متآمرون أميركيون «غير حكوميــين» وراء انقلاب هندوراس

مناصرون لزيلايا يطالبون بعودته. أ.ف.ب

حرصت إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، فور وقوع الانقلاب الأخير في هندوراس في 28 يونيو الماضي على توخي الحذر الشديد وأن تنأى بنفسها عنه، وسارعت إلى إدانة خلع الانقلابيين للرئيس الشرعي مانويل زيلايا ونفيه إلى كوستاريكا، وعلقت التأشيرات لكبار المسؤولين ومساعداتها لهذا البلد الواقع في منطقة الكاريبي، لكن محللين قالوا إن كل هذا لا ينفي تورط مسؤولين أميركيين في ما حدث.

وتدور الرواية التي تم تقديمها إلى الأميركيين حول ما جرى ضد زيلايا الحليف للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، حول فكرة انه تم إبعاده إلى خارج هندوراس لمحاولته تغيير الدستور للبقاء في السلطة، لكن هذه الرواية ملفقة وبعيدة عن الحقائق، فكل ما كان يحاول القيام به هو الدعوة إلى مؤتمر موسّع لتعديل عدد من مواد الدستور الذي وضعه النظام العسكري في هندوراس عام ،1982 خصوصاً في ما يتعلق بوضع حد لسيطرة الجيش على الحياة السياسية وهي خطوات كانت تحظى بتأييد اتحاد نقابات العمال والمنظمات الاجتماعية وجماعات السكان الأصليين.

وعلى الرغم مما يتردد عن علاقة الصداقة التي تربطه بتشافيز، فقد كان زيلايا في الأساس إصلاحياً ليبرالياً عمل على رفع الحد الأدنى للأجور، وتعزيز قبضة الشعب على شبكة الاتصالات ومشروعاتها.

لم يكن اشتراكياً

وفي هذا الشأن، يقول رئيس اتحاد الفلاحين في هندوراس رافائيل أليغريا إن «زيلايا لم يكن اشتراكياً أو ثورياً، وإن ما قام به من إصلاحات لم يكن فعالاً أو مؤثراً إلى حد إيذاء أنصار الحكم الشمولي الاستبداديـ الأوليغارشي، ما شجعهم على الانقضاض عليه». ومن بين المتورطين في تدبير الانقلاب على زيلايا، المحامي الفنزويلي روبرت كارمونا بورغاس الذي هرب إلى واشنطن بعد تورطه في المحاولة الانقلابية على تشافيز عام ،2002 حيث احتضنته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وقبل أسابيع من الانقلاب في هندوراس شنّ بورغاس هجوماً على زيلايا، واتهمه بالتعاون مع تجار ومهربي المخدرات.

كما اتهمت منظمة بلاك فراتيرنال (الأخوة السوداء) الهندوراسية بورغاس وأوتو ريتش وأليوت أبرامز، وهم من أبطال فضيحة إيران كونترا غيت في الثمانينات، في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان بالتورط «المباشر الذي لا يمكن إنكاره في الانقلاب».

وحث ريتش، الذي عمل مستشاراً لشؤون أميركا اللاتينية في حملة المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين في إدارة أوباما، أخيراً على التخلي عن تأييد زيلايا، لأن ذلك يضعها في معسكر واحد مع كوبا وفنزويلا، واتهمه بتلقي رشوة من شركة «هندوتل» الهندوراسية العامة للاتصالات، ما دفع زيلايا إلى مباشرة إجراءات لملاحقته قضائياً بتهمة القذف والتشهير.

وعزا مراقبون اتهام ريتش لزيلايا بالرشوة إلى رفض الأخير الدعوات إلى خصخصة قطاع الاتصالات، إذ كان شأنه في ذلك شأن معظم قادة دول أميركا اللاتينية، من أشد معارضي الإقدام على هذه الخطوة.

هجوم على أوباما

وهاجم جمهوريون في الكونغرس إدارة أوباما واتهموها بانتهاج سياسة ليّنة تجاه زيلايا، حيث دعا السيناتور جيم دي مينت إلى عدم التسرع في تصويت الكونغرس لإقرار مرشحيها لمنصب السفير الأميركي في البرازيل ومساعد لوزيرة الخارجية بسبب ضعف تلك السياسة، وذلك في وقت أكد فيه كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأميركية مساندتها الكاملة لعودة زيلايا إلى هندوراس.

ويقول السفير الأميركي السابق في السلفادور روبرت وايت الرئيس الحالي لـ«مركز السياسة الدولية» «إذا أردت أن تعرف القوة الحقيقية التي تقف وراء الانقلاب في هندوراس، فلابد لك من العثور على من يدفع المال للمحامي لاني ديفيز»، ويقوم ديفيز الذي دافع عن الرئيس السابق بيل كلينتون في قضية محاولة الكونغرس مساءلته بشأن علاقته مع مونيكا لونيسكي، حالياً بجهود كبيرة لحشد أكبر عدد من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس لتأييد الانقلاب.

وطبقاً لما يقوله المحرر في نشرة «نيو أميركان ميديا»، روبرتو لوفاتو فإن المحامي ديفيز يمثل الجانب الهندوراسي في مجلس رجال الأعمال لأميركا اللاتينية الذي ساند الانقلاب بقوة.

فرجال الأعمال والأغنياء،- كما يقول وايت- غالباً ما يرغبون في الانقلابات، ويساعدون على إنجاحها لأنهم لا يرون في بلادهم إلا آلة لإنتاج المال لزيادة ثرواتهم، وينظرون إلى أي قانون أو تشريع لمصلحة الشعب على أنه تهديد لمصالحهم، مع العلم أنه استناداً إلى البنك الدولي، فإن 59٪ من الهندوراسيين يعيشون تحت خط الفقر.

شركات مالية

وإذا كان زيلايا يبرئ إدارة أوباما من التورط في الانقلاب ضده، فإن شبكة من الوكالات والهيئات المالية الأميركية متورطة في أشكال وأدوار مختلفة في دعم الانقلابيين وتدريب وتمويل الجماعات الموالية لهم في هندوراس، ومنها «مؤسسة نصف الكرة الغربي للتعاون الأمني»، التي ساعدت على تدبير انقلابات عدة في دول أميركا اللاتينية.

والتزمت وزارة الخارجية الأميركية الصمت إزاء ما جاء في تقرير لجنة المختفين والمفقودين من السجناء في هندوراس عن أن نظام الانقلاب في هندوراس ارتكب ما يزيد على 1100 انتهاك لحقوق الإنسان، منها الاعتقال والضرب والقتل في وقت نددت فيه هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمة مراسلين بلا حدود ومنظمات أخرى بهذه الانتهاكات.

ويزعم ديفيز أن الانقلاب كان «مناورة قانونية» للحفاظ على الديمقراطية في هندوراس، ولكن من الواضح أنه يصعب الخوض في جدل حول شرعية ما حدث، فأحد المشتركين هو- فرناندو جويا - أحد الأعضاء السابقين في الكتيبة 316 من فرق الموت، وكان قد هرب من هندوراس بعد اتهامه بجرائم اختطاف وتعذيب عدد من الطلبة خلال الثمانينات ليعود في النظام الانقلابي الجديد في منصب «مستشار أمني خاص»، وقال في مقابلة تلفزيونية قبل ايام إنه يفضل تشبيه ما حدث في هندوراس في 28 يونيو الماضي، بما جرى في تشيلي عام .1973 وطبقاً لأستاذ التاريخ في جامعة نيويورك، البروفيسور غريغ غراندن، فإن من بين مدبري الانقلاب يمنيين متطرفين من منظمة «أوبس دي» التي تعود جذورها إلى نظام الجنرال فرنشسكو فرانكو في إسبانيا. وفي عقود خلت كان من اليسير الإشارة إلى تورط المارينز أو الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي أيه» في انقلابات في دول أميركا اللاتينية كما حدث في غواتيمالا ونيكاراغوا وتشيلي، لكن الانقلاب الأخير في هندوراس يحمل بصمات العديد من المؤسسات والمنظمات الأميركية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومدرسة الأميركيتين، وقوى ضاغطة ذات طابع حزبي وأشخاص كرسوا أنفسهم كفرسان للحرب الباردة.

تويتر