بعد تمسك نتنياهو باستمرار الاستيطان في القدس المحتلة
أميركا وإسرائيل.. خلافات الحلفاء تلامس حـــد الخطر
اعترف مسؤولون أميركيون وإسرائيليون بأن الأزمة الأخيرة بين الولايات المتحدة وحليفتها الأولى في العالم اسرائيل، والتي تفجرت بتوقيت إعلان حكومة بنيامين نتنياهو عن بناء 1600 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية ليتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لها كانت على مستوى غير مسبوق من الخطورة منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، لكن محللين قالوا إنها وعلى الرغم مما انطوت عليه من «اهانة شخصية ورسمية» لبايدن ولادارة الرئيس باراك أوباما، إلا أنها لن تكون الاخيرة في ملف الأزمات التي تخللت العلاقات بينهما على مدى أكثر من 60 عاماً.
ودفعت تصرفات اسرائيل وتصريحاتها ومواقفها خلال الأسبوع الماضي اركان ادارة اوباما الى ثورة عارمة من الغضب والاستياء الشديدين ما دفع نتنياهو الى المبادرة بالاعتذار والتعهد بمعالجة الأزمة بكل مسؤولية وحكمة واتزان، بل والإعلان بكل غرور أن الأزمة هي الآن تحت السيطرة، غير أن السفير الاسرائيلي في واشنطن ميخائيل أورين ذهب الى رأي مختلف وبعيد حينما أقر بأن العلاقات مع الولايات المتحدة قد تدهورت الى أسوأ حالاتها منذ 35 عاماً، وأن ما حدث أخيراً شكل تهديداً جدياً وخطيراً للجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية لاستئناف المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
وقال أورين لدبلوماسيين اسرائيليين آخرين في حديث هاتفي «إن علاقات اسرائيل مع واشنطن تمر بأخطر ازمة تشهدها منذ عام 1975» وكان يشير بذلك الى الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الاميركي حينذاك جيرالد فورد على تل ابيب لإجبارها على الانسحاب من سيناء بعد عامين من حرب اكتوبر .1973
أزمات جاسوسية
وإذا كانت الأزمات معدودة في تاريخ العلاقات بين الحليفتين الحميمتين فإن تجسس إسرائيل على أميركا- وهي الدولة التي تقدم لها أكبر مساعدات عسكرية واقتصادية ومالية، ودعما سياسيا مطلقا في العالم - لم يتوقف يوما واحدا حيث يقول مراقبون إن الفضائح التي تم الكشف عنها بشأن التجسس الاسرائيلي على الأميركيين ليست إلا قمة جبل الجليد من هذا النشاط الذي تعود بداياته الى أشهر قليلة بعد الاعتراف الرسمي الميركيك بـ«قيام اسرائيل 1948».
وفي كل مرة يقبض الاميركيون على أحد جواسيس اسرائيل في احدى الوزارات او المؤسسات الحساسة يسارع المحللون، بل وكثير من الاميركيين الى التساؤل: لماذا تتجسس اسرائيل على اميركا؟ ولماذا اميركا بالذات وهي التي تقدم كل اشكال العون والدعم المادي والسياسي لاسرائيل وتحميها من غضب المجتمع الدولي وعقوباته وتستخدم حق الفيتو ضد قرار في مجلس الأمن الدولي لمجرد انه يتضمن لوماً او انتقاداً لإسرائيل.
وهذه التساؤلات أثيرت حينما ضبط جهاز الأمن الاتحادي الأميركي الجاسوس ستيورات ديفيد نوزيت وهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» في اكتوبر من العام الماضي بعد ان قام بتسريب وثائق سرية تتعلق بالأسلحة النووية، فضلاً عن وثائق عن وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) التي عمل بها.
وكذلك تكرر الأمر عام 2003 بعدما سلم الخبير في وزارة الدفاع الاميركية لورانس فرانكلين نفسه الى المباحث الفيدرالية، بعد ان وجهت اليه تهمة تسريب معلومات «سرية للغاية» الى مجموعة مقربة من اسرائيل، حول هجمات محتملة تستهدف القوات الاميركية في العراق. وكان فرانكلين نفسه قد تورط قبل ذلك بنحو عام في فضيحة تجسس مماثلة، وهي نقل معلومات حساسة عن الملف النووي الإيراني الى عضوين في اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) وهي ابرز وأهم جماعات الضغط الصهيونية الموالية لإسرائيل.
وثائق سرية
وكانت وثائق سرية حصل عليها تلفزيون «فوكس» بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 اكدت ان تجسس اسرائيل على الولايات المتحدة لم يتوقف بعد تلك الهجمات بل زاد، وأن الاسرائيليين اصبحوا يتجسسون على المسلمين في اميركا، وليس فقط على الوزارات والهيئات الاميركية الحساسة. كما أشار التلفزيون المذكور الى أن الشرطة الاميركية اعتقلت قبل 11 سبتمبر، اكثر من 140 اسرائيلياً وأكثر من 60 بعدها في حملات مكثفة وسرية في إطار عمليات تجسس كانت تقوم بها شبكات وليس أفراداً بل اثيرت تساؤلات كثيرة وشكوك عميقة حول ما اذا كانت اسرائيل تعلم مسبقاً بتلك الهجمات.
ولم تبلغ واشنطن ولعل قضية الجاسوس المحلل اليهودي في البحرية الاميركية جوناثان بولارد الذي تكشفت فضيحته في عهد حكم الرئيس الأميركي رونالد ريغان اواسط الثمانينات ويقضي حالياً عقوبة السجن المؤبد تبقى الأكثر شهرة وخطورة في مسلسل التجسس الاسرائيلي على الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين لم يجرؤ الرؤساء المتعاقبون جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك اوباما على اتخاذ قرار بالإفراج عن بولارد او الاذعان لمحاولات الضغط الاسرائيلية لهذا الغرض.
وفي فبراير 1987 ذكر تقرير أميركي نشرته واشنطن لشؤون الشرق الأوسط أنه ثبت لأجهزة القضاء الاميركي أن بولارد وزوجته تجسسا بشكل كبير وخطير للغاية لمصلحة اسرائيل وأنه من أخطر الجواسيس الذين عملوا ضد بلادهم في القرن الـ20 لأنه استغل عمله يهودياً أميركياً في جهاز الاستخبارات (سي آي ايه) وقام بنقل معلومات خطيرة إلى اسرائيل وقدمت تلك الأجهزة أدلة دامغة على تورط الحكومة الإسرائيلية معه.
وفي منتصف التسعينات عانت العلاقات الأميركية الإسرائيلية من تورط تل ابيب في تسريب معلومات اميركية عسكرية حساسة الى الصين، العدو الاقتصادي والاستراتيجي اللدود لأميركا ما دفع بعض الاميركيين حينذاك الى اقتراح معاقبة اسرائيل على هذه «الخيانة»، غير ان نفوذ اسرائيل كان اقوى.
وفي السبعينات كان الكولونيل جوزف لانغوتسكي من أشد الجواسيس الذين أرسلتهم اسرائيل ازعاجاً للولايات المتحدة حيث تنبه مكتب التحقيقات الفيدرالي الى خطورة نشاطاته بعد وقت قصير من تعيينه مساعداً للملحق العسكري في السفارة الاسرائيلية في واشنطن عام 1976م، حيث تمكن من اختراق مناطق حساسة مغلقة في البنتاغون مرات عدة وحاول تجنيد موظفين فيه.
أشهر الجواسيس ستيوارت ديفيد نوزيت. لورانس فرانكلين. جوناثان بولارد. أفرايم بن أرتزي |
وبعد شهر من الاعتراف الأميركي الرسمي بـ «اسرائيل» وفي يونيو من عام 1948 كانت الاخيرة تؤسس أول شبكة تجسس داخل الولايات المتحدة برئاسة ملحق عسكري اسرائيلي وهو- افرايم بن ارتزي - وتتكون من ثلاثة آخرين ودبلوماسي في بعثة الأمم المتحدة، وعميل محترف كان يتنقل بين تل ابيب ونيويورك إضافة إلى محام اميركي، وكان هدف هذه الشبكة هو تدريب العملاء المجندين على اساليب التجسس كالمراقبة الإلكترونية والبشرية، واستخدام الأدوات السرية كالحبر والشيفرة في المراسلات، للحصول على أدق اسرار الولايات المتحدة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، ومقايضة العالم عليها. ويبرر الإسرائيليون تجسسهم على اميركا بأن اسرائيل تتمتع بشهية قوية لجمع المعلومات لأنها تعيش في محيط من العداء والكراهية لها، ولهذا فهي تقوم بذلك مدفوعة بالرغبة في البقاء وجمع معلومات لتحمي نفسها، بينما يقول رأي ثان إن الثقافة التي يتربى عليها الإسرائيليون ان اليهودي وفي سبيل الوصول الى أهدافه لا يعنيه الآخرون.
أخطر الأزمات
بين الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون، بهدف ارغام الثاني على الانسحاب من قطاع غزة وسيناء استجابة لرغبة المجتمع الدولي في اعقاب العدوان الثلاثي على مصر .1956
بين ادارة الرئيس الأميركي جيرالد فورد وحكومة غولدا مائير، لحمل الأخيرة على الانسحاب الجزئي من سيناء تنفيذاً للاتفاقية الثانية لفض اشتباك القوات بين مصر وإسرائيل عام .1975
بين جورج بوش الأب واسحق شامير الذي كان يصر على شروطه بشأن مشاركة اسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، من دون المساس بضمانات القروض الأميركية البالغ حجمها 10 مليارات دولار، لكن بوش ألغى تلك الضمانات.
بين الرئيس الأميركي بيل كلينتون وبنيامين نتنياهو، لابرام وتنفيذ اتفاقات واي ريفر بشأن الانسحاب الاسرائيلي من 80٪ من مدينة الخليل في الضفة الغربية، وربط نتنياهو ذلك بالافراج عن الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد.
بين الرئيس الحالي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو، حول رفض الأخير الاستجابة لطلب اوباما رفض التجميد الكامل للاستيطان، وإهانة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن باعلان خلال زيارته لتل ابيب عن بناء وحدات استيطانية جديدة في القدس الشرقية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news