محللون: أجندة أرغينكون تخفيض قوة الجيش محاكمات الضباط تكشف عن صراع بين سلطتين داخل تركيا
اعتقلت الشرطة الاثنين الماضي 49 ضابطاً عسكرياً كبيراً على خلفية اتهامات لهم بالتخطيط للاطاحة بالحكومة ذات الجذور الاسلامية في انقلاب دموي، وكان من بين المعتقلين النائب السابق لقائد الجيش وقائد متقاعد في سلاح الجو والكثير من الجنرالات والادميرالات الذين اعتقلوا في حملة شملت ثماني مدن تركية.
الكاتب التركي عبدالله يوسكورت الاستقالات لن تنتهي بأزمة يعتقد قطاع كبير من الشعب التركي ان الانقلاب أمر بعيد عن الواقع. ويبدو أن اعتقال وتقديم الضباط للمحاكمة من شأنه ان يزيد من غضب الجمهور على العسكر الذين يتدخلون في الشؤون المدنية ويحشرون أنوفهم في صناعة القرارات الانتخابية. وهناك حقائق كثيرة بهذا الشأن : أولاً: استقالات الجنرالات لا تسبب للحكومة أي ازمة سياسية . ثانياً: اذا كان الضباط متورطين لحد ما في عملية انقلابية ضد الحكومة، فإن استقالاتهم ستتمخض عن بعض الترسبات وستؤخر محاكمتهم، وعليه ستكون لهم فرصة جيدة لعقد أي نوع من الاتفاق مع الحكومة والاحتفاظ بمناصبهم. وليس هناك سابقة في التاريخ التركي عن أي رئيس اركان أو جنرال تم تقديمه للمحاكمة بسبب اقترافه جريمة. والشخص الوحيد الذي تم تقديمه لمثل هذه المحاكمات هو قائد القوات البحرية السابق الجنرال الهامي ارديل الذي حكم عليه بالرشى والفساد عام .2006 ثالثاً: مثل هذا التحرك يرسل اشارة للاصدقاء والاعداء بأن هناك هوة كبيرة بين القيادات في تركيا وتجيء هذه الخلافات في الوقت الذي تواجه فيه تركيا الكثير من التحديات في الشرق الاوسط، لاسيما في العراق، كما انها تولت اصعب المهام وهو التدريب واعادة الاعمار في افغانستان. رابعاً: يبدو ان رئيس الوزراء الحالي، رجب طيب اردوغان، رجل قوي الشكيمة ويعد من جيل جديد من القادة السياسيين الذين لا يخجلون من مواجهة العسكر، ويعرف عنه انه شخص غير متسامح مع التوبيخ اللاذع. |
كانت الاعتقالات جزءاً من حملة استهدفت مخططاً انقلابياً مزعوماً يطلق عليه «رأس المطرقة» كشفته الشهر الماضي صحيفة «طرف» الليبرالية وترمي وفقا لشهادة تقع في 5000 صفحة من الوثائق العسكرية تعود الى 2003 الى الاطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية بعد شن حملة من عدم الاستقرار تتضمن تفجيراً للمساجد وإثارة الحرب مع اليونان. وينكر الجيش هذه المزاعم، ويؤكد أن تلك الوثائق انما تمثل خطة انقلابية، بل هي احد السيناريوهات المحتملة لانقلاب ما.
ويعتقد محللون سياسيون في تركيا احتمال تقديم رئيس الاركان، الكر باسبوغ استقالته. ويقول المتخصص في الشؤون العسكرية غيريث جينكينز ان هذه الاعتقالات من شأنها ان تشكل ازمة كبيرة «حيث إن امام المدعين اربعة ايام فقط لتحويل تلك التوقيفات الى اعتقالات رسمية واذا ما تم ذلك، فإن الجيش لن يقف موقف المتفرج»، ويضيف المحللون «ان ما يجري يمثل صراع قوة بين سلطتين، وان أجندة تنظيم ارغينكون هي تخفيض قوة الجيش»
ولا يعتقد جميع المراقبين في تركيا، بدءاً من الموالين للحكومة الى الليبراليين، بأن باسبوغ بمفرده أو مع آخرين يريد الاستقالة من منصبه. ومع الاقرار بأن جينكينز من المحللين القلائل الذين لديهم ارتباطات جيدة مع مصادر عسكرية ومدنية، فإننا ينبغي ان نأخذ ادعاءاته على محمل الجد.
ويبدو أن المراقبين الاتراك الذين يعتقدون بأن استقالة الجنرال باسبوغ غير ممكنة يبنون تحليلاتهم على فرضيتين: اولاهما ان مثل هذه الاستقالة من شأنها ان تتسبب في ازمة سياسية كبيرة ولا يريد الجنرالات ان تكون بسببهم ، وثانيتهما ان مثل هذه الاستقالات ستعطي انطباعاً خطأ للضباط الشباب عن قادتهم وسينظرون الى هؤلاء القادة على انهم لا يستطيعون ادارة الازمة.
وعلى كل فإن كلا الحجتين تفتقد للخلفية التحليلية، وعلينا ان نضع في الاعتبار ان الجنرال باسبوغ شخص مثير للجدل وجاء الى السلطة كخليفة لجنرالين دار حولهما جدل مستفيض هما رئيس الاركان الجنرال حلمي اوزوك، والجنرال ياسار بيوكانيت، حيث إن الاخير تعرض لانتقاد من قبل التيار العلماني في المجتمع لعلاقاته اللصيقة مع حكومة حزب العدالة والتنمية، بينما تعرض الآخر لانتقادات ولكن من قبل كل من التيار المحافظ في المجتمع لخوضه في الشؤون السياسية المدنية خلال الانتخابات الرئاسية، ومن التيار العلماني المجتمعي لعلاقته المتذبذبة مع الحكومة.
وجاء الجنرال باسبوغ بعد هذين الجنرالين المثيرين للجدل ليصبح رئيسا للاركان وليبذل جهداً شديداً للحفاظ على التوازن الهش بين الجيش والحكومة المدنية وليحافظ على مسافة ليست بعيدة جدا أو قريبة جدا من الحكومة. وعلى الرغم من ذلك، فإن تطور الموقف جعل من الجنرال باسبوغ يعيد تقييم علاقاته مع الحكومة. وخلال شهوره الخمسة في منصبه كان اهم اولويات باسبوغ هي ألا يكون في نفس وضع الجنرال بيوكانيت الذي يبغضه المجتمع ولهذا فمن المحتمل ان يزيد باسبوغ من مستوى المواجهة مع الحكومة. وان تكون «ورقة» الاستقالة اما حقيقية، كما يردد البعض، أو لتلميع موقفه.