فلسطيني يتحدى الاحتلال ببيت من طين في غزة
في ظل استمرار حظر دخول مواد البناء الى قطاع غزة، ضمن الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل عليه، لجأ أحد أبناء مدينة رفح على حدود القطاع إلى بناء منزل له من لبنات الآجر، والواحدة منها لِبنة أو طوبة مكعبة مستطيلة الشكل من الطين المخلوط بالتبن.
وبهذا، يكون جهاد الشاعر (63عاما) قد تحدى الحصار الإسرائيلي الشامل المفروض منذ انفراد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بالسيطرة على القطاع في صيف ،2007 وأسهم بطريقته الخاصة في عملية إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في حربها على قطاع غزة، والتي استمرت ثلاثة أسابيع من القصف البري والجوي العنيف من جهة، وأعاد إلى الحياة أسلوباً في البناء، كان سائدا في القطاع قبل قرون .
ويجلس الشاعر على بلكونة منزله المكون من ثلاث غرف، ليستمتع بالنظر إلى حديقته المطرزة بصفوف من أشجار النخيل، ويخترقها ممر تسيّجه بجمال بسيط إطارات السيارات المدفونة حتى النصف، وزرعت من حول الممر صفوف من البطيخ والطماطم والباذنجان.
ويقول الشاعر إنه يشعر بالفخر لأنه تمكن من استكمال بناء البيت خلال ثمانية أسابيع، بعد انتهاء الحرب التي سمّتها إسرائيل «الرصاص المسكوب» في يناير الماضي. ويقول إن اهتمامه بهذا الأسلوب التاريخي للبناء يعود إلى ما شاهده خلال رحلة دينية إلى بنغلاديش في التسعينات «وهذا ما قام به أجدادنا قبلنا، ولكن، لم أفكر على الإطلاق في أنني قد أقوم بهذا بنفسي».
وكان بيت عائلة الشاعر المشيد من الإسمنت واحداً من بيوت قليلة، تبقت من عشرات البيوت التي دمرتها إسرائيل على امتداد الحدود مع مصر خلال الأعوام التسعة الماضية، وأصبح مكتظاً يضيق بمن فيه، ما دفع جهاد إلى التفكير الجاد في البحث عن مكان آخر للعيش فيه.
ولمّا كان يعاني من ضيق ذات اليد لتشييد منزل من الإسمنت المحظور دخوله، فقد ذهب ذهنه الى البناء بالطوب الطيني المجفف، والذي يمكن الحصول عليه مجاناً، باستثناء تحمل أجرة النقل، والتي تبلغ 84 دولاراً لسيارة الشحن. ويمكن صنع طوب الآجر باستخدام صندوق خشبي مستطل مكعب الشكل، يستخدمه ماسحو الأحذية، وتعبئته بالطين المكون من الرمل والماء المخلوط بالتبن، ثم تترك اللبنات لمدة ثلاثة أيام لتجف تماماً وتزداد صلابة. وبعد نجاحه في تثبيت السقف من الأخشاب الكبيرة وجذوع الأشجار، تمكن الشاعر من إيواء زوجته وبناته الأربع وطفله الرضيع في بيته الجديد الذي لم تزد تكلفته على 778.1 دولاراً، مقارنة بـ 52 ألف دولار ثمن الشقة المتوسطة من الإسمنت. ولا يخفي الشاعر ابتهاجه بإنجازه، قائلاً: «هذه هي الطبيعة، وهذا البيت منها، وليس من صنع الإنسان، فالله خلق الطين، حتى يتمكن الناس من العيش، فليست هناك تكنولوجيا أو بدائل أخرى أمامهم». وكان الشاعر يعتاش من توزيع الوقود الذي يتم تهريبه عبر الأنفاق من مصر، قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وحول أهمية تلك الأنفاق، يقول: «لو كانت لدي ثلاثة أنفاق، لا أحتاج إلى فتح نقاط العبور»، لكنه يحمّل إسرائيل بوضوح المسؤولية الكاملة عن الوضع الإنساني الصعب في القطاع. ويضيف الشاعر «تبحث إسرائيل دائماً عن الذرائع لمواصلة حصارها، وعدم السماح بدخول أي من احتياجاتنا الإنسانية الأساسية الى هنا، فهم يريدون أن نبقى في حالة قلق متصلة في حياتنا، من يوم إلى آخر حتى لا نفكر في حقوقنا الأساسية».
وزار خبراء من حركة حماس الشاعر في بيته، لبحث إمكان تعميم قام به على نطاق واسع، في إطار جهود الحركة للنهوض بالمهمة الكبيرة الملقاة على عاتقها، وهي إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومن ضمنه 4000 منزل، فالمهمة مازالت معلقة ولم تبدأ، وعلى الرغم من مضي أكثر من خمسة أشهر على انتهاء الحرب، فإسرائيل متنع دخول الإسمنت والحديد والزجاج والمواد الأخرى المتصلة بعملية البناء إلى قطاع غزة.