أسود جديد مرشح لرئاسة أميركا

العمدة بوكر.. قصة نجاح مستمرة.                     أرشيفية

بلغت مسيرة نجاح الأميركيين السود ذروتها بوصول باراك أوباما إلى سدة البيت الأبيض، لكن حلقات هذه المسيرة وفصولها لم تتوقف، فها هو فصل جديد مدهش يضاف إلى حكايات عدد كبير من النجوم السوداء التي تلألأت في سماء الحياة العامة في الولايات المتحدة، من مارتن لوثر كنغ لأندرو يونغ والقس جيمس جاكسون وكولن باول وكونداليزا رايس إلى محمد علي كلاي وهنري لويس غيتس وأوبرا وينفري وتايرا بانكس وغيرهم كثير.

«لا يدخن، ولا يتعاطى الكحول، نباتي، يتدفق شباباً وحيوية، متواضع ويتقن فن إقامة العلاقات ومتفاني في عمله.. إنه كوري بوكر عمدة مدينة نيوارك في ولاية نيوجيرسي الأميركية، من أصل إفريقي صاحب البشرة الفاتحة، الذي يتمتع بشخصية كاريزمية لافتة، ويقول عنه أحد أصدقائه: «إذا تحدثت معه ـ أي بوكر ـ 15 دقيقة يأسرك بأسلوبه وحجته».

من ضحايا العنصرية

بعد ولادة بوكر عام 1969 حاول أبواه كاري وكارولين شراء منزل في ضاحية هارينغتون بارك في نيوجيرسي، ولكن تم إبلاغهما بأن المنزل ليس للبيع، ولم يصدقا ما قاله لهما الوكيل العقاري، وطلبا من زوجين من البيض التقدم لشراء المنزل من الناحية الشكلية، وقبل أن تتم عملية البيع واجه الزوجان بوكر ومحاميهما الوكيل العقاري انتقاداً لاذعاً ليتوّج الحوار بشرائهما البيت.

وفي أثناء حملته لانتخابات مجلس المدينة، التي هزم فيها منافسه الملاكم السابق جورج برانتش عام 1998 ،تعرض بوكر لحملة من العداء والكراهية بلغت ذروتها بالعنف وتحطيم زجاج سيارته، ويقول: «على الرغم من شعوري بالخوف الشديد، فإنني واصلت قرع أبواب آلاف المنازل طلباً لأصوات أهلها».

كما تعرض لحملة مماثلة في أثناء معركته الانتخابية لمنصب عمدة نيوارك عام 2006 ،إذ وصفه أنصار منافسه الأسود أيضاً شارب جيمس بـ«الزنجي النازي والجمهوري»، واتهموه بقبض أموال من عصابة كوكلوس كلالان اليمينية العنصرية المتطرفة، ونظراً لأن بشرته فاتحة ومعتدلة فقد نعته جيمس بـ«الولد الأبيض»، قائلاً ذات مرة: «ينبغي عليك أن تتعلم كيف تكون أميركياً إفريقياً»

أوبرا وآخرون

من قصص النجاح التي سطرها الأميركيون من أصل إفريقي في مختلف الميادين في الحياة الأكاديمية، البروفيسور والباحث المرموق هنري لويس غيتس وغيره، وفي الإعلام التلفزيوني أوبرا وينفري وتايرا بانكس، وفي السينما ويلي سميث وإيدي ميرفي ودنزل واشنطن ومورغان فريمان وغيرهم كثير، وفي الغناء مايكل جاكسون وشقيقته، وويتني هيوسن، وفي الرياضة محمد علي كلاي وكريم عبدالجبار ومايك تايسون وجورج فورمان، ولكن على الرغم من كل هذه النجاحات، فإن الرئيس أوباما يتهم معظم السـود بالتقاعس في تحصيل العلم والكسل، ما يحرمـهم من الوظائف وفرص العمل، فهو لا يريد حـالات نجاح، وإنما أن يتحول هذا النجاح ليصبح حالة جـماعية عامة بينهم.

أفضل عمدة لأسوأ مدينة

كانت معقلاً كبيراً للسود الذين كانوا يشكلون الأغلبية فيها خلال الستينات، وشهدت موجات من أعمال العنف العنصرية، خلال السنوات التي سبقت اغتيال مارتن لوثر كينغ وراح فيها عشرات الضحايا. وفي عام 1970 صنف استطلاع لمجلة «فوربس» الأميركية نيوارك، التي تعد حالياً 280 ألفاً، بأنها «المدينة الأسوأ على الإطلاق في أميركا»، بسبب العنف والجريمة فيها، والذي يفوق غيرها من المدن الأميركية بست مرات، إضافة إلى أن مؤسساتها السياسية كانت الأكثر فساداً على المستوى القومي، إذ يقول ناشط سياسي في المدينة إن الثلاثة الذين شغلوا منصب العمدة قبل بوكر تمت إدانتهم بالرشوة والفساد، إذ أودع اثنان منهم السجن، ومنهم شارب جيمس الذي هزمه بوكر.

ولمدينة نيوارك صلة بلحظات فريدة من التاريخ الأميركي، فقد أمضى الرئيس جورج واشنطن ليلة في حدائقها وبساتينها وتوقف فيها أبراهام لنكولن لإلقاء خطاب وهو في طريقه إلى واشنطن لتنصيبه رئيساً، وجاء بوكر الشاب الثلاثيني لتعزيز المكانة التاريخية لهذه المدينة، ومسح عنها أقسى الألقاب وأسوأ الصفات التي أطلقت عليها، من خلال أفكاره ومبادراته الذكية وعمله الدؤوب لتخفيف معدلات العنف والجريمة وملاحقة اللصوص ومحاربة الفساد وتعزيز الأمن والاستقرار.

ويقول مساعدو بوكر إنه بلغته التي تعكس ثقافة عالية وتعليماً رفيعاً، إذ تلقى علومه الجامعية متنقلاً بين جامعات ستاتفورد واكسفورد ويال المميزة، وهو قادر على الوصول إلى مختلف الشرائح على تنوّع قدراتها من الذكاء أو مستوياتها من التعليم والتأثير فيهم، وكسب ثقة الصفوة واحترامها، من خلال ترحيبه بكل مبادرة خلاقة أو اقتراح بنّاء، وقبوله الانتقاد وتوبيخ كل من يقصر أو يتقاعس في أداء عمله من غير إفراط ،وتقدير أي موظف يظهر إخلاصاً وتميزاً واضحين، ويحرص على أن يكون القدوة شخصياً ورسمياً لجميع من حوله. وهكذا من خلال جهده المكثف لغرس قيم المواطنة الصالحة، نجح بوكر في تعزيز الأمن في نيوارك وكانوا يتوقعون له الفشل في مهمته في مدينة ذات سجل سيئ للغاية، إذ يقول في هذا الشأن: «أعتقد أننا استطعنا مساعدة كثير من الناس، ولا امتلك مساعدين وموظفين عاجزين، أو من أؤلئك الذين ليس لديهم إلا كلمة (نعم سيدي)، فما الذي يمكنني أن أقدمه إلى موظف يسمعني ما أريد؟ أظن أنني غير قادر على تقديم أي شيء إليه».

وفي استطلاع تم إجراؤه بداية هذا العام، تم اختيار نيوارك لتكون «المدينة الأولى» في الولايات المتحدة، من حيث انخفاض الجريمة والعنف، وخلال جولاته في المدينة ومراكز الشرطة فيها اكتشف بوكر أن معظم الجرائم كانت تحدث في أثناء الليل، وأن السبب في ذلك يعود إلى أن معظم كبار ظباط الشرطة والمحققين يختارون ساعات دوامهم في النهار، فكانت دهشته كبيرة، وتخلص منها بتعديل مواعيد عملهم. وفي كل عام يتم الإفراج عن 2000 تقريباً من سجون المدينة لينخرطوا في عمليات لإعادة تأهيلهم ودمجهم ثانية في المجتمع، على أن تتولى جهات عدة تأمين أكبر قدر ممكن من الوظائف وفرص العمل لهم، وعمل بوكر على تشجيع برامج الأمومة والأسرة ومحاربة الفقر، واستقدم المستثمرين، وتعهد بالرعاية والاهتمام بالمشروعات التجارية الصغيرة، وأبرم اتفاقات مع شركات محلية كبيرة بشأن تخصيص نسبة كبيرة من موظفيها وعمالها لأبناء نيوارك، وتوفير مساكن بأسعار اقتصادية معقولة لذوي الدخل المحدود.

السياسة.. ليس بعد

حينما ولد بوكر كان قد مضى على اغتيال مارتن لوثر كينغ، وحينما تشكّل وعيه كان الاخير قد أصبح الأسطورة والقدوة التي تربعت في وجدانه كأي أميركي أسود، ويتسع ذهنه وقلبه كذلك لمحرر العبيد ابراهام لنكولن، ولداعي حركة الحقوق المدنية القس جيسي جاكسون، والملاكم محمد علي كلاي، ولاحقاً كولن باول، وأوبرا وينفري، وتايرا بانكس وغيرهم.. وحينما حصل على شهادة الحقوق من جامعة يال المرموقة عمد جده إلى تذكيره بأن ثمن شهادته باهظ، لأنه من دموع وعرق أجداده ودمائهم، وينبغي عليه ان يشمر عن ساعده ليعمل، وحينما قدم إلى نيوارك ليستقر فيها خلص إلى أن الحياة السياسية في هذه المدينة «سامّة». وورث بوكر عن أبيه حب القس جيسي جاكسون والإعجاب به ليصبح بطله المفضل، وقال عنه جاكسون ذات مرة إنه «ذئب في ثوب شاة»، وامتدح ذكاءه وشجاعته ومبادرته ونجاحه المتميز كعمدة لنيوارك. يعلق على جدران مكتبه صورة لكل من لوثر كينغ، والزعيم الهندي المهاتما غاندي، وعقب عودته من حفل تنصيب باراك أوباما في البيت الأبيض سأله صديق صحافي: هل ترغب في أن تكون رئيساً؟ فأجاب: «الآن لا استطيع تصور نفسي كذلك، ولا أعرف ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل، وحينما أنظر الى أوباما أقول: هل يمكنني القيام بما يقوم به حقا؟ كل ما أهتم به الآن هو نيوارك وحسب».

وقد اتصل مسؤولون في فريق أوباما به ليعرضوا عليه منصباً رفيعاً في وزارة الإسكان ليكون مسؤولاً عن التنمية الحضرية والريفية أو منصباً قريباً في هذا المجال، لكنه امتنع عن القبول، لأنه لا يرغب حالياً في التخلي عن مهام منصبه في نيوارك.

قائمة المعجبين به طويلة وتضم كثيراً من المشاهير والنجوم، مثل أوبرا وينفري، والمخرج ستيفن سبيلبرغ، والمغنية الممثلة باربارة سترايسند، والكاتب والمنتج والممثل الكوميدي كريس روك وغيرهم، ويتفق معظمهم على أن في شخصيته الشبابية من الصفات والقدرات ما يؤهله ليكون مرشحاً محتملاً لرئاسة الولايات المتحدة. وشجعه مؤيدوه قبل عامين على خوض انتخابات عضوية مجلس الشيوخ الأميركي، لكنه تراجع بعد أن كانت الفكرة قد راقت له، كما عرض عليه العام الماضي أن يكون حاكماً لولاية نيوجيرسي في ظل إدارة أوباما، لكنه رفض العرض وفضّل عليه خوض المعركة لاعادة انتخابه عمدة لنيوارك لفترة ثانية العام المقبل.

نجوم سوداء في سماء أميركا

مارتن لوثر كنغ

زعيم حركة الحقوق المدنية التي ناطحت العنصرية في الولايات المتحدة وانتزعت المواطنة الكاملة للأميركين السود، والذي ظل يقود الحركة منذ ولادتها عام 1954 حتي اغتياله 1968.

القس جيسي جاكسون

من أبرز قادة حركة الحقوق المدنية وأكثرهم أهمية رشح نفسه للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1984.

أندرو يونغ

أول مندوب دائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة من الأميركيين السود في عهد إدارة جيمي كارتر 1977 ـ 1981 ،وهو الأول منهم الذي يشغل منصباً رفيعاً بهذا المستوى.

كولن باول

رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية في عهد جورج بوش الأب من 1989 ـ1992 ثم عمل وزيراً للخارجية في عهد جورج بوش الابن 2000 ـ 2004.

كونداليزا رايس

مستشارة في إدارة جورج بوش الأب لشؤون الاتحاد السوفييتي السابق، ثم مستشارة للأمن القومي لإدارة جورج بوش الابن، ثم وزيرة للخارجية فيها 2004 ـ 2008.

تويتر