عائلة المبحوح في غزة تنتظر محاكمة قتلة ابنها
في حي تل الزعتر في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، تنتظر عائلة محمود المبحوح (50 عاماً) الكشف عن كل الحقائق عن عملية اغتياله في دبي، وملاحقة المتورطين وتقديمهم للقضاء، مؤكدة أن ذلك سيخفف من آلامها بفعل الطريقة البشعة التي اغتيل فيها ابنها بعد أن حُرمت من رؤيته 21 عاماً.
وستتوجّه عائلة المبحوح إلى القضاء ضد كل من ساهم أو شارك في جريمة الاغتيال، أو تغاضى عنها، خصوصاً الدول الأوروبية التي استُخدمت جوازاتها، وعُقدت اجتماعات داخلها، كما ستقاضي جهاز الاستخبارات الاسرائيلي (موساد) على الاغتيال سواء أنصفها القانون أو لم ينصفها.
وبات المبحوح مطارداً من قبل الاحتلال الإسرائيلي عقب الكشف عن مسؤوليته المباشرة عن خطف وقتل جنديين إسرائيليين على مرحلتين في ثمانينات القرن الماضي، ما دفعه لمغادرة قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، متنقلاً بين عدد من الدول العربية، ليستقرّ به الحال في سورية حتى تم اغتياله.
محاولات سابقة
كانت عائلة المبحوح تتوقع اغتياله في كل لحظة منذ أن غادر القطاع قبل 21 عاماً، لاسيما أنه تعرّض لمحاولات اغتيال وخطف من قبل «موساد» أكثر من مرة في سورية ولبنان، ولكنها في الوقت ذاته لم تتخيل أن اغتياله يتم بهذه الصورة البشعة، وفي بلد عربي.
وقال حسين المبحوح الشقيق الأكبر للشهيد لـ«الإمارات اليوم» التي التقت به هو ووالديه: «بقي محمود مطلوباً لإسرائيل حتى وهو خارج القطاع، فما ظهر من محاولات سابقة لوصول (موساد) له، هي محاولة خطف واحدة أثناء وجوده في لبنان عام ،1990 ومحاولتا اغتيال في سورية، الأولى كانت متزامنة مع اغتيال عزالدين الشيخ خليل، أحد قادة كتائب الشهيد عزالدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) الذي كان في دمشق، حيث وضعت له العبوة في السيارة، وقد كشف أمرها قبل أن تنفجر».
وأضاف حسين «أما المرة الثانية فكانت بعد اغتيال عماد مغنية بشهر واحد، حيث شاهد المتورطين وهم يضعون له العبوة في السيارة عبر كاميرات المراقبة في المكان، وحاول ملاحقتهم لكنهم اختفوا ».
وكشف حسين أن شقيقه محمود ضبط في إحدى المرات مجموعة تراقبه في سورية، وسلم افرادها إلى المخابرات السورية، وتم الإفراج عنهم بعد فترة من الزمن. وقال حسين إن تورط أي طرف آخر في عملية الاغتيال لا ينفي أن «موساد» الإسرائيلي هو المسؤول والمستفيد الأول والأخير من اغتيال شقيقه.
دعاوى قضائية
تقضي عائلة المبحوح المكلومة، بحسب حسين، وقتها وهي تتابع ما تتناقله وسائل الإعلام عن مستجدات التحقيقات التي تجريها شرطة دبي عن جريمة الاغتيال، لحين كشف الحقائق، وملاحقة المتورطين، حتى تهدأ قلوبهم المحترقة على اغتيال ابنهم.
وقال شقيق المبحوح: «سنلجأ إلى القضاء ضد كل من ساهم أو شارك في هذه الجريمة، أو تغاضى عنها، خصوصاً الدول الأوروبية التي استُخدمت جوازاتها، وعُقدت اجتماعات داخلها، فإذا لم تفعل هذه الدول اللازم لمحاسبة المتورطين وهي غير مشاركة في الاغتيال سنرفع دعوى ضدها، وإن كانت مشاركة فسنقاضيها دون أن ننتظر منها أن تفعل شيئاً».
وأضاف «سنرفع دعوى قضائية ضد (موساد) سواء أنصفنا القانون أم لم ينصفنا، فمحمود أعدم من دون اعتقال، أو تحقيق أو محاكمة، وهذا ما يجرّمه القانون الدولي».
وأوضح حسين المبحوح أن عائلته أوكلت محامياً من لندن اسمه أمجد سلفيتي، لتولي مسؤولية متابعة مجريات ونتائج التحقيقات في عملية الاغتيال ، كما سيتم توكيله برفع الدعاوى القضائية، مشيراً إلى أنه تم اختيار هذا المحامي كونه شخصية قوية في مجاله، ولديه سبق كبير في القانون الدولي.
مقاوم بصمت
ذكر الموقع الالكتروني لكتائب الشهيد عزالدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) على لسان عضو مكتب حركة حماس السياسي محمود الزهار، أن المبحوح هو من أوائل الذين أسسوا كتائب القسام، وله دور بارز في خطف الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، وفي الخارج استمر عمله ليدعم المقاومة بكل الوسائل والسبل، وكان يعمل بصمت وإخلاص حقيقي. لقاء وحيد تمكنت عائلة المبحوح في غزة من زيارة ابنها مرة واحدة في دمشق خلال الـ21 عاماً التي غاب فيها عن غزة، حيث تمكن والداه وثلاثة من أشقائه من السفر إلى سورية لزيارته، فيما التقى به شقيقه حسين مرة واحدة أيضاً عام 1993 عندما أُبعد من غزة إلى مرج الزهور في لبنان مع عدد من قادة حركة حماس. وأوضح حسين أن شقيقه كان يتواصل مع عائلته في غزة بصورة دائمة عبر الهاتف، وكانت آخر مكالمة هاتفية بينهم في عيد الأضحى المبارك الماضي، حيث تمكن من الحديث مع جميع أشقائه دون استثناء، وانقطعت اتصالاته بعد ذلك. حسين الشقيق الأكبر لمحمود قال إن عائلته أوكلت محامياً من لندن. الإمارات اليوم |
وعن كيفية استقبال عائلة المبحوح في غزة لخبر اغتيال ابنها ، قال شقيقه الأكبر «إن الخبر كان صدمة بالنسبة لنا، فقد تم اغتياله بصورة بشعة، ودفن غريباً عن أهله، كما حرم من أن يدفن في غزة، بل ومنعنا من السفر إلى دمشق لنشارك في جنازته، فقد وصلتنا المعلومات في المرحلة الأولى من حركة حماس، ومن ابن الشهيد الذي كان يرافق جثمان والده في دمشق، وبعد ذلك باتت مصادرنا هو كل ما تتناقله وسائل الإعلام».
بدوره، قال (أبوحسن) والد محمود: «تلقى أولادي خبر اغتيال محمود ولم يخبروني، لكنني لاحظت حركة غريبة عليهم، وعندما حاولت معرفة الأمر، أبلغوني بأن محمود قد أدخل المستشفى بسبب مرض مفاجئ، وأنه معرّض للموت السريري، ولكن لم أصدق، ولاحظت الحزن على عيون الجميع، وأيقنت أن محمود قد اغتيل، وقد حدث ما كنا نخشاه وهو اغتياله».
وهنا قاطعته زوجته قائلة: «في الليلة التي اغتيل فيها محمود أصبت بضيق نفس وكآبة لم أشهدهما من قبل، وشعرت بآلام في قلبي، ليصلنا في صباح اليوم التالي خبر اغتياله، وفي ليلة هذا اليوم رأيت محمود محمولاً على النعش شهيداً».
ومنعت السلطات المصرية، بحسب والد المبحوح، العائلة من نقل جثمانه ليوارى الثرى في غزة، ويودعه أهله وأحبابه، كما رفضت حتى خروج والدته وحدها كي تودع ابنها قبل أن يدفن.
وقال الوالد باكياً: «إن حرماننا من دفن ابننا في غزة، ومنعنا من وداعه وهو في دمشق زاد من آلامنا على فراقه، فلا يكفي أننا حرمنا من رؤيته 21 عاماً، واغتيل بصورة بشعة ، لنحرم من رؤيته قبل أن يدفن، لأحرم من أمنيتي طوال فترة غيابه بأن أراه حتى لو كان شهيداً».
وأضاف «لقد تقطّع قلبي ألماً عندما رأيت ابني وهو شهيد عبر شاشات التلفاز، وعندما شاهدته وهو يدخل الفندق والقتلة يلاحقونه، فلم نتمنَ أن نرى ذلك، ولكنه قدرنا والحمد لله».
ونقل والد المبحوح شكر عائلته وكل عائلة فلسطينية إلى شرطة دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة على جهودها في الكشف عن المتورطين وملابسات الاغتيال.
وقال إن ما قامت به شرطة دبي هو انجاز فريد من نوعه، ويؤكد قوة الأمن في الدولة، كما أن ذلك تسبّب في فضيحة كبيرة وفريدة من نوعها لـ«موساد» الإسرائيلي.
وطالب الوالد شرطة دبي بأن تتحرك جاهدة للكشف عن كل حقائق وتفاصيل عملية الاغتيال، وإطلاع عائلته عليها كي لا تتهم أحداً، ولا تظلم بريئاً.
الرجل الخفي
اتسم محمود المبحوح الذي كان يعمل ميكانيكياً قبل أن يطارده الاحتلال بالسرية والعمل بالخفاء، فلم يعرف أي أحد من عائلته عن عمله في كتائب القسام حتى أصبح مطلوباً لإسرائيل بعد أن كشفت عن مسؤوليته عن خطف وقتل جنديين من جنودها.
وهنا تستذكر والدة المبحوح (أم حسن) هذه اللحظات، حيث قالت وقد ظهرت على ملامحها ابتسامة من وسط دموعها «كنا مجتمعين على الغداء وكان الطعام ملوخية، وهو آخر غداء لمحمود معنا، وخلال الغداء أذيع خبر عبر التلفاز عن مسؤولية مقاوم فلسطيني عن خطف جنديين من جنود الاحتلال، ولم أكن أعلم أنه ابني، فقلت «حيا الله الرحم الذي ولد هذا المقاوم»، فضحك محمود بصورة شديدة، وقال لي أعيدي الذي قلتيه يا أمي».
وأضافت «لم أعلم لماذا ضحك محمود إلا في اليوم التالي، حيث دهم جنود الاحتلال منزلنا في وقت متأخر من الليل، ولم يكن محمود موجوداً، واعتقلوا كل من كان في المنزل حتى أنا وزوجة محمود».
ويكمل زوجها الحديث بعد أن غلبتها الدموع قائلاً: «مكثنا في السجن 12 يوماً، بينما قضى اثنان من أبنائي 70 يوماً في السجن لدى الاحتلال، ولم يفرجوا عنهما إلا بعد أن غادر محمود القطاع عبر الجانب المصري».
ولم تعرف عائلة المبحوح، بحسب والده، أنه غادر القطاع إلا من قبل الاحتلال، فقد غادر غزة عبر الأراضي المصرية، واعتقل مدة شهر لدى الأمن المصري، وتم ترحيله إلى ليبيا التي لم يمكث فيها طويلاً، لينتقل بعد ذلك إلى سورية، حيث استقر هناك حتى تم اغتياله، ولم يتصل بعائلته إلا بعد أكثر من عامين بعد خروجه من غزة. وفي عام 1990 أصدر الاحتلال قراراً بهدم منزل عائلة المبحوح، ليكون أول منزل فلسطيني يهدم خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وأوضح الشقيق الأكبر لمحمود أن المبحوح كان متزوجاً عندما غادر القطاع، وفي عام 1993 تمكنت زوجته وأبناؤه من السفر إليه في سورية، مشيراً إلى أن عدد أبناء شقيقه أربعة، ولد وثلاث بنات.
والتحق محمود، بحسب شقيقه حسين، في صفوف «الإخوان المسلمين» في غزة منذ أن كان عمره 20 عاماً، ولكنه كان يعمل بالخفاء، ولم يكن يعلم أحد عن عمله هذا، وفي عام 1986 اعتقل لمدة عام لدى الاحتلال في سجن غزة المركزي، بتهمة حيازة سلاح «كلاشينكوف».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news