إرث الاستعمار يعكّر صفو العلاقات الجزائرية ــ الفرنسية
شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توتراً في الآونة الأخيرة بسبب تصريحات بعض المسؤولين في البلدين. وفي حين طالب أحد البرلمانيين الجزائريين بضرورة محاسبة فرنسا على ما اقترفته من جرائم في حق الشعب الجزائري خلال فترة الاحتلال.
وقال دبلوماسي فرنسي إن «الحوار بين فرنسا والجزائر معطل حالياً». ويحاول النائب في البرلمان تمرير قانون يسمح بتشكيل محكمة خاصة تقوم بمحاكمة «مجرمي الحرب الفرنسيين»، الأمر الذي زاد الاحتقان بين البلدين، اللذين تتخلل علاقاتهما العديد من المشكلات والمنغصات. وعلى الرغم من أن الجزائر تعتبر الشريك الاقتصادي الأول لفرنسا، خارج الاتحاد الأوروبي، إلا أن مخلفات الاستعمار وصراع المصالح، طالما ثملت عقبات حقيقية أمام التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية. ويعيش في فرنسا نحو أربعة ملايين جزائري هاجر أغلبهم بعد الاستقلال.
أثارت الإجراءات الأمنية الجديدة التي تبنتها الولايات المتحدة والقائمة التي أدرجت الجزائر فيها ضمن الدول التي تشكل «تهديدات إرهابية»، مثلها مثل أفغانستان واليمن، وتبني الاتحاد الأوروبي هذه القائمة، غضب المسؤولين الجزائريين الذين احتجوا بشدة لدى السلطات الأميركية. ويرى المراقبون أن إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير للزيارة التي كانت مقررة في 18 يناير الماضي، كانت بطلب من الطرف الجزائري وليس بسبب التزامات كوشنير. ويذكر أنه تم التحضير لهذه الزيارة منذ فترة طويلة. ويرى مراقبون فرنسيون أنه مع احتدام النقاش حول بعض المسائل الحساسة بين البلدين، بما في ذلك تبعات الاحتلال، لم يقم أي من الطرفين بمبادرة لتهدئة الوضع. ويذكر أن الجمعية الفرنسية كانت قد أقرت في ،2005 قانوناً يمجد «الدور الإيجابي للاستعمار»، ما سبب توتراً كبيراً لم تخف حدته إلا بعد زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للجزائر في ،2007 وتصريحه بأنه يرفض النظام «الاستعماري الظالم بشدة». وتعتبر باريس استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، أمراً غير منطقي، في الوقت الذي تدعم فيه الجزائر كل الجهود الرامية للاعتراف بجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم.
يؤكد دبلوماسيون في باريس أن هذه الخلافات ليست أمراً جديداً، ولكنها تطفو إلى السطح كلما كان الجو «غائما» بين البلدين. وقامت السلطات الجزائرية في الأسابيع الأخيرة بتعديلات على قائمة السلع المسموح باستيرادها، وقالت إن الإجراء لايستهدف المنتجات الفرنسية. ويقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بـ10 مليارات دولار سنوياً. ومع أن الجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب لم تتأثر إلا أن صفقات مهمة، تشمل بيع طائرات قتالية ومعدات عسكرية ووسائل المراقبة الحدودية، تم تأجيلها. وتقول المصادر في العاصمة الجزائرية إن هناك خلافاً بين الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وقيادة الجيش في ما يخص هذه الصفقات، وباتت العلاقات مع فرنسا ضمن الجدل السياسي الداخلي في أروقة السلطة الجزائرية.
يرى المراقبون أن الحملة التي يقوم بها نواب حزب جبهة التحرير في البرلمان الجزائري ليست إلا مناورة سياسية داخلية. ويعاني الحزب الذي حكم البلاد لمدة ثلاثة عقود بعد استقلال البلاد في ،1962 ويبدو أن الحزب بدأ يفقد من شرعيته وسط مطالبات داخلية بضرورة إشراك الجيل الجديد في القيادة، والتنديد بالانتهازيين الذين يستخدمون الحزب للوصول إلى أغراض شخصية، كما يقول المنتقدون إن الجبهة لا تستطيع أن تكون في المعارضة وهي دائماً تشارك في صنع القرار.
على الرغم من أهمية البعد التاريخي في العلاقات التي تحكم الجزائر وفرنسا، إلا أن مصالح البلدين تغطي على الخلافات بشأن ماضٍ يعتبره الجيل الحالي قد ولى من غير رجعة. وفي الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة تعزيز استثماراتها في الجزائر، تسعى باريس للمحافظة على نصيب الأسد في السوق الجزائرية، وسوف تدفع هذه المصالح بالطرفين، حسب المراقبين، إلى تجاهل كل ما حدث والتفكير أكثر في التعاون المشترك.
عن صحيفة «لوموند»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news