«الفاخورة».. شاهـد على مجزرة فـي غـزة
مازالت صور أشلاء الأطفال والنساء والمواطنين التي تناثرت في ساحة مدرسة «الفاخورة» التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» في مخيم جباليا شمال قطاع غزة حاضرة في ذاكرة من قدر له النجاة من المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في هذه المدرسة خلال حربه على قطاع غزة قبل عام.
الاحتلال استخدم فلسطينيين دروعا بشرية
قبل نحو عام اعتقل الجيش الإسرائيلي المواطن الفلسطيني سمير العطار (38 عاماً)، من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، حيث خضع للاستجواب داخل إسرائيل، والآن بعد عام من الحرب استدعاه ضباط إسرائيليون، ولكن هذه المرة شاهد عيان وليس متهماً.
كان العطار وابنه حسين (13 عاماً) من بين الفلسطينيين الذين استخدمهم الجيش الإسرائيلي دروعاً بشرية، خلال الحرب التي شنتها القوات الاسرائيلية على القطاع (27 ديسمبر 2008- 18 يناير 2009). وقبل أسبوع استدعي الاثنان إلى معبر بيت حانون «ايرز» في شمال القطاع ليرويا للشرطة العسكرية الإسرائيلية ما حدث معهما. وتذكر العطار بعد عام من اقتحام الجيش الاسرائيلي لبلدته ما جرى له ولأسرته قائلاً، ان «الجنود فجروا باب منزلي وأخرجوني وعائلتي إلى الشارع بقوة السلاح». ويروي، وهو يشير بيده إلى المنطقة التي تجمع فيها الجنود الإسرائيليون، قائلاً «قام الجنود باقتيادي معصوب العينين، وكذلك فعلوا مع ابني حسين، وجعلانا أمامهم ووضعوا فوهات بنادقهم في ظهورنا وأمرانا بالتحرك، وأطلقوا النار بشكل عشوائي على الجهة الأخرى التي يوجد بها مقاتلون فلسطينيون». ويشرح العطار كيف تم إجباره على أن يقوم بدور جندي إسرائيلي، ممسكاً بيده عصا وبالأخرى قميص ابنه دافعاً إياه أمامه، وأخذ يمثل كيف أطلق الجنود النار بكثافة في كل الاتجاهات. ويقول العطار «أدخلونا إلى المنزل، ووضعونا أمام نافذة، واصطف عدد منالجنود خلفنا وأخذوا يطلقون النار باتجاه الأراضي الزراعية المقابلة، وفي تلك اللحظة أيقنت أكثر من أي وقت أننا ميتون لا محالة». ويواصل العطار حديثه وهو يحتضن ابنه كأنه يخشى عليه الموت من الجيش الإسرائيلي «بعد ذلك أخرجونا من المنزل ووضعونا في حفرة كبيرة كان بها آليات إسرائيلية، وكان بالحفرة أكثر من 50 رجلاً وامرأة، بقينا هناك ثلاثة أيام دون غطاء في البرد القارس، بعد ذلك أطلقوا سراح ابني وأخذوني بمركبة عسكرية إلى داخل إسرائيل، حيث بقيت هناك ثلاثة أشهر». ويقول الابن حسين الذي لايزال يعاني مشكلات نفسية كبيرة مثلالكوابيس وعدم الرغبة في النوم، «أطلقوا سراحي وقالوا لي اذهب للمنزل، وكنت أبكي ولا أعرف أين أذهب». وأضاف الصبي «مشيت لأكثر من ساعة في المنطقة، لم أر أي أحد سوى جنود ينظرون من النوافذ، ومنازل تشتعل فيها النيران، كنت خائفا من أن يطلق أحد الجنود علي النار ثم وصلت إلى المنزل فوجدت النوافذ قد تحطمت، لم يكن أحد بالداخل». من جهته، أدلى مجدي عبدربه (40 عاماً) من عزبة عبدربه في بلدة جباليا شمالالقطاع، بشهادته أمام لجنة التحقيق الإسرائيلية، لكنه يدرك هو الآخر تماما أن مثل هذا التحقيق لن يخدم سوى إسرائيل. ويروي عبدربه ما حدث له قائلا «كنت في المنزل أنا وابني وزوجتي، وعندما سمعت أحدا يطرق باب منزلي، فتحت الباب ووجدت جارا لي ومعه أكثر من 30 جنديا إسرائيليا. أخبرني جاري بأن جنود الاحتلال يريدونني». ويواصل عبدربه قصته وهو جالس على ما تبقى من ركام بيته المدمر: أخبرني الضابط الذي يقود المجموعة أنه يريدني أن أتأكد من وجود مسلحين داخل المنازل، بعد ذلك سحبوني خارج المنزل ووضع أحد الجنود فوهة بندقيته على رأسي وأمرني أن اسير أمامه، ثم أدخلوني إلى منزل مجاور لمنزلي وأمروني بالصعود إلى السطح، وعلى سطح المنزل أجبرني الجنود على خرق السور كي يتمكنوا من الوصول إلى البناية المجاورة وطلبوا أن أحضر جثثا لثلاثة مسلحين قتلوا داخل تلك البناية، وبالفعل دخلت ووجدوا المسلحين لكنهم كانوا أحياء». وتابع عبدربه «عدت إلى الجنود وقلت لهم إن المسلحين أحياء، فأمرني أحدهم أن أعود وأطلب منهم الاستسلام، عدت ولكنهم رفضوا الاستسلام وطلبوا مني ألا أعود فرجعت بتلك الأنباء للجنود فطلبوا مني أن أعود ثانية لإقناع المسلحين بالاستسلام، إلا أنهم رفضوا، حتى أخبروني في المرة السادسة أنهم سيقتلونني إن عدت مجدداً». بعد 12 ساعة تقريباً قرر الجيش الإسرائيلي أن يحسم الموقف واستدعي مسؤول المجموعة وجرافة كبيرة وبعد ما دمر المنزل على رؤوس من فيه طلبوا من شابين آخرين الذهاب لإحضار جثث القتلى، لكن الأمر كان صعبا لأن الجثث كانت قد دفنت تماما تحت الأنقاض.
|
وكانت هذه المدرسة ملجأ لآلاف العائلات النازحة من شمال قطاع غزة ظنا منهم أنها ستحميهم من حمم القذائف الإسرائيلية، ولكنها لاحقتهم وهم يحتمون بمدرسة تابعة لمنظمة أممية في اليوم الحادي عشر من الحرب وهو اليوم السادس من يناير 2009 لتسجل مجزرة من أبشع مجازر الحرب التي راح ضحيتها ما يقارب 49 مواطنا وإصابة العشرات جلهم من الأطفال والنساء.
زيارة ميدانية
«الإمارات اليوم» زارت ساحة مدرسة الفاخورة التي شهدت ارتكاب المجزرة قبل عام، حيث أقيم معرض لضحاياها الأبرياء في الذكرى الأولى للحرب على غزة، فيما حضر العديد من ذوي الشهداء الذين قضوا جراء هذه المجزرة.
فالطفل فؤاد شقورة (12 عاماً) مازالت مخيلته تحتفظ بصورة شقيقة محمد (ثماني سنوات)، الذي تمزق جسده أشلاء جراء إصابته بشظايا القذائف التي أطلقتها المدفعيات الإسرائيلية أثناء وجوده بالقرب من منزله المجاور للمدرسة، حيث كان يحاول الفرار من حمم القذائف التي تساقطت، إلا أن الشظايا كانت له بالمرصاد ومزقت جسده الصغير إلى أشلاء.
وقال الطفل فؤاد وهو يقف في المكان الذي استشهد فيه شقيقه، متخيلاً منظره وهو غارق في دمائه «كنت موجوداً في منزلنا، وعندما سمعنا صوت القذائف خرجت إلى الشارع، وشاهدت مشهداً فظيعاً لن أنساه طوال حياتي، حيث الأطفال والنساء والمواطنون ممزقون إلى أشلاء وبعد لحظات أخبرني سكان الحي أن شقيقي قد استشهد».
وأضاف باكياً «هرعت لرؤيته وكان مشهداً مؤلماً جداً عندما رأيت جسده ممزقا وقد فارق الحياة، ولم أتمالك نفسي من البكاء، فأخذت أصرخ بشكل شديد ولكن صراخي لن يعيد شقيقي لي كي نلعب ونتسامر معاً كما اعتدنا دائما قبل الحرب».
وتابع قوله «مر العام المنصرم بحزن شديد علي أنا وعائلتي لرحيل شقيقي محمد كما أنني لم أذهب إلى المدرسة التي كنا ندرس فيها أنا وشقيقي معاً لأكثر من شهر حتى لا تزداد أحزاني على أخي».
وفقد المواطن أبوخالد أبوعسكر شقيقه واثنين من أبنائه أحدهما فتى يبلغ من العمر 14 عاما خلال المجزرة، حيث قال «قصف منزلي المجاور من مدرسة الفاخورة قبل 14 ساعة من ارتكاب المجزرة، وكنا نبحث عن ملجأ لنا، وخلال توجه أفراد عائلتي للاحتماء داخل المدرسة تساقطت القذائف المدفعية، ما تسبب في استشهاد ما يقارب 49 مواطنا من بينهم اثنان من أبنائي وشقيقي وستة من أقاربي، بينما كنت أساعد زوجتي وأطفالي للخروج من منطقة القصف».
وأضاف «أسرعت إلى المكان الذي كنت قريبا منه فوجدت الأطفال والنساء والمدنيين غارقين في دمائهم ومن بينهم أفراد عائلتي، وكان مشهدا مؤلما للغاية ولن أنساه أبد الدهر».
ملجأ غير آمن
وأوضح أن مدرسة الفاخورة كانت ملجأ لعدد كبير من العائلات التي نزحت من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع تحت القصف معتقدين أنه المكان الأكثر أمنا لهم، مشيرا إلى أن غالبية ضحايا المجزرة من الأطفال والنساء والعجائز من سكان المنطقة التي توجد بها المدرسة، ومن العائلات النازحة.
وهذا ما يدحض الإدعاءات الإسرائيلية بحسب أبوعسكر، بأن القصف استهدف مقاومين كانوا موجودين في المنطقة، حيث إن غالبية الضحايا من المدنيين ولم يوجد أي مقاوم بينهم.
وكان الطفل موسى حسان حاضراً في مكان المجزرة بعد عام من ارتكابها ليتذكر أصدقاءه، وأبناء منطقته الذين استشهدوا أمام عينيه، حيث كان موجودا في منزله، وشاهد من النافذة القذائف وهي تتساقط على المدرسة من الداخل والخارج.
وقال الطفل حسان «كان هناك عائلات نازحة في طريقها لدخول المدرسة وأطفال سائرون من سكان المخيم أمام المدرسة وفجأة تساقطت القذائف المدفعية بشكل جنوني، ما تسبب في استشهاد وإصابة كل من كان في المكان».
وأضاف «لم أقدر على نسيان الصورة التي شاهدتها حتى بعد عام من ارتكاب المجزرة بل إنها محفورة في مخيلتي كأنها حدثت اليوم».
جرائم غير مسبوقة
وفي سياق متصل، قال رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية لـ«الإمارات اليوم» خلال زيارته معرض صور عن ضحايا مجزرة الفاخورة في الذكرى الأولى للحرب «إن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة قبل عام لم يسبق لها مثيل، فهو عدوان وحشي بكل ما تحمل الكلمة من معنى».
وأضاف «إن ما نشاهده اليوم هي مشاهد عاشها الشعب الفلسطيني وشاهدتها والبشرية جمعاء، وهي تكشف عن حجم الجريمة التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني». وأوضح هنية أن هذه الأحداث تكشف عن بطولة الشعب وصموده، وقدرته على التحدي والبقاء وتصميمه على أن يستمر في درب المقاومة حتى استعادة الأرض والقدس».