الحدود بين غزة ومصر تشهد وجود مئات الأنفاق.                    الإمارات اليوم

غزّيون: الجدار المصري يخنقنا ويهدّد مياهنا الجوفية

ينظر سكان قطاع غزة بقلق إلى الجدار الفولاذي الذي يثار الحديث حوله بأن الحكومة المصرية تسعى إلى إقامته على حدودها مع القطاع لمنع التهريب عبر الأنفاق التي حفرها الفلسطينيون، حيث إن توقف عمل الأنفاق في جلب كل البضائع التي فقدوها بفعل الإغلاق دون إنهاء الحصار سيزيد من معاناتهم.

فالأنفاق المقامة على طول الحدود بين غزة ومصر باتت هي المتنفس الوحيد لسكان غزة في ظل تواصل إغلاق المعابر، فقد اعتمدوا عليها لتوفير متطلبات حياتهم والتخفيف من معاناتهم بفعل ويلات الفقر والحصار.

وكانت تقارير إسرائيلية تحدثت أخيراً عن أن مصر تبني جدارا فولاذيا بطول 10 كيلومترات على حدودها مع غزة بعمق يصل إلى 30 متراً تحت سطح الأرض لمنع التهريب إلى القطاع عبر الأنفاق، ولم تعلن مصر رسمياً عن إقامة مثل هذا الجدار لكن وزير خارجيتها أحمد أبوالغيط قال في تصريحات له تعقيباً على هذه الأنباء «من حق مصر فرض سيطرتها على حدودها وصيانة أرضها».

زيادة المعاناة

«الإمارات اليوم» زارت المنطقة الحدودية بين مصر وغزة، والتي تحولت إلى مسرح لمئات الأنفاق حيث وجود بعض الرافعات والجرافات في الجانب المصري، يعتقد أنها تستخدم في أعمال حفر وتثبيت الجدار الفولاذي، بينما توقف عدد كبير من الأنفاق في الجانب الفلسطيني عن العمل لخطورة الوجود في عمق الأرض بفعل أعمال الحفر خصوصاً بعد أن لقي ثلاثة عمال من عائلة واحدة مصرعهم قبل أسبوع يقال إنها نتيجة هذه الأعمال.

وقال أحد عمال الأنفاق وابن عم الضحايا الثلاث من عائلة اللوح، «إن عددا كبيرا من الأنفاق توقف عن جلب البضائع من الجانب المصري بفعل عمليات الحفر التي نشاهدها في الجانب المصري من أجل إقامة الجدار الفولاذي، حيث إن العمل في عمق الأرض في هذا الوقت يشكل خطورة على حياتنا، فقد توفي ثلاثة من أبناء عمي، اثنان منهم أشقاء، قبل ما يقارب أسبوعاً وهم يعملون داخل النفق».

وأضاف «عندما كان العمال الثلاثة في عمق النفق الذي يعملون فيه انهارت الرمال وتقطعت خراطيم الوقود داخل النفق بفعل أعمال حفر الجدار، ما تسبب في اختناقهم وفارقوا الحياة على الفور».

وأوضح عامل الأنفاق أن الجدار الفولاذي في حال إقامته دون فتح المعابر الرئيسة سيزيد من معاناة الشعب الذي يعتمد بشكل كلي في توفير احتياجاته على الأنفاق، وستتعرض حياته للموت البطيء، حيث إن هذا الجدار سيمنع التهريب عبر تلك الأنفاق.

وقال متسائلا «كيف لمصر أن تقيم جدارا يتسبب في إغلاق غالبية الأنفاق دون البحث عن حل لنا، والسعي إلى كسر الحصار عن القطاع الذي يفتقد للأدوية والمواد الضرورية فالمعابر مغلقة منذ سنوات ولولا هذه الأنفاق لذقنا الموت بصورة كبيرة».

وأضاف «إننا شعب مكافح وسنبتكر حلولاً للتخفيف من معاناتنا بعد أن يقام الجدار حتى لو كلفنا ذلك حفر أنفاق بأعماق أطول من عمق الجدار الفولاذي».

وقال أحد عمال الأنفاق المكنى بـ«أبوأحمد» وهو يوجد بالقرب من النفق الذي يعمل فيه «نحن لا ننكر حق مصر في أن تحمي حدودها بالطريقة التي تناسبها، ولكن رابطة العروبة والدين تستوجب أن يقف العرب إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للحصار والاحتلال، فبدلاً من أن تمنع مصر الأنفاق، لماذا لا تسعى إلى إنهاء الحصار، وبعد ذلك لا تكون هناك حاجة للأنفاق إذا فتحت المعابر وأدخلت كل البضائع التي حرم منها السكان».

وأضاف «نحن لجأنا للعمل في الأنفاق لسببين: الأول من أجل جلب البضائع الضرورية والمواد الغذائية للشعب المحاصر، والثاني كي أوفر مصدر دخل لأسرتي في الوقت الذي ندرت فيه فرص عمل في ظل الإغلاق». وأشار أحد عمال الأنفاق إلى أنه في حال توقف عمل الأنفاق سيحرم ما بين 20 إلى 30 ألف عامل يعملون في الأنفاق، ولا يوجد لهم أي مصدر دخل سوى هذا العمل.

وتمد مصر، بحسب أبوأحمد، خراطيم مياه في عمق الأرض، من أجل ضخ مياه من البحر، ما يتسبب في انهيار وتحليل الرمال التي يوجد أسفلها مئات الأنفاق، حيث لا ينفع أي وسيلة يمكن أن يلجأ إليها عمال الأنفاق لمواجهة المياه سواء الأخشاب أو الحديد.

أما المواطن أبوطلعت المسارعي، فتمنى ألا يقام الجدار الفولاذي دون إيجاد حل لإنهاء الحصار، حيث إن وضع السكان يزداد سوءاً في حال عدم وجود أي وسيلة لتوفير احتياجاتهم الضرورية، خصوصاً الغذاء والدواء، مناشداً الجانب المصري وكل الدول العربية ألا يتخلوا عن شعب غزة الذي يعاني حصاراً خانقاً، ويخشى من تكرار أي عدوان عليه من قبل الاحتلال.

وقال المسارعي «إن كل شيء متوفر لدينا هو من الأنفاق من وقود وغذاء، ودواء وحتى الأجهزة الكهربائية، حيث إنني كدت أنسى البضائع التي كانت تجلب عبر المعابر التي مازالت مغلقة منذ ثلاثة أعوام».

احتياجات متبادلة

من جهته، قال المحلل والكاتب الفلسطيني طلال عوكل لـ«الإمارات اليوم»، «نحن أمام إصرار مصري على إقامة الجدار أو اتخاذ إجراءات تحت عنوان حماية أمنها القومي، وحقها بأن تقوم بما تشاء لحماية سيادتها على الحدود، ولا يمكن لنا أن نناقش ادعاءات صحيحة، حيث إنه من حق مصر أن تحمي حدودها ولكن هناك حاجات للفلسطينيين في ظل الحصار».

وأضاف «في غزة هناك تركيز ناقص في قضية الجدار وهو يقول إن المصريين يقيمون الجدار للضغط على (حماس) التي رفضت التوقيع على الورقة المصرية للمصالحة، وأعتقد أن ذلك لا يعبر عن الصورة الحقيقية، وهو ضمن أهداف تكتيكية مثل ما يثار بأن أميركا تريد منع تهريب السلاح لـ(حماس) عبر الأنفاق». ويرى المحلل السياسي أن الهدف الاستراتيجي من هذا الجدار هو أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد أن تدفع بغزة إلى مصر، وهذا ضمن مخطط إسرائيلي قديم طرحه شارون سابقا، وهو الدفع بغزة إلى مصر، و43٪ من الضفة الغربية إلى الأردن.

وتوجد احتياجات متبادلة بين مصر وغزة بحسب عوكل، حيث إن سكان غزة بحاجة ماسة وهم متضررون من الحصار بشدة، وإقامة الجدار سيقطع الشريان الذي يمدهم بالحياة وهو الأنفاق، كما يوجد هناك حاجة لمصر بأنها تريد حماية حدودها وهذا ما يستوجب على الطرفين أن يتفاهما على الاحتياجات المتبادلة عبر الحوار، وليس عبر التوتير.

تحذيرات

من جهة أخرى، حذر الخبير المائي والمختص في المياه الجوفية نزار الوحيدي، من أن بناء الجدار الفولاذي على الحدود المصرية الفلسطينية يحاصر القطاع اقتصادياً ومائياً، موضحاً أن هذا الجدار تهديد استراتيجي خطير للمخزون الجوفي لمياه غزة.

وقال «إن الجدار الفولاذي يشكل حصاراً مائياً على القطاع، كمصائد المياه الجوفية التي حفرها الاحتلال على حدود غزة الشرقية والشمالية، حيث إن الخزان الجوفي الموجود على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مشترك ومتداخل». كما حذر الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان من وقوع كارثة حقيقية لسكان قطاع غزة في حال انتهت مصر من بناء الجدار الفولاذي على طول حدودها مع قطاع غزة وأحكمت إغلاق الأنفاق التي تُعد شريان الحياة لمليون ونصف المليون فلسطيني.

 دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية لإقامة الجدار الفولاذي  

أقام عضو مجلس الشعب المصري محمد العمدة، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة، طالب فيها بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إنشاء الجدار الحديدي بين مصر وقطاع غزة.

وقال العمدة إنه اقام الدعوى ضد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بصفتيهما، حيث إن الصحف المصرية نشرت خبراً عن قيام الحكومة المصرية بالبدء في بناء جدار فولاذي عازل بعمق يصل الى 30 متراً تحت الارض على الحدود الفاصلة بين مصر وغزة. وأفادت تلك الصحف باعتراف وزير الخارجية أحمد ابوالغيط ضمنيا ببناء الجدار، معللاً ذلك بتأمين الحدود المصرية. وتضمنت تفاصيل زراعة الجدار الاسمنتي المتفق عليه بين مصر واسرائيل وأميركا، كما اعترف ممثل مجلس الشعب المصري للعلاقات الخارجية الدكتور ايمن سلامة بالبدء في بناء الجدار العازل في أحد البرامج على قناة «بي بي سي العربية».

وأضاف العمدة «وحيث إن الهدف من انشاء هذا الجدار العازل هو القضاء على الانفاق التي تصل بين مصر وغزة، وحيث ان هذه الانفاق هي المدخل الوحيد الآن لكل احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة بعد أن فرضت مصر الحصار على معبر رفح وهو المنفذ الوحيد لغزة على العالم، وضيقت الخناق على أهل غزة، وحيث ان قرار بناء هذا الجدار يمثل سقوطا للقناع الاخير عن وجه النظام المصري، وانه لا يهدف إلى تحقيق مصلحة مصر ولا مصالح الشعوب العربية، لذلك تقدمت بدعوى عليها».

وطالب العمدة في دعواه بوقف تنفيذ بناء الجدار الفولاذي على وجه الاستعجال.

من ناحية أخرى، أكدت مصادر امنية وشهود عيان، رفضوا ذكر اسمائهم، لـ«الإمارات اليوم» أن مشروع انشاء الجدار الفولاذي تم البدء فيه منذ ستة اشهر، ويتم بناؤه على مرحلتين: الاولى يتم فيها وضع أجهزة وكاميرات لرصد الانفاق، والثاني وضع ألواح الجدار الفولاذي وهي ألواح حديدية صنعت في المصانع الاميركية ووصلت الى مصر عن طريق ميناء بورسعيد البحري، ونقلت في شاحنات مغطاة الى منطقة الحدود برفح وشاهدها المواطنون في العريش والشيخ زويد ورفح أثناء مرورها على الطريق الدولي.

وقال شهود عيان ان اطوال الالواح تصل الى 18 مترا وعرضها 50 سنتيمترا، وجوانبها مصممة بطريقة فنية، بحيث يتم تركيبها بنظرية المفتاح مع القفل (العاشق والمعشوق) وتستخدم القوات الاميركية التي تقوم بالاشراف على بناء الجدار أجهزة ليزر متقدمة في وضع الالواح وتركيب أجهزة الاستشعار التي ترصد أي عبث في الالواح سواء بالقطع أو التفجير بالديناميت.وأكد مصدر امني انه تم استثناء ثلاثة كيلومترات من وضع الانفاق بسبب نعومة تربتها الرملية وهي المنطقة المحصورة بين العلامة رقم 1 حتى شمال العلامة رقم 3 على الحدود، وهي المنطقة التي تبدأ من تل السلطان حتى ساحل البحر المتوسط.

وعلمت «الإمارات اليوم» انه تم تنفيذ المرحلة الاولى من بناء الجدار وبلغت نحو أربعة كيلومترات شمال منفذ رفح البري ونحو 500 متر جنوب معبر رفح بمحاذاة منطقة الدهنية قبل معبر كرم أبوسالم حيث تم زرع الالواح في هذه المناطق بأجهزة حفر خاصة بحفر آبار المياه، وتقوم المعدات التي تسمى البريمة بالحفر لمسافة 20 متراً تحت سطح الارض، بعدها يتم وضع اللوح الفولاذي ثم تضغط عليه المعدات للأسفل بعمق مترين.وذكر شهود عيان من سكان المنطقة الحدودية ان منطقة بناء الجدار تقع على مسافة تبعد من 70 الى 100 متر عن الجدار الخرساني الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة، حيث تمت مصادرة الاراضي التي يبنى فيها الجدار وتم بالفعل تعويض المواطنين أصحاب هذه الاراضي بمبالغ مالية، وتم قطع آلاف الأشجار المثمرة لإتاحة الفرصة لبناء الجدار وخلق منطقة امنية عازلة بين الجدار الاسمنتي وبين الجدار الفولاذي تراقبها قوات الامن المصرية، وتم تعويض المزارعين بمبلغ 150 جنيهاً عن كل شجرة مثمرة والارض المقامة عليها تعويضاً نهائياً. تقوم أربع معدات باستكمال الجدار الفولاذي، حيث تم الانتهاء من البناء حتى مدخل منطقة حي السلام برفح والعمل الآن جار في منطقة البرازيل وبوابة صلاح الدين وحي البراهمة وحي الجبور ما بين العلامة رقم 5 شمال رفح ورقم.7 وكان فريق العمل الاميركي - الفرنسي القائم على إنشاء الجدار، تعرض لإطلاق نار متقطع من قبل المسلحين الفلسطينيين ما ادى الى إصابة احدى المعدات بخمس طلقات نارية وتعطلها، وهي معدة بريمة تقوم بالحفر لوضع الألواح الفولاذية. القاهرة ــ الامارات اليوم

الأكثر مشاركة