العبودية تعاود الظهور بثوب جديـد في أميركا
أصبح تهريب البشر قضية رئيسة في وسط أميركا، ما حدا ببعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان إلى اعتبارها شكلا جديدا من العبودية. وكشفت الأرقام التي صدرت أخيرا عن وزارة الخارجية الأميركية أنه يتم تهريب نحو 17 ألفا و500 شخص إلى الولايات المتحدة سنويا، رغما عن إرادتهم أو بوثائق مزيفة، كي يتم استخدامهم بصورة أساسية من أجل الجنس أو العمالة الجبرية.
ويعتقد الخبراء أنه عندما تتم إضافة حالات التهريب الداخلية، فإن العدد الاجمالي قد يتضاعف إلى خمسة أضعاف. ويتم نقل الاشخاص المهربين آلاف الاميال عبر شواطئ الولايات المتحدة وإلى الولايات الواقعة في الوسط مثل أوهايو وميشيغان.
تهريب البشر
وقال الخبير في علوم السياسة في جامعة دايتون في أوهايو البروفيسور مارك إينسالكو، الذي نظم مؤتمرا عن الموضوع أخيرا إنها «ليست جريمة فحسب بل إنها عمل بغيض»، وتم للتو تشكيل لجنة لدراسة قضية تهريب البشر في أوهايو، في حين يقوم مكتب خاص للتحقيقات الفيدرالية بمعالجة المشكلة في مدينة توليدو الواقعة في شمال أوهايو. ويرى العديد من أفراد الشرطة المحليين أن هذه القضية تربك العالم برمته.
وتم أخيرا اكتشاف فتاة مكسيكية في السادسة عشرة من عمرها، جرى تهريبها إلى الولايات المتحدة، ولاحظ الأطباء أن الفتاة الحامل في أشهرها الاخيرة كانت تظهر عليها علامات واضحة تدل على تعرضها للمعاملة السيئة، عندما تم ادخالها إلى المستشفى في دايتون كي تلد هناك. وتم استدعاء الشرطة، ولكنّ الشخصين المرافقين لها غادرا المستشفى. وعندما نشرت قصة الفتاة، اتضح انها كانت محبوسة رغما عن إرادتها في مدينة سبرنغفيلد المجاورة، وتم استغلالها كمومس، وقال مدير شرطة سبرنغفيلد جين كيلي «ظننت ان العبودية انتهت قبل قرون عدة، ولكنها لاتزال حية الآن».
وأكد كيلي أن المولود معرض للخطر اذا لم يركز الاطباء انتباههم، وقال «كما هي حال الأم يمكن ان ينتهي الامر بالمولودة أن تصبح ضحية خلال السنوات المقبلة من يدري؟».
ويعتقد الناشط في مجال مكافحة تهريب البشر في أوهايو فيل سينديلا، وهو مؤسس جمعية «مكافحة تهريب البشر في كل مكان» أن «الاشخاص الذين كانوا يحبسون الام كانوا على وشك بيع المولودة». وقال «كان من الممكن ان يضعوا المولودة في السوق السوداء، ومن الجنون التفكير في أن هذا يحدث فعلا».
العبودية الحديثة
ويعرف التهريب البشري بأنه إجبار شخص رغما عن إرادته على العمل دون مقابل، وهو الامر الذي اطلق عليه العبودية الحديثة، وخلال مؤتمر دايتون اعتبر تهريب البشر مشكلة اجتماعية، ليست في بلاد بعيدة وإنما وسط اوهايو. وقال المدعي العام في اوهايو ريتشارد كوردراي «تبدو المشكلة اكبر بكثير مما اعتقدنا، وعلينا ان نجد هذه الشبكات التي تقوم بهذا العمل وندمرها».
وتعد تيريزا فلورز واحدة من أهم الناشطين ضد تهريب البشر، وهي ضحية سابقة. وتضفي هذه المرأة البيضاء وجها جديدا للتهريب البشري في الولايات المتحدة، إذ إنها من الطبقة المتوسطة وشقراء وتبدو نموذجا للمرأة الأميركية التي تعيش في الضواحي. وترعرعت في عائلة ميسورة في ضواحي مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان وحققت نتائج جيدة في دراستها، ولكن فلورز تروي قصة كابوس استمر عامين من حياتها حيث اجبرت على تعاطي المخدرات، كما انها اغتصبت واجبرت على العمل كبنات الهوى.
وقد تعرضت فلورز التي تحولت قصتها إلى كتاب بعنوان «الطريق المقدس.. قصة مراهقة أميركية عاشت عبودية العصر الحديث»، للاغتصاب عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها. واستخدم خاطفوها صور اغتصابها لابتزازها، وإرغامها على الممارسة مع آخرين، وأصبحت اسيرة عصابة تتاجر في المخدرات استخدمتها كمومس للزبائن او يتم تقديمها لأفراد العصابة. وقالت فلورز «لا يعتقد أحد أن الاشخاص المهربين يمكن أن يبدوا مثلي، أو أن ذلك يمكن ان يحدث لفتاة قادمة من منطقة راقية، ولكن هذا ماحدث».
وذكرت فلورز أن اسوأ أوقاتها كان عندما تم اغتصابها من نحو 24 شخصا، وأضافت «قالوا لي أنني سأقتل إذا اخبرت أحدا بذلك وكان ذلك يحدث لي مرارا طيلة عامين، حيث أصبحت عبدة لمن يريد الجنس من هؤلاء الرجال».
لينكولن يحرر العبيد
كان نحو ربع سكان ولاية تكساس يمتلكون عبيدا، وعندما وصل الرئيس ابراهام لينكولن للسلطة عام 1858 ،شعر هؤلاء بالخوف من آرائه المناهضة للعبودية خصوصا أنه اعلن عن تحرير العبيد. وعقد مؤتمر بالولاية في بداية عام 1861 صوت فيه 166 عضوا مقابل ثمانية أعضاء للانسحاب من الاتحاد (وكان 70٪ من الاعضاء يمتلكون العبيد)، ووافق أهل تكساس على الانفصال عن الاتحاد والانضمام إلىولايات الجنوب. ونظر إلى أن حاكم تكساس المؤيد للاتحاد رفض قسم الولاء للحكومة الجديدة الموالية للجنوبيين، أصبح منصب الحاكم شاغرا فأصبح الملازم إدوارد كلارك المؤيد للانضمام للجنوب هو الحاكم، وإثر ذلك قام الرئيس لينكولن بإرسال 75 ألف جندي من الاتحاديين لمواجهة التمرد، واندلعت الحرب الاهلية. وخلال فترة الحرب التي استمرت سنوات قتل نحو 600 ألف جندي (275 من الجنوبيين و325 من الاتحاديين)، وتم تدمير الجنوب واستسلامه عام .1865 وأعلن قائد الاتحاديين الجنرال غوردون، أن الحرب قد انتهت وأن إعلان التحرر الذي اطلقه الرئيس لينكولن أصبح ساري المفعول، وتم تحرير جميع العبيد، حيث يتم الاحتفال بهذا اليوم في ولاية تكساس، ويعتبر عطلة رسمية، وفي سبتمبر من عام 1862 ،أعلن لينكولن أن «أي شخص كان يعتبر عبدا في السابق أصبح الآن حرا وإلى الابد».
لينكولن وصل إلى السلطة عام 1858.
|
ويرى ناشطو مكافحة الاتجار في البشر أن هذه المشكلة تتسم بتنوع كبير في الاشكال، وينخرط فيها الرجال والنساء والاطفال. وأحد المجالات الكبيرة لتهريب البشر هو تهريب العمالة من اجل الاستخدام المنزلي، أو الاكثر شيوعا في الاعمال الزراعية. بيد أن قضايا التهريب ظهرت ايضا في مجال الاعمال مثل المطاعم وصالونات تصفيف الشعر وصالات التجميل، غير أن السواد الاعظم للتهريب هو من اجل الاستخدام لبيع الجنس، الذي تضمن عادة النساء والاطفال الذين يجبرون على البغاء.
وتتنوع الطرق المستخدمة لاحتجاز الضحايا وهي تتضمن مصادرة جوازات سفر أولئك الذين يتم جلبهم إلى الولايات المتحدة من دول اجنبية او التهديد بالتعذيب الشديد، وثمة تكتيكات اخرى تتمثل في تهديد أفراد العائلة إذا لم تمتثل الضحية أو الابتزاز كما هي حال فلورز.
مشكلة المهاجرين
ويمثل تهريب البشر تحديا جديدا لأجهزة الأمن، خصوصا في المناطق التي لا يعتبر فيها تهريب البشر مشكلة رئيسة، ويتم ذلك عادة في المجتمعات المكونة من المهاجرين، حيث تشكل اللغة مشكلة، إضافة إلى القضايا الثقافية، كما يمنع الخوف الطبيعي لدى العديد من المهاجرين، غير الشرعيين، من الاتصال بالشرطة.
وتعتقد كيلي أن هذا الوضع موجود في سبرنغفيلد، وهي بلدة تقع في الغرب المتوسط من أميركا. وجاء ذكرها في مقال نشرته مجلة «نيوزويك» بعنوان «الحلم الاميركي»، ولكن سكانها البالغ تعدادهم 65 ألفا يواجهون ايضا مشكلات اميركا الحديثة الواقعة تحت وقع الركود الشديد، وأزمة المهاجرين والتغير السكاني. وتضم البلدة حاليا العديد من الاقليات المهمة التي تشكل اكثر من خمس سكانها بمن فيهم الروس والصينيون واللاتينيون والصوماليون. وقالت كيلي «هناك الكثير من الناس الذين لا يثقون بالشرطة، ونحتاج إلى إزالة الحواجز بين الطرفين، خصوصا في اللغات، واذا لم يتمكن المرء من التحدث مع الاخرين فإنه لن يستطيع الوصول اليهم».
واتهم بعض المعلقين والخبراء محامي الضحايا والاكاديميين بالمبالغة في التحدث عن المشكلة، وقالوا انه يجري تضخيمها، وأعربوا عن تشككهم في النظرية التي تقول إن شبكات الجريمة المنظمة تتعامل في تهريب البشر من أجل البغاء أو العمالة، ويعترف ضباط الشرطة بأن تعريفات تهريب البشر يمكن أن تكون بحاجة لتهذيب.
وفي الأسبوع الماضي، واجهت أم لطفلة في الخامسة من عمرها تهمة تهريب البشر بعد اتهامها بعرض ابنتها للبغاء، وتم العثور على الفتاة ميتة في وقت لاحق، وكانت الجريمة مروعة، لكن الفوارق بين تهريب البشر والتعذيب السادي يمكن ألا تتضح بسرعة. وقالت المحامية الحكومية في دايتون لورا كليمنز «لدينا مشكلة في التعريف إذ إن المشكلة لا تكون دائما واضحة كما أن شرحها ليس سهلا، ويتمثل الجزء الاصعب في المشكلة في الكشف عنها إلى الملا، أما في الوقت الحالي فإن هذه الجرائم تلفها السرية».
خشى الضحايا الاتصال بالشرطة لأن معظمهم مهاجرون غير شرعيين. غيتي - أرشيفية