المياه وسيلة إسرائيلية للتطهيــر العـرقــي في الخلـيـل
تعاني مدينة الخليل الفلسطينية، خصوصا القرى الواقعة في جنوبها، من انقطاع شبه كامل للمياه في الصيف والشتاء، بسبب سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على مصادر المياه الرئيسة والمختلفة في المنطقة، وعدم السماح بإقامة شبكات مياه للقرى، وحفر آبار جديدة، كما تستغل إسرائيل أيضا أكثر من 84٪ من مياه الأمطار.
ويستغل الاحتلال المياه التي يحرم الفلسطينيون منها لمصلحة المستوطنات المقامة في الخليل، كما يزود المناطق الإسرائيلية داخل ما يعرف بالخط الأخضر بأجزاء من المياه عبر أنابيب، فيما يبيع المستوطنون المياه التي يأخذونها بغير حق إلى الفلسطينيين الذين يشتكون فقرا حادا من كميات المياه.
ويوجد أكثر من 122 قرية في الضفة الغربية لا تملك شبكات مياه، 90 منها في الخليل، غير مرتبطة إطلاقا بشبكة المياه، وأكثر القرى التي تعاني من أزمات قاسية توجد جنوب وشرق الخليل، ويقطن فيها السكان في خرب وكهوف شكلتها الطبيعة.
استغلال
قال الخبير في شؤون الاستيطان في الضفة الغربية، عبدالهادي حنتش، لـ«الإمارات اليوم» في اتصال هاتفي، إن «الاحتلال الإسرائيلي قام بتقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة أحواض مائية، حتى يسهل عليه الاستيلاء على مصادر مياه الفلسطينيين، فالحوض الأول، وهو الغربي، يمتد من قلقيلية وحتى أقصى جنوب الضفة، وينتج 460 مليون مكعب سنويا، ويسيطر الاحتلال على جميعها، ويعطي الفلسطينيين 20 مليون مكعب فقط».
وأضاف «يستغل الاحتلال جميع إنتاج الحوض الشمالي، والذي يقع في جنين والمدن المجاورة لها، من المياه التي تصل إلى 115 مليون متر مكعب سنويا، والحوض الشرقي الذي يمتد حتى أريحا ينتج 60 مليون متر مكعب، وتسمح إسرائيل للفلسطينيين بـ40 مليوناً منها».
وأشار حنتش إلى أن مياه مدينة الخليل التي تستغل من قبل الاحتلال بصورة أكبر من بقية مدن الضفة تأتي من الحوضين الغربي والشمالي أكثر الأحواض التي تسيطر عليها إسرائيل.
وأوضح حنتش أن الاحتلال يستغل ما نسبته 52٪ من مياه الأمطار في المناطق الفلسطينية، ويحولها في أنابيب إلى داخل إسرائيل، كما يضع يدها على ما نسبته 32٪ من تلك المياه لمصلحة المستوطنات، ولا يتبقى للفلسطينيين إلا ما نسبته 16٪، والتي لا تكفي لمليوني مواطن فلسطيني في الضفة المحتلة.
وبحسب مركز «بتسيلم» الإسرائيلي للمعلومات وحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، توجد في الخليل 90 قرية يعيش فيها نحو 40.000 فلسطيني غير مرتبطين إطلاقاً بشبكة المياه، ويعانون من أزمة دائمة في نقص المياه.
ويصل معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي من المياه للأغراض كافة إلى نحو 280 لتراً في اليوم، بينما لا يتجاوز معدل استهلاك الفلسطيني للأغراض نفسها 65 لتراً في اليوم.
وذكر المركز أن شركة مياه «مكوروت» الإسرائيلية التي تسيطر على شبكات المياه تتبع سياسة التمييز العنصري في توزيعها، حيث تزود المستوطنات بأضعاف الكميات التي تسمح للفلسطينيين باستخدامها، على الرغم من النقص الحاد لديهم، وعدم وجود شبكات مياه لهم.
وأوضح الخبير في شؤون الاستيطان في الضفة الغربية أن أكثر القرى الـ90 التي تعاني نقصا حادا في كميات المياه هي التي توجد جنوب الخليل.
ومن قرى جنوب الخليل التي تشهد أزمة حادة في المياه، بحسب حنتش، خرسة والصرة وأبو غزلان ودونا ومنطقة عرب الرماديم. وتشهد مناطق الكهوف والخرب أزمة حادة في المياه ضمن مسلسل التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وهي في الجنوب الشرقي والغربي للخليل، ومنها: خربة جنبة، والتوانا، والتبان.
وذكر حنتش أن خربة جنبة جنوب قرية يطا جنوب الخليل تعتبر نموذجا حيا لأزمة المياه، حيث يسكنها نحو 5000 فلسطيني يعيشون في كهوف شكلتها الطبيعة، بعد أن شردهم الاحتلال جراء هدم منازلهم قبل عشرات السنين، كما أنها قريبة من حدود الخط الأخضر والمستوطنات، وبالتالي، تتعرض باستمرار لسياسة تضييق لإجبارهم على الرحيل من أراضيهم.
وأوضح حنتش أن القرى والخرب ومناطق الكهوف في جنوب الخليل تحيطها مستوطنات كثيرة تستغل مياه الفلسطينيين بالكامل، ومنها «شافي لفنا» و«متسادوت يهودا» و«ماعون» وكرامئيل» و«بني حيفر»، بالإضافة إلى بؤر استيطانية، وأكبرها «آفي غايل» المقامة على أراض جنوب شرق بلدة يطا.
ومن قرى الخليل المحرومة من شبكات المياه، بحسب حنتش، التي تقع شرق شارع «317» الالتفافي الذي أقامته إسرائيل للربط بين المستوطنات، ويمتد من جنوب الخليل إلى شمالها. وما يزيد معاناتها أنها تقع بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر إسرائيل، ومنها: قريتا غوينا التحتا والفوقا وقرية الراضيم وقرى جنوب السموع وجنوب الظاهرية.
وعن كيفية تدبير سكان الخليل المياه لقضاء حاجتهم، قال الخبير الاستيطاني، وهو أحد سكان قرى جنوب غرب الخليل، «إن سكان القرى والخرب التي تفتقر المياه يشترون المياه من الصهاريج في مناطق بعيدة، أو التي يبيعها المستوطنون، ويكلفنا هذا كثيرا يضاف إلى الأوضاع المعيشية الصعبة».
ويبلغ ثمن الصهريج الواحد 200 شيكل (نحو 50 دولارا)، وفي الوضع الطبيعي يتراوح سعر الكوب الواحد «سم مكعب» ما بين «3 ـ 5» شيكل من المياه التي يتم تزويدها بواسطة الشبكة المركزية التي يسيطر عليها الاحتلال.
وأوضح حنتش أن الأهالي يشترون صهاريج المياه من منطقتي الفوار وحلحول في الخليل من الباعة المستقلين، أو يتم شراؤها من مستوطنة «كريات أربع» في الخليل، حيث يسرق المستوطنون مياه الفلسطينيين، ومن ثم، يبيعونها لهم، وبأسعار مرتفعة.
سلب.. وهدم منازل
وكانت 20 منظمة حقوقية وسياسية إسرائيلية أكدت في وقت سابق أن الاحتلال يحرم الفلسطينيين في منطقة جنوب جبل الخليل من المياه كوسيلة للتطهير العرقي.
وأوضحت أن الاحتلال يعمل على سلب مئات آلاف الدونمات في المنطقة، من أجل إيجاد تواصل جغرافي حتى الخط الأخضر. وبحسب المنظمات الإسرائيلية الحقوقية، فإن إسرائيل تسعى لتطبيق مخططاتها بتطهير منطقة جنوب الخليل من سكانها الأصليين، من خلال التنكيل بهم بوسائل شتى كإصدار مراسيم قضائية، وهدم المنازل والطرقات، وردم الآبار، وإتلاف المحاصيل الزراعية والإعلان عن أماكن واسعة مناطق عسكرية مغلقة ممنوعة الدخول.
وبينت المنظمات الحقوقية أن النقص في الماء يعيق سير حياة الفلسطينيين، ويسبب لهم العذاب، ويهدد مصادر معيشتهم، ويضطر أصحاب المواشي للترحال نحو مناطق بعيدة، بحثا عن المياه.
والمنظمات التي دانت ممارسات الاحتلال هي «فوضويون ضد الجدار» و«بانكي» و«بات شالوم» و«كتلة السلام» و«اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت» و«اللجنة ضد التعذيب» و«مركز المعلومات البديلة» و«ترابط» و«يوجد حد» و«حداش» و«مقاتلون من أجل السلام» و«محسوم ووتش» و«ماكي» و«بروفيل حداش» و«صداقة رعوت» و«نساء من أجل السلام» و«أطباء من أجل حقوق الإنسان» و«تعايش» و«ميرتس».
مواجهة إسرائيلية
وكانت حركة «مقاتلين من أجل السلام» الإسرائيلية أمدت الأسبوع الماضي قرية يطا الفلسطينية (جنوب الخليل) بالمياه، بعد أن حاول الاحتلال منعهم، حيث دهم الجيش الإسرائيلي المنطقة، محاولا منع أعضاء المنظمة من إزالة حاجز ترابي، يقف حائلا دون وصول صهاريج المياه إلى محتاجيها، إلا أن نشطاء سلام إسرائيليين نجحوا في إدخال المياه، بعد أن بذلوا جهودا استمرت يوما كاملا.
وفتح أعضاء الحركة طريقا في وسط الجبال الوعرة، لإيصال المياه عبر صهاريج لأكثر من 1500 نسمة، يقطنون 14 تجمعا سكانيا، جميعها تفتقر للمياه. وقال إتيمار شابيرا، عضو الحركة، «جئنا لدعم وجلب المياه للناس هنا، ولنفتح الطرق لتأتي لهم المياه، هي إذن معركة شاملة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية».
وبعد أن وصلت المياه إلى يطا بعد فترة حرمان، عاد وأعلن الجيش الإسرائيلي المنطقة عسكرية مغلقة، ما أدى إلى مغادرة المتضامنين، حيث أصدر الاحتلال في وقت سابق قرارا بتحويل أراضيهم، ومساحتها 40 ألف دونم، إلى منطقة عسكرية، بالإضافة إلى سيطرة المستوطنين على مصادر المياه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news