كمبوديا.. دروس للعالم من محاكمات الخمير الحُمر التاريخية
أخيراً وصلت الجرائم التي ارتكبها الخمير الحمر أواخر السبعينات إلى المحاكم عام 2009 ،عندما مثل «الرفيق دوش»، الرئيس السابق لمركز التعذيب والإعدام التابع للنظام إلى المحاكمة في بنوم بنه، لمحاكمته عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
ومحاكمة دوش ذات دلالة، لأنه أول عضو بالخمير الحمر يحاكم أمام محكمة معترف بها دولياً. ومن المتوقع صدور الحكم مطلع 2010.
وعلاوة على ذلك فإن قضيته وأربعة آخرين من زعماء الخمير الحمر الباقين على قيد الحياة، من المرجح أن يكون لها تداعيات تتجاوز الحدود الكمبودية.
ما من أحد يعرف كم عدد الذين قضوا في ظل حكم الخمير الحمر. وتتراوح معظم التقديرات بين 1.5 مليون ومليوني فرد من مجموع سكان ربما بلغ ثمانية ملايين.
بالنسبة لملايين الناس تعرف كمبوديا بلقب حقول الموت. وعلى الرغم من مستوى القتل فإن المحكمة مرت من دون أن تحفل بها وسائل الإعلام العالمية كثيراً.
ومع ذلك، فإن مراقبي المحكمة يقولون إنها تمثل مكوناً مهماً في تحول كبير في القضاء الجنائي الدولي بعيداً عن الحصانة، ونحو نوع من تحميل المسؤولية لأولئك الذين ارتكبوا أسوأ الجرائم.
يقول رئيس منظمة «مراقبة المذابح الجماعية» غريغوري ستانتون، الذي شارك في بحث جرائم الخمير الحمر منذ مطلع الثمانينات، إن محاكمة أمثال دوش هي الخطوة الأولى نحو تغيير القواعد العالمية.
ويضيف «أن الحصانة بسبب سيادة الدولة كانت هي القاعدة حتى الآن، كان الحكام أساساً يفلتون من القواعد في الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية ضد شعوبهم نفسها. كانت ثمة حصانة كاملة. أعتقد أننا نخلق نظاماً عالمياً جديداً لا يتوقع فيه الحكام أن يتكرر ذلك بعد الآن».
ويوضح ستانتون أن ثمة سبباً آخر في أن هذه المحاكمة ومحاكمة الرئيس الليبيري السابق تشارلز تيلور في لاهاي ذات أهمية تاريخية، بسبب الطريقة التي تشكلت بها.
ويقول «كلتا المحاكمتين تشكلت بناء على اتفاق بين الحكومات الوطنية والأمم المتحدة. المجتمع الدولي عمل يداً بيد مع الحكومات الوطنية لتقديم الذين ارتكبوا جرائم في بلادهم نفسها إلى المحاكمة».
ويقول السفير الأميركي المسؤول عن جرائم الحرب، والذي شارك في مفاوضات لتشكيل محاكمة الخمير الحمر ديفيد جي شيفر، إنه تشجع لأن محاكمة دوش أظهرت أن معايير عالمية للعملية الجارية يمكن الوفاء بها من خلال توليفة من المسؤولين المحليين والأجانب.
وكتب شيفر في رسالة عبر البريد الإلكتروني «إن الهدف العظيم من القضاء الجنائي الدولي اليوم هو تشكيل محاكم محلية يمكنها أن توفر العدالة مقارنة بالمحاكم الدولية. ومحاكمة دوش هي خطوة أولى مهمة في هذا الاتجاه بالنسبة لكمبوديا».
وأذيعت المرافعة النهائية في محاكمة دوش الشهر الماضي على الهواء مباشرة على محطات التليفزيون الكمبودي كافة. وأشارت هايثر رايان مراقبة المحاكمة لصالح مبادرة المجتمع المفتوح للعدالة التي تمولها مؤسسة جورج- سورس بطريقة ما، إلى ان محاكمة الخمير الحمر تفوق محاكمة تشارلز تايلور في أن دوش يحاكم في البلد الذي ارتكب فيه جرائمه.
وقالت رايان «لقد ولّد هذا نوعاً من النقاش عن العدالة في هذا البلد لم يوجد من قبل. ولم يكن من الممكن أن يحدث هذا لو تمت المحاكمة في لاهاي».
وثمة ملمح آخر متميز هو مشاركة المدعين بالحق المدني، وبعضهم من الذين نجوا من سجن «إس-21» الذي كان يشرف عليه دوش، لكن معظمهم من أقارب أولئك الذين قتلوا هناك بناء على أوامر منه. وقد كانت شهاداتهم بمثابة مذكر يومي بالأضرار التي أحدثها الخمير الحمر وامتدح ستانتون شهاداتهم.
وثمة انتقادات بأن مشاركة الضحايا أبطأت محاكمة دوش.
بيد أن شيفر قال إنه الثمن المقبول، لأنه وسع من مدى وصول العدالة الدولية في قضايا يوجد بها هذا العدد الضخم من الضحايا. وترى رايان أن جرائم الخمير الحمر كانت فريدة من نوعها على المحاكمات الدولية، في أنها لم تكن لها إلى حد كبير دوافع عرقية. فقد شهدنا في كمبوديا - وهي بلد شديد التجانس- الكمبوديين يقتلون كمبوديين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news