شركات الأمن البحري الخاصة تتهافت على محاربة القراصنة
الردع الأميركي
تقول الولايات المتحدة إن الهدف البعيد المدى من وراء إرسال قوة الردع 151 إلى سواحل شرق إفريقيا هو حمل القراصنة على العودة لمزاولة صيد الأسماك. كما تنطوي الخطوة المقبلة على تأسيس نظام قضائي في المنطقة لمقاضاة القراصنة المحتجزين، حيث إن معاقبة القراصنة لمهاجمتهم سفناً تجارية سيكون بمثابة رادع لقراصنة جدد. وقالت وزارة الدفاع الأميركية إنه ينبغي ان يكون هناك ردع شديد بالنسبة لكل من يفكر في جعل القرصنة مورد رزقه. |
وفي أبريل الماضي لم ينصح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيمس جونز، بتدخل القوات الخاصة الألمانية لتحرير الرهائن المحتجزين من طرف قراصنة، على ظهر سفينة شحن قبالة السواحل الصومالية. وبعد مفاوضات طويلة مع القراصنة انتهت أزمة الرهائن، بداية الشهر الجاري، بدفع فدية تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار. والغريب في الموضوع أن الشركة الألمانية المالكة للسفينة استأجرت شركة أمن خاصة لتوصيل الفدية إلى الخاطفين. وتستخدم شركات الأمن طرقاً مختلفة للتعامل مع القراصنة، من بينها تجهيز سفن الشحن بوسائل الحماية مثل الأسلاك الكهربائية التي تعيق صعود القراصنة على ظهر السفينة. ومن طرق الحماية أيضا مرافقة زوارق خاصة لسفن الشحن أو وجود عناصر مسلحة على متن تلك السفن.
ويقول مدير شركة «إي أو اس» لإدارة المخاطر، في لندن، ديفيد جونسون إن صفقات حماية السفن التجارية التي تمر بسواحل شرق إفريقيا قد تضاعفت ثلاث مرات، في .2008 وتقول الشركة إنها أحبطت 15 هجوماً قام به قراصنة صوماليون، منذ بداية العام الجاري. وتزعم «إي أو اس» أنها لا تلجأ إلى استخدام السلاح في عملياتها إلا للضرورة القصوى. في المقابل يقول جونسون ان لاعبين جدداً غير مؤهلين، يتهافتون على «تجارة الأمن البحري»، مستغلين غياب السلطة في القرن الإفريقي وتدفق السلاح على المنطقة. وأصبحت الزوارق التي تقدم خدمات الحماية مقابل المال رائجة على السواحل الصومالية، ما جعل الكثير من البحارة يفضلون الالتحاق بالشركات الأمن البحري الخاصة.
وقد احتدم خلاف حول دفع أصحاب السفن التجارية فدى من أجل استرجاع سفنهم المخطوفة. فمن جهة تصر الولايات المتحدة على التعامل الحازم مع القراصنة والقضاء على الظاهرة، فيما يرى ملاك السفن أن المهم بالنسبة لهم هو سلامة ممتكاتهم ووصولها إلى وجهاتها بسلام. ودعا وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى التوقف عن دفع الأموال إلى القراصنة، لأن ذلك سيفاقم الوضع ويجعل مهمة القوات الدولية شرق إفريقيا صعبة.
وتتنافس القوات البحرية لدول عديدة مع شركات الأمن الخاصة في مجال الحماية البحرية وتوظف عسكريين سابقين لهم خبرة طويلة في العمل البحري. كما تعمل كل منهما على تطوير الوسائل لمكافحة ظاهرة القرصنة. إلا أن الأميركيين يرون أن الجهود المنفردة لن تستطيع مواجهة هذا الخطر الكبير، وتدعو إلى تضافر الجهود وتنسيق العمليات لمحاصرة القراصنة وطردهم ومنعهم من الوصول إلى أعالي البحار. ويتطلب ذلك تعاوناً مستمراً وفعالًا بين الدول وأصحاب السفن والشركات الأمنية الخاصة. وفي ذلك تقول وزارة الخارجية الأميركية انه «في ظروف مناسبة يعتبر وجود عناصر مسلحة، خاصة أو نظامية، عاملاً رادعاً لقراصنة القرن الإفريقي، خصوصاً بالنسبة لبعض الناقلات والسفن التي تتوقع مخاطر كبيرة».
وتخوض نحو 15 دولة حرباً ضروساً ضد القرصنة في القرن الإفريقي، وتجوب الأساطيل البحرية المحيط الهندي لتأمين المسارات التجارية. وتوجد في المنطقة التي تقارب مساحتها مساحة الولايات المتحدة نحو 30 سفينة حربية فقط، في الوقت الذي يرى فيه المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، أشيم وينكلر، أن العالم بحاجة إلى «مئات السفن الحربية لتأمين المنطقة». من جهة أخرى وجدت القوات البحرية في تلك الدول فرصة للمطالبة بالمزيد من الأموال والصلاحيات لتنفيذ مهمات خارجية. هذا ووافق حلف شمال الأطلسي على التعاون مع روسيا لمحاربة القراصنة، إلا أن موسكو التي أرسلت بالفعل عدداً من البوارج، ترفض أن تعمل قواتها تحت قيادة الحلف أو الأوروبيين.
إضافة إلى الدول الكبرى أبدت دول صغيرة اهتماماً كبيراً بمحاربة الظاهرة من خلال إرسال قواتها للانضمان إلى الأسطول الأوروبي. ومن بين تلك الدول جمهورية كرواتيا التي قررت أخيراً وبعد جدل حول «حقوق الإنسان» خلال التعامل مع القراصنة، قررت الانضمام إلى قوات الاتحاد الأوروربي العمل تحت رايته في أعالى البحار. ويرى الخبير في مؤسسة «غلوبال سيكيورتي»، جون بايك أن «عددا من القوات البحرية عبر العالم يبحث عن شيء تفعله، كما أن هناك استعداداً عالمياً لخوض حرب بحرية كبرى، الأمر الذي لن يحدث».
في المقابل يبدو أن المعادلة بين الأساطيل البحرية والقراصنة الصومايين ليست متكافئة. ففي حين تمتلك الأساطيل أحدث المعدات والتجهيزات، لايمتلك القراصنة الصوماليون إلا رشاشات خفيفة، وهم اشبه باللصوص. ومن غير المعقول «أن نواجه رجالا حفاة يمتلكون أسلحة خفيفة باستخدام بوارج عملاقة كلف بناء الواحدة منها ملايين الدولارات»، حسب رأي المحلل بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، جازون أولدرويك. كما أن السفن الحربية ليست مثالية لمثل هذه المهمات. وقد يستغرق إرسال مروحية من على ظهر سفينة بارجة حربية لنجدة سفينة تجارية 20 دقيقة، وهو الوقت الكافي لاستيلاء القراصنة على تلك السفينة.
عن «الإيكونومست»