لا تسوية سلمية في الشرق الأوسط من دون «حماس»
خلال ستة أشهر هي كل ما أمضاه الرئيس الأميركي باراك اوباما وإدارته في البيت الأبيض طفت على سطح الأحداث في الشرق الاوسط الخلافات بين الولايات المتحدة واسرائيل، بل وتنامت حتى أصبحت توترات واضحة تعكر صفو العلاقات الحميمة والخاصة بينهما، وربما دخلت هذه التوترات مرحلة حساسة وخطيرة قد تلحق الضرر المباشر والملموس بهذه العلاقات، حينما أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بلهجة من التحدي أن «إسرائيل لن تتلقى أوامر أو تقبل مراسيم عُليا من واشنطن». كما هاجم نتنياهو اثنين من ابرز مساعدي اوباما وهما رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل والمستشار السياسي الذي كان المخطط الاستراتيجي للحملة الانتخابية للرئيس ديفيد اكسلرود، ووصفهما بأنهما « يمارسان الكراهية لنفسيهما وابناء جلدتهما اليهود».
ويحاول اوباما من خلال موفدين وقنوات دبلوماسية عادية بين الطرفين اقناع الاسرائيليين بأن تكون المحادثات بينهما «نقاشاً بين الأصدقاء»، من دون ان يتخلى عن مطالبته بتجميد تام وحقيقي للاستيطان في الضفة الغربية، في وقت تتزايد فيه المؤشرات إلى أن واشنطن تزداد تصميماً واستعداداً لممارسة الضغوط من أجل وقف كامل للنشاط الاستيطاني، حتى ذلك الخاص بالتوسع الطبيعي للمستوطنات وضرورات نموها السكاني، على ان يتزامن ذلك مع خطوات تطبيع من جانب الدول العربية لإيجاد الظروف المناسبة لإعادة اطلاق مفاوضات السلام خلال العام الجاري.
ومن المتوقع بعد ذلك ان تبادر الإدارة الأميركية الى طرح خطة تقوم بشكل عام على فكرة دولة فلسطينية مؤقتة في الضفة الغربية مع تأجيل البت في أهم قضيتين حاسمتين: وهما مصير القدس واللاجئين الى موعد لاحق، وفي هذه الحالة لن يكون اتجاه الجميع نحو السلام النهائي والدائم وانما نحو مزيد من النزاع وتعقيداته. ولاشك ان هناك ترحيباً واسعاً للتغيير في السياسة الأميركية نحو أهم واقرب حلفائها في الشرق الأوسط، المعروفة والقائمة تاريخياً على فكرة الدعم المطلق ـ والشيك المفتوح على بياض ـ لتصبح اكثر توازناً من خلال محاولة اوباما تجميد الاستيطان غير الشرعي في ارض تم احتلالها بصورة غير شرعية، والتعامل بقدر اكبر من الاحترام والاهتمام مع العالم العربي الذي وحّد صفوفه على المطالبة باتفاق نهائي دائم للسلام.
وبالنسبة للفلسطينيين وعلى ارض الواقع هناك ما هو اكثر اهمية وإلحاحاً من وقف الاستيطان وهو الضغط الفعال على اسرائيل لحملها على التخلي عن إجراءاتها العملية التي تحيل حياتهم اليومية الى جحيم مثل إلغاء الحواجز العسكرية للتفتيش على مداخل المدن وفي الطرقات والتوقف عن مواصلة بناء جدار الفصل العنصري الذي يبتلع مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة الذي يعيش عشرات الآلاف من ابنائه في خيام وبين الركام وانقاض البيوت التي دمرها العدوان الأخير عليه في يناير الماضي.
ومن وجهة نظر الجادين في اهتمامهم بالتوصل الى اتفاق سلام دائم ونهائي يبقى الأمر الأكثر ضرورة هو تخلي الأميركيين عن الفيتو الذي يتمسكون به ضد اي مفاوضات او اتصالات مع الذين انتخبهم الفلسطينيون، تحت بنادق الاحتلال وحرابه، في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة المراقبين الدوليين قبل ثلاثة اعوام، وهم اعضاء الحكومة المقالة التي كانت تقودها حركة «حماس» وممثلوها في المجلس التشريعي الفلسطيني. وفي خطابه الذي الذي توجّه به الى العالم الاسلامي من جامعة القاهرة في يونيو الماضي، اعترف اوباما بأهمية حماس وبأنها تحظى بتأييد ودعم كبير، لكنه اصر على انه يمكن لها «أن تلعب دوراً» اذا قبلت بشروط هو يعرف تماماً أنها لن تقبل بها. وقد كرر رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل الالتزام بوقف الأعمال العدائية بكل اشكالها مقابل الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 واقامة دولة فلسطينية عليها والاعتراف بحق اللاجئين في العودة.
ويجب ان يكون جلياً للجميع أنه لن يُكتب النجاح او الاستمرار لأية تسوية سلمية ما لم تحظ بالدعم الخارجي والقبول من الطرفين، وخصوصاً الجانب الفلسطيني باعتباره ضحية جرائم الاحتلال وممارساته منذ عقود من قتل وتنكيل واعتقال وتعذيب وتهجير والتطهير العرقي ونسف للبيوت وتدمير للممتلكات، فالكثير من الفلسطينيين يقول بتسوية تتضمن الحد الأدنى من مقومات القبول، وإما فلا شيء لأنه لم يعد لديه ما يخسره او يخاف عليه.
وقد دعت لجـنة الشـؤون الخـارجية في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) الحكومة الى التحدث مع «حماس» مرددة دعـوات بهـذا الشأن أطلقـتها اصـوات مهـمة وشخصيات مؤثرة في الولايات المتحدة واسرائيل.
وقد عبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديمقراطي جون كيري الحقيقة عن حقيقة الموقف الاميركي، حينما قال أخيراً «لقد فازت (حماس) في الانتخابات السابقة ولن نسمح لها بالفوز مرة ثانية». وعوضاً عن مساندتها لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية فان اميركا والدول الأوروبية الحليفة لها تعمل بكل ما تستطيع ضد هذه الوحدة وتعميق الخلافات بين حركتي «فتح» و«حماس» لأن دعم هذه الدول للسلطة الفلسطينية انما يعتمد في واقع الامر على مدى قوة تحركها لقمع اعضاء «حماس» واعتقالهم وملاحقتهم في الضفة الغربية بزعم محاربة الإرهاب، مما يزير من التباعد بين «فتح» و«حماس».
واستناداً الى تقديرات جماعات حقوق الانسان فإن أكثر من 1000 سجين سياسي يقبعون في سجون السلطة من دون توجيه اتهام لهم او محاكمة، وممارسات التعذيب والمطاردة والاقتحامات لمنازل ناشطي «حماس» اصبحت ممارسات يومية ومنهجية لقوات الأمن التابعة للسلطة، يقف وراءها المنسق الأمني الأميركي المقيم الجنرال كيث دايتون الذي يعتبره كثير من المراقبين مركز القوة الحقيقي في الضفة الغربية. ويبدو الأثر المدمر لهذه الممارسات واضحاً ليس في الانقسام الحاصل بين «فتح» و«حماس» بل داخل حركة «فتح» ذاتها.
وفي هذا الشأن يدعو القيادي في «فتح» حسام خضر الى وحدة الصف والتغلب على الخلافات بينن «فتح» و«حماس» قائلاً «لا نتأمل شيئاً من أوباما ولابد من وضع استراتيجية واحدة للمقاومة والمفاوضات». وعلى افتراض ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس نجح في التوصل الى اتفاق سلام نهائي بإعلان دولة فلسطينية مكونة من معازل وكانتونات غيرر مترابطة في الضفة الغربية، وهو اقصى ما يمكن ان تحصل عليه ادارة اوباما بالضغط على اسرائيل، فان الرئيس عباس لن يكون قادرا على تسويقة، او اقناع الشعب الفلسطيني بقبوله، ما لم تدرك الولايات المتحدة واسرائيل تقديم المزيد من المقومات التي تجعل من ذلك الاتفاق اقرب ما يكون الى التسوية الحقيقية التي تشتمل على الحد الأدنى مما يطالب به الفلسطينيون لأن البديل تجدد العنف بمزيد من القسوة وتوتير أوسع للظروف والأوضاع على الساحة العالمية.
❊سيوماس ميلني كاتب صحافي في «ذي غارديان»