فلسطينيون يسعون إلى استعادة جثامين شهدائهم من «مقابر الأرقام»
بعد مرور 33 عاما على استشهاد ابنه في عملية عسكرية ضد الإسرائيليين، لم يجد العجوز الفلسطيني طلب صالح (84 عاما) وسيلة أخرى للتأكد فعلا من مقتله، ومن أنه ربما مدفون في «مقبرة الأرقام» في إسرائيل، سوى اللجوء إلى المحكمة العليا في إسرائيل. وتروي أمينة الصالح (75 عاما) لوكالة فرانس برس في قرية عارورة شرق رام الله، أمام صورة لابنها مشهور وسط خارطة مطرزة لفلسطين، «علمنا من وسائل الإعلام أن ابني قتل عندما كان في العشرين من العمر، في معركة الجفتلك مع الاسرائيليين في قضاء أريحا في الثامن عشر من مايو 1976 مع اثنين آخرين».
وقال طلب صالح (84 عاما) والد مشهور «طالبت بجثمان ابني من الحاكم العسكري عبر الصليب الأحمر، واستخدمت كل الطرق القانونية الممكنة من دون أن أحصل على أي جواب، لذلك، قررت أخيرا اللجوء إلى المحكمة العليا في إسرائيل».
وعلى الرغم من عدم حصولها على جثمان ابنها، قررت عائلة صالح وضع شاهد تحت شجرة أمام البيت، حفر عليه «الشهيد الملازم مشهور طلب صالح ـ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، اضافة إلى اسم رفيقيه اللذين قتلا معه في العملية نفسها. وأضاف الأب «خرج ابني من الضفة الغربية بتصريح لمتابعة تحصيله الجامعي بعدما أنهى دراسته الثانوية، وعلمت بعدها أنه انتقل من سورية إلى الاردن مع مجموعة عسكرية فلسطينية اجتازت نهر الأردن، واشتبكت مع الإسرائيليين، ما أدى إلى استشهاد ابني بالزي العسكري مع رفيقيه». وتابع «حاولت الاستخبارات الإسرائيلية انتزاع معلومات مني عن ابني بعد استشهاده، وعرضوا علي التعامل معهم، وأمام رفضي عمدوا إلى اعتماد سياسة المضايقة بحق أولادي، على مدى سنين طويلة».
وأضاف الوالد بصوت أجش «كل ما نطلبه هو التمكن من زيارة قبر ابننا وقراءة الفاتحة عليه، بعد دفنه عندنا، لم يعد من العمر مثل ما مضى».
وقال المحامي هيثم الخطيب من مركز القدس للمساعدة القانونية «تقدمنا بالتماس لدى المحكمة العليا في إسرائيل منذ نحو أسبوعين، وهي أول مرة نتقدم فيها بطلب من هذا النوع باسم عائلة طلب الصالح، لتمكينها من الوصول إلى قبر ابنها للتأكد من أنه توفي بالفعل، عبر استخدام الحمض الريبي النووي، وبعدها نقل الجثمان إلى مدفن العائلة». واعتبر أنه «من حق العائلة أن تزور قبر ابنها وأن تدفنه عندها، خصوصا أن الأب طاعن في السن في حالتنا هذه».
وفي العام الماضي، أطلقت حملة لإعادة رفات الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في مواجهات مع إسرائيليين، وأبقت إسرائيل جثامينهم عندها في مقابر يطلق عليها الفلسطينيون اسم «مقابر الأرقام». وقال مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري لوكالة فرانس برس «حتى الآن لدينا 293 حالة مفقود». وأوضح أن جزءا منهم مرتبط بحرب ،1967 ومنهم من قاموا بعمليات عسكرية ومنهم من فقد في الطريق، والجزء الأكبر منهم هم الذين قاموا بعمليات استشهادية ما بين 2001 و2005». وأضاف العاروي أن «مقبرة الأرقام تضم خصوصا جثامين فلسطينيين قدموا من الخارج، وقاموا بعمليات عسكرية ولا يعرف أحد أسماءهم، وإسرائيل تتـعامل معهم كأرقام».
وقال «الشهداء يجب أن يكرموا بعد وفاتهم، وهذا حقهم»، مذكرا بالمادة 17 من اتفاقية جنيف التي تلزم أطراف النزاع «ضمان دفن أو حفظ الجثث، بصورة فردية بقدر ما تسمح به الظروف» التي تنص أيضا على أنه يجب التأكد لاحقا من تكريم الموتى، بحسب تقاليدهم الدينية ما أمكن، وأن تحترم قبورهم.
وكانت إسرائيل سلمت جثامين ورفات نحو 199 مقاتلا لبنانيا وفلسطينيا ومن جنسيات عربية أخرى في صفقة التبادل التي أجرتها مع «حزب الله» العام الماضي، تم إخراجهم من مقابر الأرقام التي لاتزال تضم مئات الجثامين، وفق الفلسطينيين الذين ينتظرون السماح لهم بالتعرف إلى هوياتهم، ودفنهم عند ذويهم.