فيسـك: حقيقـة لوكربـي في طهـران ودمشق وليس طرابلس
❊ روبرت فيسك
لننسَ جميع الحماقات التي قالها وزير خارجيتنا المحبوب ديفيد ميلباند، فقد كان سعيداً في التعبير عن حنقه، حيث اعتبر أن الاستقبال الذي حظي به الليبي المدان في قضية لوكربي، والمفرج عنه أخيراً، عبدالباسط علي المقراحي في طرابلس انحرافاً عما تحاول الحكومة البريطانية أن تتجنبه، وهو ما نسميه بالحقيقة التي لا يعرف السيد ميلباند عنها كثيراً.
لقد كان القرار للمقرحي وليس لمحاميه، ذلك الخاص بالتخلي عن الاستئناف الذي كان سيكشف كامل الحقيقة بشأن لوكربي. ويفضل البريطانيون أن يعود المقرحي إلى بلاد ذلك الرئيس الذي ألف «الكتاب الأخضر» عن مستقبل العالم، بدلا من مواجهتهم (البريطانيون) بإعصار المعلومات الذي كان يمكن أن يكشف عنه الاستئناف.
لا أحتمل الكثير مما اوردته الشرطة الالمانية التي ورثت خبث الرايخ الثالث، لكنهم في هذه المناسبة أكدوا في روايتهم أن لبنانياً لقي حتفه في حادث لوكربي تم اصطحابه الى مطار فرانكفورت بواسطة عناصر من ميليشيا لبنانية، وان الحقيبة التي تحتوي على العبوة الناسفة التي فجرت الطائرة في ما بعد وضعها رجال تلك الميليشيا في سير الحقائب بمطار فرانكفورت، وهم الذين اشرفوا على إقامته في ألمانيا قبل مغادرة تلك الرحلة.
قرأت جميع التحقيقات التي أجرتها الشرطة الألمانية مع المشتبه فيهم، وكانت غاية في الغرابة، ويبدو من خلالها ان هناك يداً لبنانية في الموضوع، وربما كانت هناك يد فلسطينية أيضاً، ولا أنسى أبداً ذلك المؤتمر الصحافي الذي عقده في بيروت الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، احمد جبريل، حيث انبرى ليقول «لست مسؤولاً عن حادث لوكربي. إنهم يريدون ان يأخذوني للمحكمة»، على الرغم من عدم وجود محكمة في ذلك الوقت، ولم يكن هناك سوى الصحافيين والاستخبارات البريطانية والأميركية التي أشارت بإصبع الاتهام الى حلفاء جبريل، إنها إيران التي أرادت الانتقام من إسقاط طائرتها المدنية بواسطة الفرقاطة الأميركية «فينسينس» في مياه الخليج قبل أشهر قليلة من الحادث، ومازلت اعتقد أن ذلك قريب جداً من الحقيقة.
ولكن بعد ان أرسلت سورية دباباتها الى المملكة العربية السعودية بعد غزو صدام حسين للكويت عام ،1990 تحوّلت كل الحقائق التي جمعتها الاستخبارات البريطانية الى هراء ضد العقيد القذافي، وكان الأخير في خضم مشكلات عميقة، في الوقت الذي كانت فيه ليبيا مسؤولة بما لا يدع مجالاً للشك عن إسقاط طائرة يوتا الأميركية 772 على الأراضي التشادية عام .1989 فلماذا إذن لا يزج بها في حادث لوكربي أيضا؟
علينا الآن أن ننسى ذلك الاجتماع الذي نظمه رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، توني بلير، مع العقيد القذافي بعد أن تخلى الأخير عن خططه النووية (لا يستطيع مهندسوه الليبيين حتى تسليك حمام في فندق خيبر)، وهو الأمر الذي وصفه وزير الخارجية السابق جاك استرو بتصرف رجل الدولة. إنه الرجل نفسه الذي استضاف مجموعة من المسلحين هاجموا سفينة يونانية، وهو الرجل نفسه الذي اختطفت بحريته يختاً يطلق عليه«سيلكو» احتجز أفراد طاقمه لثماني سنوات، كما انه الرجل نفسه الذي أمد الجيش الأحمر الايرلندي بالأسلحة، وبالطبع هو «رجل الدولة» نفسه الذي اغتال معارضي نظامه في الخارج، والذي قتل الشرطية البريطانية في لندن. شكراً لجاك استرو الذي بيّض وجه القذافي وتركه لميلباند ليرغي ويزبد فيه بشأن استقبال المقرحي في طرابلس.
وفي الوقت نفسه فإن اقرباء ضحايا لوكربي لا يدركون الحقيقة، واعتقد ان الحقيقة كامنة في لبنان ودمشق وطهران، ومع علاقاتك المتحسنة مع المدينتين الأخيرتين فليس هناك فرصة واحدة للتحقيق في هذا الأمر سيدي وزير الخارجية.
ومن سخريات القدر أن المقرحي استقل طائرة إيرباص إيه 300 عائداً إلى وطنه، وهي من سلسلة الطائرة الايرانية نفسها التي أسقطتها البحرية الأميركية عام ،1988 والتي لم يقل القذافي بشأنها شيئاً.
ذات مرة ذكر آية الله حسين علي منتظري (كان ذات مرة اكثر المختارين لخلافة الامام الخميني لكنه الآن يعيش شبه اعتقال تحفظي) في طهران عام 1988 انه «متأكد بأن الامام الخميني إذا امر جميع القوات الثورية وخلايا المقاومة داخل وخارج إيران فإنهم سيصبون جام غضبهم على المصالح المالية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأميركية». هل تذكر ذلك سيدي ميلباند؟ كلا بالطبع إنك لا تتذكر ذلك».
❊ صحافي بريطاني متخصص بالشرق الأوسط
عن «إندبيندنت»