الأميركيون يستعدون للانسحاب من المدن العراقية نهاية الشهر الجاري.                 أ.ف.ب

الأميركيون يتركون «بصماتهم» على المجتمع العراقي

تتناقض وجهات نظر العراقيين تجاه الأميركيين الذين يستعدون للانسحاب من المدن العراقية نهاية الشهر الجاري، ففي الوقت الذي يعربون فيه عن كراهيتهم لهم، تراهم يرغبون في الهجرة إلى أميركا بسبب الولع بأسلوب حياتهم.

وعلى الرغم من ست سنوات من حضور عسكري بحت للأميركيين، إلا أنهم تركوا بصمات واضحة على الثقافة العراقية ساعدتها على الانفتاح بعد ديكتاتورية دامت 35 عاما.

ويقول جعفر بيرغا (25 عاما) الذي يعمل في المجال الدبلوماسي، بينما كان يحتسي الشاي ويدخن النرجيلة في مقهى الشهبندر، أعرق مقاهي بغداد، «تصرفاتنا فعلا متناقضة، نفرح عندما يقتل جندي أميركي، لأنه يمثل المحتلين لبلادنا، لكننا نحلم في الوقت نفسه بالعيش في الولايات المتحدة، لأننا مولعون بأسلوبهم في الحياة».

وقــــادت الولايات المتحدة تحالفاً أسقــط نظام صدام حسين في 2003 تسبب في مقتل آلاف المدنيين ودمار البنى التحتية للعراق. لكنها، تمكنت في الوقت نفسه خلال السنوات الست الماضية من زراعة ثقافة الحياة الأميركية عبر الفضائيات وأجهزة الاتصالات والإنترنت التي لم يكن يعرفها العراقيون إبان النظام السابق.

وتقول شيماء علي (20 عاما)، وهي طالبة في جامعة بغداد قسم اللغة العربية، «أسلوبنا في الحياة تغير، المكياج اليوم خفيف، وتسريحة الشعر مختلفة، والملابس أكثر إثارة، حتى طريقة المشي أصبحت مختلفة تماما».

وذكرت شيماء التي كانت ترتدي تنورة جينز وقميصا، وصديقتها مروة (21 عاما)، أنهن أصبحن مولعات بمتابعة الأفلام الأميركية المترجمة للعربية. وأن برامج أميركية، منها «أوبرا وينفري» و«أطباء»، إضافة إلى البرامج التي تتطرق لحالات نفسية واجتماعية وطبية، أصبحت مثار اهتمام عراقيين كثيرين.

وقالت شمس هيثم (20 عاما)، وهي طالبة تدرس علم الأحياء في الجامعة نفسها، إن «الأفلام العربية مملة، لكن الأفلام الأميركية مثيرة، وتتحدث عن عالم الحرية حيث أحلم أن أعيش».

وقــال بشار عدنان (29 عاما)، صاحب محـــل لبيع الأقراص المدمجة في منطقة الكـــرادة (وسط)، «معظم العراقيين يفضلون الأفلام الأميركية أكثر من غيرها، نبيع نحو 650 فيلما أميركيا في الشهر مقابل 200 فيلم عربي و50 فيلما من إنتاج أوروبي».

وقال بائع في متجــر «ضياء نمنم» لبيع الأغاني في الكرادة إن «الموسيقى العراقية خطت مكانتها أيضا، فهناك مغنون عراقيون مثل حسام الرسام الذي تباع مجموعاته الغنائية بشكل واسع الآن، وقدم أغاني تنتقد العنف والقتل والأعمال الطائفية».

وأضاف «الشباب أكثر من يشتري هذه الأغاني، ونبيع منها أكثر بثلاث مرات عن الأغاني الأجنبية».

في المقابل، ترى أم نور (40 عاما)، وهي صاحبة محل لبيع الملابس الجينز النسائي في الكرادة، أن العسكريين الأميركيين لا يشكلون مصدرا للتأثير في المجتمع. وقالت «لا نرى فيهم إلا عسكريين بزي عسكري منذ ست سنوات، ولا أعتقد أنهم زرعوا ثقافتهم في مجتمعنا، إلا إذا كنا نحب زيهم العسكري ». وأشارت السيدة التي تدير محل «أزياء خولة» إلى أن «النساء يبحثن في الغالب عن سراويل ترتديها بطلات أفلام والمسلسلات التركية والأميركية»، على حد سواء. لكن الزي العسكري الأميركي أصبح مثار اهتمام شبان كثيرين يتنافسون على ارتداء تي شيرت خاص بالجيش الأميركي، أو أحذية ينتعلها الجنود.

وحتى في مدينة الصدر، معقل التيار الصدري المعروف بموقفه المناهض للاحتلال، أصبحت السراويل الغربية مثار اهتمام الشباب هناك.

وقال علي، وهو مصور في الثلاثين من العمر، «عندما ارتديت سروالي الجديد، انتقدني أحد أصدقائي في جيش المهدي . بعد نحو ستة أشهر، وجدته يرتدي سروالا من الطراز نفسه».

الى ذلك، يقول حسين صاحب محل للحلاقة في الكرادة، إن شبابا كثيرين يأتون لتسريح شعرهم بتسريحة (سبايكي)، والتي يرونها على صفحات المجلات . وذكر حسين الذي يلقبه زبائنه بـ «أوباما حسين، لشبهه الكبير بالرئيس الأميركي باراك اوباما، أن التسريحة أصبحت شائعة خلال الأعوام الماضية، بعد غزو العراق في مارس 2003.

وتســتعد القوات الأميركية لمغادرة المـــدن والنواحي والقصبات العراقية في بعد غـــد الثلاثاء، وفقا للاتفاقية الأمنية بين بغــداد وواشنـــطن التي وقعت في نوفمبر 2008 .

وقال قاسم السبتي الذي يدير قاعة «حوار»، أبرز ملتقى للفنانين التشكيليين العراقيين، « جلبوا الدمار والموت، لكنها كانت عناصر مهمة بالنسبة لي، كما لغيري من الفنانين. أعمالنا أصبحت أكثر تأثيرا وواقعية، وأفضل مما كانت عليه إبان نظام صدام حسين».

الأكثر مشاركة