سكان سوات يبدأون تشكيل ميليشيات لمواجهة طالبان
عاد الهدوء النسبي إلى وادي سوات غرب باكستان بعد نجاح القوات الحكومية في دحر المسلحين المناوئين للرئيس آصف علي زرداري، إلا أن انسحاب مسلحي حركة طالبان قوبل بنوع من الحذر وسط الأهالي، حيث يفضل الكثير من المدنيين حمل السلاح لحماية أنفسهم وعائلاتهم، ومن بين هؤلاء الطبيب نديم خان، الذي يتجول في الشوارع وعلى ظهره رشاش آلي من نوع «كلاشنكوف». ويقوم خان بزيارة مرضاه وقضاء حوائجه دون أن تفارقه بندقيته وكمية كافية من الذخيرة. ويبدو أن وادي سوات يشهد إعادة ترتيب وتكتلات أمنية، في حين ينضم الآلاف من شباب القرى والجبال إلى الميليشيات التي بدأت تتشكل منذ انسحاب المسلحين.
وخلال الأسابيع الأخيرة تشكلت ست ميليشيات كبيرة في سوات بمباركة من الحكومة المحلية والجيش الباكستاني. وتتولى عائلة خان قيادة هذه التنظيمات، بعد أن كانت تعيش في المنفى حيث قام مسلحو طالبان بطرد أغلب المنتمين للعائلة عندما كانت تسيطر على الإقليم.
ويقول سكان في الوادي إن العائلة عادت لتثأر من طالبان. واستولى بعض العائدين على ممتلكات تعود إلى قيادي الحركة. ومن بين الزعماء الجدد الذين تمكنوا من بناء قوة معتبرة، شير شاه خان الذي اتخذ مدينة مينغورا مقرا لجماعته التي يفوق عددها 2000 مسلح. وتم تنظيم الميليشيا بطريقة شبه عسكرية، وتوزع المسلحون في مجموعات صغيرة يتراوح عددها ما بين 20 و40 مسلحا. وتقوم المجموعات بدوريات منتظمة في الشوارع خلال الليل، وملاحقة عناصر طالبان المتسللين بين الأهالي. ويقول شاه خان، «نريد أن نظهر قواتنا حتى تمتلئ قلوب المسلحين (طالبان) بالرعب». ويضيف الزعيم القبلي أنه لا يرى مشكلة في الاستيلاء على ممتلكات عناصر الحركة، لأنهم دمرو ممتلكاته وقتلوا أفراد عائلته، عندما احتلوا المكان قبل عام، «دمروا 23 منزلا فأين المشكلة إذا أخذنا منزلا واحدا».
تنسيق مكثف
يرى مراقبون أن الميليشيات الجديدة مظهر من مظاهر العودة الحذرة لحالة السلم. في حين تبدو الحياة قد عادت إلى طبيعتها في مدن وادي سوات، وعاد الطلبة والطالبات إلى مدارسهم، بعد أن كانت قد أغلقت. كما رفعت الأعلام الباكستانية على المباني الحكومية وعاد الحلاقون إلى عملهم، بعد أن منعوا من مزاولة مهنتهم. ويقول الجيش الباكستاني إنه نجح في تفكيك حركة طالبان في وادي سوات، ولم يبق منها إلا بعض المئات بعد أن كان تعدادهم يناهز 5000 رجل. ومع ذلك فإن وجود السلاح في كل مكان يوحي بأن السلم الحقيقي مازال بعيدا. ويرابض نحو 30 ألف جندي في الوادي، يقومون بمراقبة الطرق الخارجية ومنافذ المدن. وإضافة إلى القوات البرية، تشارك القوات الخاصة في العمليات ضد عناصر طالبان، كما توجد في المنطقة وحدات مكافحة الإرهاب وأخرى من الشرطة. وتم تعيين 1100 عنصر جديد في الشرطة المحلية، حيث شهدت القوة تقهقرا كبيرا في زمن حكم الحركة.
وكان بعض الضباط يفرون من الخدمة وآخرون يقدمون استقالات جماعية ويعلنونها على صفحات الجرائد، خوفا من انتقام المسلحين. ويجرى حاليا تدريب 2600 شرطيا جديدا على مواجهة خطر الجماعات المسلحة المناوئة. ويتقاض الشرطي الجديد في وادي سوات 120 دولاراً، وهو راتب مغر لكثير من الشباب العاطل عن العمل.
تجاوزات مقلقة
في الوقت الذي يسود فيه نوع من التفاؤل الحذر، لاتزال المخاوف قائمة خصوصاً أن زعيم طالبان في وادي سوات، مولوي فضلالله، لايزال طليقا. وقد ألقت القوات الباكستانية القبض على عشرات القادة في التنظيم وقتلت من عناصره المئات. وبالرغم من ذلك تبقى نقاط التفتيش والدوريات عرضة للهجمات، في الوقت الذي تقوم الميليشيات المحلية بتجاوزات مقلقة. وفي هذا السياق شوهدت عشرات الجثث، لمشتبه في انتمائهم لطالبان، ملقاة في شوارع قرى الإقليم. وتتهم مؤسسات حقوق الإنسان الجيش الباكستاني بالوقوف وراء الانتهاكات، في الوقت الذي لم يتمكن أقارب الضحايا من الإدلاء بشهاداتهم خوفا من الانتقام. ويخشى البعض من أن تؤدي الفوضى في حمل السلاح وتزايد عدد الميليشيات إلى نتائج عكسية مستقبلا. وعلقت إحدى الصحف الباكستانية على الوضع قائلة، «القتل والانتقام قد يؤديا إلى مزيد من العنف».
من جهته، يؤكد عمدة قرية سوات، جميل ناصر، الذي يدير ميليشيا قوامها 1500 رجل، «هدفنا استعادة ثقة الناس والتأكد من عدم عودة المسلحين». ويزعم ناصر، الذي عاش في اسلام آباد خلال السنتين الماضيتين، أنه يلقى دعما كبير من طرف الأهالي، إلا أن عددا من أتباعه يقال بأنهم جاؤوا من مديرية خيبر المجاورة، وليس من سوات. ورغم الدعم الكبير الذي يحظى به عمدة القرية فإنه لا يخرج إلى الشارع إلا وهو مدجج بالسلاح وملثم الوجه، معللا ذلك بأنه «لا أريد أن أهدي طالبان هدفا سهلا».