين يدعون أن حراس الشركة ارتكبوا انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، وهناك عشرات القضايا ضد الشركات العاملة في دلتا النيجر. ويرغب قادة السكان الأصليين في وقف فوري لأعمال المناجم على أراضيهم. وفي الشهر الماضي، دعا مؤتمر في مانيلا حول صناعة المناجم والسكان الأصليين الحكومات إلى تعيين نظام محاكم دولي لمعالجة شكاوى السكان الأصليين. وقالت كلير شورت «معظم السكان الأصليين بالكاد يستطيعون تأمين رزقهم، وهم عاجزون عن إيصال دعاواهم إلى المحاكم، كما أن قضاة يحصلون على رشاً من الشركات، أو يمكن تهديدهم أو قتلهم إذا حكموا لصالح السكان الأصليين.

ولذلك، فإن الحكومات ملزمة بتزويدهم بإمكانية الوصول السهل إلى النظام القضائي. ومع تزايد الشكاوى، تتزايد فرص وقوع المشكلات ،والخطير أن يتحول الأمر إلى أعمال عنف خطيرة».


عن «الغارديان»

الأكثر مشاركة