بغداد أكثر أمناً من مقديشو وأخطر من كابول
بعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، يواصل مراقبون وصحافيون في بغداد وواشنطن ولندن وغيرها من العواصم إثارة أسئلة حول مدى استعداد القوات العراقية لتولي مهام الأمن في تلك المدن، من دون مساعدة من الأميركيين وغيرهم.
وعمت احتفالات مختلف المدن، فسرها صحافيين بأنها دليل واضح على فرحة العراقيين جميعا، جيشا وحكومة وشعبا بالتخلص من الاحتلال الأميركي، ووصفوها بأنها تميزت بالكثير من الكبرياء وإبداء الشعور الوطني والعروض العسكرية. حيث تحدث رئيس الوزراء نوري المالكي في كلمة متلفزة عن «الإنجاز الذي حققه كل العراقيين»، وجابت سيارات الشوارع ملفوفة بالأعلام والورود البلاستيكية، ولكن السؤال القيم منذ وقت طويل الذي يطرح نفسه: هل أصبح العراق مستعداً لتحمل مسؤوليات أمنه والمصالحة الوطنية؟
وما من أحد يستهجن تنامي مشاعر الأمل والتفاؤل المطلوبة بين العراقيين الذين عانوا الكثير على مدى الأعوام الستة الماضية، لكن هناك حقائق مرة في الواقع جسدها العنف الدامي والتطرف الأعمى اللذان زجا بالعراق في أتون الصراع الطائفي والتصعيد المتبادل، ما دفع بعضهم إلى التهكم بمرارة السخرية من الذين كانوا يحذرون من أن ما يجري في العراق قد يدفعه الى الحرب الأهلية قائلين، إذا كل ما يحدث من هجمات دموية تحصد أرواح عشرات الأبرياء من النساء والأطفال يوميا ليس حرباً أهلية، فما الحرب الأهلية إذن؟
وعلى الرغم من تراجع وتيرة العنف خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يمر على العراق حتى الآن أسبوع كامل واحد من غير تفجيرات أو هجمات، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية اثنين من أكبر التفجيرات وأوقعا معاً 150 قتيلاً، بينما تستمر الهجمات على قوات التحالف.
وعلى الرغم من الاحتفالات والابتسامات، فإن عراقيين كثيرين يخشون زيادة الهجمات في محاولة من المسلحين لإرجاع الفضل في انسحاب القوات الأميركية إليهم.
ومما لا شك فيه أن القوات العراقية التي تعد نحو 600 ألف جندي لاتزال بحاجة إلى المزيد من الدعم التقني والتدريب، على الرغم مما قاله المالكي من أن استقرار حكومته نابع مما حققته من إنجازات في المجال الأمني والمجالات الأخرى، ولأنها «أبدت القوة أكثر مما كان يعتقد معظم المنتقدين منذ عامين».
وهناك مشكلات أخرى، منها أن شكوك الأكراد في نوايا الحكومة العراقية، وخوفهم من أن تحاول إنهاء ما يشبه الحكم الذاتي في مناطقهم لم تتوقف، وإقدام الحكومة العراقية على اعتقال بعض قادة مجموعات الصحوات، إضافة إلى مشكلة ثالثة هي الفساد الذي يزداد تفشياً في الأوساط الرسمية، حيث حذر المالكي من أن الفساد أصبح «قضية خطيرة»، تعيق تقدم العراق.
ويذهب فريق من المحللين إلى أن انتشار العنف في الشوارع قد يدفع الولايات المتحدة إلى العودة إلى بعض قواعدها العسكرية الـ120 التي أخلتها، لكن ذلك سيشكل إهانة واضحة للمالكي والحكومة والبرلمان.
وكان لافتاً أن وزارة الدفاع الأميركية تجنبت إظهار أي صور لانسحاب قواتها، لأن ذلك يستدعي بشكل أو بآخر ذكريات الانسحاب الأميركي من سايغون، عاصمة ما كان يعرف بفيتنام الجنوبية في 1975 تحت وطأة ضربات ثوار الفيتكونغ.
وسيتم الإبقاء على 130 ألف جندي في قاعدة خارج المناطق المدنية حتى سبتمبر المقبل، ليبدأ حينئذ الانسحاب التدريجي الشامل من العراق بحلول أغسطس 2010 على أن يتم سحب ما تبقى في .2011
وأظهرت استطلاعات الرأي أن الانقسامات الطائفية والعرقية تعمقت في العراق، بسبب الاحتلال ووجود القوات الأميركية لاختلاف نظرة كل من السنة والشيعة والأكراد إليها، وهو ما ترتب عليه اختلاف نظرة الطوائف الثلاث للجماعات المسلحة التي تنفذ الهجمات وعمليات التفجير في العراق. فمنهم من يقول إنها مقاومة وثورة، ومن يقول إنها جماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة.
وإذا كان الأمن تحسن كثيراً في بغداد ووسط العراق، فذلك قد يجعلها حاليا أكثر أمناً من العاصمة الصومالية مقديشو، ولكنها أكثر خطراً من العاصمة الأفغانية كابول، ما يوفر سبباً جديداً وقوياً لعدم عودة اللاجئين العراقيين الذين يزيد عددهم على المليونين حتى الآن.