«أرغنيكون».. شبكة غامضة متهمة بمؤامرات في تركيا

القادة العسكريون رفضوا اتهامات بالتورّط في التخطيط لمحاولة انقلاب. أ.ف.ب

استمرت تفاعلات قضية شبكة «أرغنيكون» في الأوساط السياسية والقضائية والإعلامية في تركيا، مع اعتقال المزيد من أعضاء هذه الشبكة القومية المتطرفة، أو ممن يشتبه في علاقات بها، أو بالتورط في التخطيط للمحاولة التي نسبت إليها للانقلاب على الحكومة الحالية، برئاسة رجب طيب أردوغان التي تمثل التيار الإسلامي المعتدل.

وفي أحدث مستجدات هذه القضية التي اعتبرها محللون سياسيون فضيحة بكل المقاييس للمس بالديمقراطية ومؤسساتها في تركيا، قررت محكمة في اسطنبول ملاحقة ثمانية أشخاص، بينهم ضابطان كبيران سابقان في الجيش، وعدد من الجامعيين، ووضعهم رهن الاعتقال، بينما اصبح عدد المعتقلين على خلفية القضية يزيد على الـ.100

طورانيون وإرهابيون

شبكة «أرغنيكون» منظمة متشددة في نزعتها القومية الطورانية، متهمة بزعزعة استقرار الأسواق، والتسبب في توترات بين حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي والعلمانيين من مثقفين وأكاديميين وجنرالات الجيش. تعود التسمية إلى أسطورة تركية عن وادٍ سحيق حوصر فيه الأتراك، ودلّتهم ذئبة على طريق الخروج منه ليستمروا في الحياة.

وتضم الشبكة أشخاصاً من مختلف الشرائح من محامين وجامعيين وضباط في الجيش والشرطة، وظهر اسمها للوجود والتداول الإعلامي والسياسي للمرة الأولى في يونيو ،2007 بعد عثور الشرطة على كميات من القنابل اليدوية والمتفجرات في أحد بيوت الصفيح في اسطنبول، ما دفع السلطات إلى القبض على أكثر من 100 شخص بين ضابط جيش وضابط شرطة ومحام وأكاديمي، ومن بينهم رئيس نقابة عمال الحديد والصلب المعارض للحكومة مصطفى ازبك، وأورهان جوكسيل مدير أحد مراكز البحوث السياسية، ورئيس جامعة باسكنت في أنقرة محمد هابيرال. وداهمت قوات الشرطة مكاتب صحيفة «جمهوريت» العلمانية في أنقرة، ومقر مؤسسة «حماية فكر أتاتورك» في اسطنبول التي يرأسها الجنرال شنر أرايجور أو الذي يعد القوة المحركة التي تقف وراء تنظيم مظاهرات عارمة العام الماضي، شارك فيها مئات الآلاف من الأتراك ضد ترشيح عبدالله غول لرئاسة الجمهورية .

وتجدد الحديث عن الشبكة، بعدما وجهت محكمة في بداية العام الجاري الاتهام إلى ثمانية أشخاص بالتخطيط للقيام بهجمات وعمليات اغتيال، وامتدت التحقيقات مع 33 من أعضاء الشبكة لمساءلتهم عن هجوم على محكمة في 2006 أسفر عن مقتل قاض . وشملت أيضاً حادثة «سوسورلوك» التي قتل فيها رئيس شرطة اسطنبول وعضو في البرلمان. وبينت التحقيقات أيضا أن الشبكة كانت تخطط لاغتيال الكاتب الحائز على جائزة نوبل أورهان باموك، وكانت على صلة أيضا بالهجوم على مكتب «هيئة وحدة القوى الوطنية» المرتبطة بأرغنيكون في مدينة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، بهدف تحميل حزب العمال الكردستاني مسؤولية ذلك الهجوم .

وفي مطلع العام، وصف مكتب المدعي العام في اسطنبول الشبكة بأنها «إرهابية»، وقال إنها تضم عدداً كبيراً من الجماعات والمنظمات المختلفة الأحجام التي تطلق على نفسها أوصافاً، مثل الوطنية أو القومية أو الكمالية أو الأتاتوركية. وتساءلت صحيفة «طرف» التركية أوائل العام الجاري : إذا كان المدنيون في الشبكة أصبحوا خلف القضبان، فمن الذي سيقوم بالانقلاب؟ وطالبت القضاء بالاستمرار في التحقيقات حتى النهاية، لكشف جميع تفرعات الشبكة وامتداداتها. وأشارت صحيفة «حريت» الواسعة الانتشار إلى أن أفرادا في الشبكة كانوا أعضاء في حزب الله التركي الذي اتهم بالقيام بعمليات اغتيال خلال التسعينات من القرن الماضي

ومن أفراد الشبكة اللواء المتقاعد ولي كوجوك الذي وجهت إليه اتهامات بتشكيل منظمة سرية استخبارية غير شرعية ضمن قوات الشرطة، والمحامي القومي المتطرف كمال كرينجسيسز الذي رفع دعاوى كثيرة ضد كتاب ومثقفين أتراك مستقلين.

تدبير انقلاب

وتزامن توجيه الاتهام لشبكة «أرغنيكون» بالتخطيط للإطاحة بالحكومة عن طريق إثارة الاضطرابات والقلاقل، تمهيداً لانقلاب عسكري خلال العام الحالي، مع بدء جلسات النظر في دعوى رفعها المدعي العام التركي أمام المحكمة الدستورية لحظر حزب العدالة والتنمية، ومنع 96 شخصية من قادة الحزب من مزاولة العمل السياسي، بينهم رئيس الوزراء أردوغان والرئيس عبدالله غول.

ونفى اثنان من أهم المعتقلين، هما الجنرالان المتقاعدان سينير ارويجور وخورشيد طولون، الاتهامات الموجهة إليهما بالتورط في محاولة الانقلاب أو المشاركة في التخطيط لها، بينما قال مراقبون إنهما اعتقلا لانتقاداتهما الحكومة ومساهمتهما في تنظيم المظاهرات المناهضة لها، لكن إبراهيم شاهين ضابط الشرط السابق وأحد المتهمين بقيادة عمليات خاصة كشف أمام إحدى محاكم اسطنبول أن الجيش طلب منه إنشاء جهاز سري لمكافحة الإرهاب، وتنظيف الساحة الداخلية التركية.

تقويض الحريات

ويثير محللون سياسيون في أنقرة تساؤلات وشكوكاً حول الشبكة وطبيعة دورها في السياسة الداخلية في تركيا، ويقولون إنها تسعى إلى تقويض الديمقراطية والحريات العامة وإعادة البلاد إلى حكم العسكريين، بينما قال منتقدو حكومة أردوغان إنها تتخذ من هذه القضية حجة للانتقام من العلمانيين الذين حاولوا حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، بدعوى قيامه بأنشطة تتعارض مع المبادئ العلمانية.

ولا يخفى على أحد أن تركيا ذات الأغلبية المسلمة تلتزم بدستور علماني قوي وهي أحد الأعضاء القدامى والفاعلين في حلف شمال الأطلسي، وتطمح إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأن الجيش سبق أن تمكن من عزل أربع حكومات منتخبة، سواء في انقلابات مباشرة أو من خلال ممارسة ضغوط سياسية قوية، لكن الجيش ينفي أية علاقة له من بعيد أو قريب بقضية «أرغنيكون».

تويتر