تفاؤل بخروج «كوبنهاغن» بنتائج عملية للحفاظ على المناخ
اتجهت أنظار العالم إلى العاصمة الدنماركية كوبنهاغن التي تحتضن قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي، والتي طال انتظارها، بينما وصفها علماء بأنها أهم المؤتمرات التي يشهدها العالم ، في إشارة ضمنية إلى آمال متزايدة تعلّقها حكومات وشعوب دول كثيرة على نتائجها المنتظرة.
وتأتي القمة التي تشارك فيها وفود تمثل أكثر من 120 دولة، بعد 12 عاماً من مؤتمر كيوتو في اليابان، والذي أثمر معاهدة دولية تتضمن إجراءات عملية لمعالجة مشكلات التغير المناخي، والاحتباس الحراري ومسبباته، وفي مقدمتها تزايد انبعاث الغازات السامة والضارة التي تسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وقال كبير مفاوضي الأمم المتحدة لشؤون المناخ، إفو دي بوير، إن المناقشات التمهيدية للقمة تبعث على التفاؤل، وإن دولا كثيرة قطعت تعهدات بخفض انبعاث الغازات المسببة لارتفاع حرارة الأرض، «ولم يحدث على مدى 17 عاماً من مفاوضات المناخ أن قطعت دول كثيرة تعهدات بهذا الحجم.. حقاً إنه أمر غير مسبوق». وأضاف بوير أن عروض التمويل لتوليد طاقة نظيفة في الدول الفقيرة تتوالى، وأن المحادثات تحرز تقدماً بشأن رؤية طويلة المدى لخفض انبعاثات الكربون بشكل كبير بحلول عام .2050
وكشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة غلوبسكان لمصلحة الـ«بي بي سي» أن القلق بشأن التغير المناخي يتزايد في أنحاء العالم، وقال 64٪ ممن شملهم الاستطلاع إن ارتفاع حرارة الأرض مشكلة خطرة، في مقابل 20٪ في استطلاع أجري عام .1989
وأفاد مدير غلوبسكان دوج ميللر معلقاً بأن الاستطلاع أشار بوضوح إلى تأييد قوي من جميع أنحاء العالم لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، على الرغم من الركود الاقتصادي، وإن تباين الآراء في الولايات المتحدة والصين يشير إلى أن القيادة في قمة كوبنهاغن ربما يجب أن تأتي من أطراف أخرى.
ونبهت 56 صحيفة في 45 بلداً نشرت جميعها بالتزامن مع انطلاق المؤتمر إلى أن التغير المناخي سيعصف بكوكبنا، ما لم يتم الاتفاق بين المشاركين في القمة على عمل شيء فاعل وملموس وبسرعة. واستناداً إلى صحيفة الغارديان البريطانية، لا بد للاتفاق من أن يتضمن في جوهره تسوية بين العالمين الغني والنامي. وقال محللون إن الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه سيحل محل بروتوكول كيوتو الذي تم التوصل إليه في ،1997 وينتهي العمل به في .2012
ومن المفارقات التي تزيد من أهمية قمة كوبنهاغن مشاركة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي تتعرض بلاده لانتقادات دولية لاذعة ومتزايدة، بسبب موقفها السلبي ورفضها تقليص انبعاث الكربون والغازات الضارة منها بالنسبة المرجوة.
ومن محاور المناقشات المنتظرة في القمة سيكون تحديد أهداف جديدة لكبح انبعاثات الغازات المسببة للحرارة، وتحديداً في الدول الصناعية، ومساهمة هذه الدول في التمويل اللازم، من أجل الدول الفقيرة والنامية في التأقلم مع ظاهرة التغير المناخي، إضافة إلى الموافقة على خطة عمل تتضمن تدابير ملموسة وجدولاً زمنياً على أمل التوقف عن تدمير الغابات بحلول عام .2030
ويتزايد التأييد لتدخل الحكومة في الولايات المتحدة والصين، لكن الشعور بالقلق الشديد إزاء المشكلة في البلدين انخفض من 50٪ في الولايات المتحدة في 2007 إلى 45 ٪ هذا العام، ومن 59٪ إلى 57 ٪ في الصين.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن تفاؤله بأن تؤدي قمة كوبنهاغن إلى فرض قيود ملزمة على الانبعاثات الضارة، لكن الخبراء يحذرون من العقبات الرئيسة التي تواجه القمة، وفي طليعتها تصارع الدول المشاركة فيها بشأن تقاسم الأعباء، وترتفع نسبة دعم التدخل الحكومي نسبياً في أوروبا، حيث بلغت 62٪ في بريطانيا و57٪ في فرنسا و55 ٪ في ألمانيا وفي كندا 16٪، وفي أستراليا واليابان 57٪ والبرازيل 53٪. ويرغب 46٪ في الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات قوية، بينما يرغب 36٪ في التدخل بشكل معتدل.
وفي الفاتيكان، دعا البابا بنديكتوس السادس عشر جميع الدول إلى الالتزام بسلوك مسؤول تجاه البيئة، من أجل التخفيف عن الفقراء والأجيال المقبلة، وعبر عن أمله في أن تساعد قمة كوبنهاغن في تحديد أعمال مثمرة وخطوات ملموسة للبشر، ومن أجل تنمية تضامنية تقوم على كرامة الفرد وتصب في مصلحة الجميع.
وتحدث رئيس الوزراء البريطاني عن وجهة نظره عن مشكلات التغير المناخي، فقال إن قمة كوبنهاغن يجب أن تكون نقطة تحول «فأطفالنا لن يسامحونا إذا فشلنا، والتطور الإنساني عبر التاريخ نشأ من حلم تحقيق تغيير بعيد المنال، بعد أن قال الناس إنه أكبر من مقدرتنا، ونواجه اليوم تحدياً عالمياً بدأت جهود التعامل معه منذ عقود، ويبدو أكبر من مقدرتنا وغير ممكن، وغير قابل للتطبيق، لكن التغير المناخي الكارثي لم يعد أمراً يتعلق بالقدْر الذي لا يمكن ترويضه، بأكثر مما كانت عليه قضايا العبودية واضطهاد النساء والبطالة والحرب النووية».
ويحلو لبعضهم وصف قمة كوبنهاغن بـ«قمة الطموحات »، معتقداً بأنه مازال من الممكن التوصل إلى «اتفاق براجماتي» يتضمن الحد الأدنى من طموحات الشعوب بشأن معالجة مشكلات التغير المناخي. واستناداً إلى أحد المهتمين بهذه القضايا، فإن المعدل الحالي للانبعاثات السامة والضارة يبلغ 47 غيغاطناً، ويجب أن ينخفض إلى 44 غيغاطناً بحلول عام ،2020 وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب أموالاً كافية على الطاولة، ربما تصل إلى 100 مليار دولار سنويا بحلول ،2030 لتمكين دول، مثل الصين والهند والبرازيل، من العمل بجد بشأن ما قدمته من تعهدات بتقليص الانبعاثات.
ويرى محللون أنه لو قررت الهند والصين والبرازيل وروسيا مواصلة النمو بالتجاهل للبيئة نفسه الذي أظهرته أوروبا والولايات المتحدة، فإن التلوث الناتج عن ذلك سيكون كارثياً على المناخ، ما يجعل من الضروري أن تقدم قمة كوبنهاغن اتفاقاً يسمح للعالم النامي بالنمو.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news