تدفق المهاجرين أدى إلى إعادة رسم الخريطة السكانية في أوروبا وإحداث تغييرات امتدت إلى أنواع الأكل والمعرفة. أ.ف.ب - أرشيفية

‏دول جنـوب أوروبـا تواجـه موجات المهاجرين‏

‏أدى تزايد موجات المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، إلى إعادة رسم الخريطة السكانية في القارة العجوز، وتغييرات كبيرة امتدت إلى تغيير أنواع الأكل فيها والمعرفة أيضاً.

 محادثات لضبط الهجرة

ضمن إطار بحثه عن حلول عملية لمواجهة مشكلة الهجرة غير الشرعية، بدأ الاتحاد الأوروبي محادثات في جمهورية مالي لإقامة مراكز توظيف للباحثين عن فرص عمل في دول الاتحاد الأوروبي التي يبلغ عددها 27 دولة. ومن المقرر أن يناقش المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية لويس ميشيل، هذا المشروع مع المسؤولين في مالي جنوب الصحراء الكبرى. ويهدف هذا المشروع إلى تشجيع «الهجرة الموسمية» بشكل يتيح للمهاجرين من إفريقيا العمل في دول الاتحاد لفترة محددة من الزمن. ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن هذا المشروع سيمنع أفقدان القارة الإفريقية الموهوبين من سكانها، نتيجة عدم عودتهم إلى ديارهم وبقائهم في الدول الأوروبية. وأناشد المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة، فرانكو فراتيني، حكومات دول الاتحاد الأوروبي موافاة المفوضية الأوروبية بالتفاصيل المتعلقة بالنقص في أعدد القوى البشرية. وكان فراتيني أعلن مراراً أنه لا يريد أن يفرض على الدول الأعضاء الالتزام بحصص معينة للمهاجرين. ويذكر هنا أن اختيار الاتحاد الأوروبي لمالي من بين دول إفريقيا تم نظراً لوجود وكالة وطنية للتوظيف هناك وامتلاكها الخبرة على صعيد الاتفاقات الثنائية مع دول أوروبية مثل فرنسا.‏

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية توجّه المهاجرون نحو دول شمال أوروبا، ولكن دول جنوبها ازدهرت أيضاً خلال العقدين الماضيين، وبذلك أصبحت جاذبة للكثير من المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل. ووصلت أعداد المهاجرين إلى جنوب أوروبا خلال العقد الجاري، إلى ما يعادل 60٪ من جميع القادمين إلى القارة الأوروبية.

وأصبحت سياسة الهجرة في أوروبا أكثر بيروقراطية مع مرور الزمن.

أما في الجنوب فإن فرض القانون أضحى أكثر تساهلاً، كما أن الاقتصاد صار أكثر ضخامة، في حين أن العمل بصورة غير قانونية أصبح أسهل من الحصول على الترخيصات المناسبة.

وبالطبع فإن الأزمة الاقتصادية العالمية ستخفف من تدفق المهاجرين، ولكن من غير المرجح أن يُلغى التغيير الديموغرافي الحاصل، لأسباب عدة أقلها أن معدل توالد المهاجرين أكبر مما عليه مقارنة بالسكان المحليين.

وقال البروفسور جوكيم أرانغو أستاذ علم الاجتماع في جامعة كومبيلتنس في مدريد «إذا كان ثمة درس تعلمناه من تجربة أوروبا الشمالية، فهو أن المهاجرين المؤقتين يعمدون في الغالب إلى البقاء في البلاد»، وثمة درس آخر مفاده «عندما يتجاهل المجتمع القادمين الجدد تُثار المتاعب».

وتحتاج أوروبا الجنوبية إلى ايجاد مكان ما لإيواء المهاجرين.

وسلطت مجلة «التايم» الضوء على ثلاث دول يعيش فيها عدد كبير من المهاجرين.

إيطاليا: إنكار وغضب

عندما قام مئات الأفارقة بأعمال شغب في ايطاليا الشهر الماضي، شاهد العالم صوراً لإيطاليا تختلف عما يشاهدونه في الكتيبات التي تروّج للسياحة. وأظهرت هذه الأعمال أن ايطاليا أصبحت دولة يسكنها شعب متعدد الأعراق بصورة متعددة ومتزايدة بعد وصول المهاجرين إليها من إفريقيا والصين وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط للعمل في وظائف يرفض السكان المحليون العمل بها.

ويجري هذا التحول الديموغرافي في ايطاليا بأسرع من أي مكان آخر في أوروبا. وتقول جمعية «كاريتاس» الخيرية إن 7.2٪ من القاطنين في ايطاليا هم من الأجانب، وهي أكبر نسبة في أوروبا، كما أن سدس المواليد في عام 2008 كانوا لعائلات أجنبية. وتقول المنظمة الدولية للمهاجرين إن العمال الأجانب مسؤولون عن 9٪ من إجمالي الناتج المحلي. وهم يعملون في قطف المحاصيل الزراعية والمطاعم. ومع ذلك فإن ثمة قوانين صارمة تحكم سلوك الحياة في ايطاليا بدءاً من كيفية اللباس وانتهاء بالوقت الذي يتم فيه تناول القهوة الإيطالية. يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة ترينتون جيسبي سيورتينو «بات الناس يتقبلون حالياً وجود المهاجرين هنا. ولكنهم لايزالون ينكرون أن وجودهم يمكن أن يقود نحو تغيير ايطاليا إلى الأبد».

ويتحول هذا الإنكار في بعض الأماكن إلى غضب، واندلع العنف في السابع من يناير الماضي في بلدة روزارنو بعد اطلاق النار على اثنين من المهاجرين، وقام المهاجرون بحرق السيارات والمتاجر انتقاماً لذلك، وقال ياكوبا كامارا (25 عاماً) وهو مهاجر من غينيا «إنها عنصرية ضد السود».

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن ظروف معيشة هؤلاء المهاجرين صعبة.

وقالت منسقة برامج المهاجرين في أوروبا للمنظمة صوفي بايلاك «إنهم مهمشون كما أنهم أصبحوا ضحايا الاستغلال والعنف»، وعلى الرغم من هذا التهميش أو ربما بسببه، أصبحت قضية المهاجرين مهمة جداً في ايطاليا. وأشار استطلاع إلى أن 69٪ من السكان يعتبرون المهاجرين قضية مهمة بالنسبة للدولة.

وفي الصيف الماضي لعب حزب رابطة الشمال، المناوئ للهجرة، دوراً رئيساً في استصدار قانون يقضي باعتبار الهجرة إلى ايطاليا جريمة يعاقب عليها القانون، أي أن كل مهاجر يعرّض نفسه للسجن لمدة ستة أشهر قبل ترحيله من ايطاليا. ولكن هذه السياسة تعالج جزءاً بسيطاً من المشكلة، وتتجاهل حقيقة أن المهاجرين يلعبون دوراً كبيراً في الاقتصاد الإيطالي. وجاء الرد الرسمي على مشكلة المهاجرين على لسان وزير الداخلية روبرتو ماروني، وهو من حزب رابطة الشمال، عندما قال «إن اللوم يقع على إجراءات الحكومة المتساهلة في التعامل مع المهاجرين».

إسبانيا: بصيص أمل

في صباح أحد أيام يناير الماضي تجمع ثمانية أطفال في كورنيلا بضواحي برشلونة، لرسم بعض اللوحات لكوكب الأرض. وكانت غرفة صفهم تبدو عادية بجدرانها المغطاة بأعمال فنية من انتاج الطلبة. ولكن المعلمة سابينا استيفي كانت تواجه تحدياً من نوع خاص، فبالإضافة إلى أنها تريد التأكد من قيام الطلاب بواجباتهم على خير وجه، وتنظيف فرشات التلوين جيداً، فعليها التأكد من أن الطلاب يتفهمون أبسط التعليمات المقدمة إليهم، لأن معظم هؤلاء الطلبة يعيشون في اسبانيا منذ أسابيع قليلة. وكانت كورنيلا آخر بلدة في منطقة كاتالونيا التي تفتتح ما يصر المسؤولون على تسميته «مساحة ترحيب تعليمية» ويقصد منها تعليم أطفال المهاجرين أساسيات «اللغة الكتالونية» والتأقلم مع محيطهم قبل الذهاب الى المدرسة المناسبة. ويقول مستشار التعليم في حكومة كاتالونيا ايرنست ماراغال «أردنا أن نوجِد مركزاً مخصصاً للقادمين ولأطفالهم أيضاً».

وظل تزايد المهاجرين في إسبانيا كبيراً حتى فترة الكساد الاقتصادي الكبير. وفي عام 1997 كان تعداد الأجانب لا يتعدى نصف مليون شخص، ولكن بعد مرور 11 عاماً وصل هذا العدد الى 5.3 ملايين شخص، من اجمالي السكان البالغ عددهم 46 مليون نسمة.

وفي عام 2008 ،استقبلت إسبانيا أكبر عدد من المهاجرين في دول الاتحاد الأوروبي باستثناء ايطاليا. وعلى الرغم من أنها تعمل ما بوسعها لتجنب شعور الخوف من الأجانب، والعنف الناجم عن المهاجرين، إلا أنها لاتزال تكافح من أجل دمجهم في المجتمع الإسباني. وارتفع عدد المدارس المخصصة للسكان من أصول غير إسبانية إلى أكثر من 30٪. وعلى الرغم من أن الدراسات التي تتحدث عن تأثير هذا التزايد قليلة، إلا أن أحد التقارير من معهد «رويال الكانو» البحثي يقول إنه ثمة علاقة بين الوجود الكبير لأطفال المهاجرين والمستوى المتدني للتحصيل العلمي.

وأدت الهجرة إلى احداث تغيير في الصفوف التعليمية لأبناء المهاجرين وابناء البلد، لأن أبناء المهاجرين كانوا يدخلون المدارس بغض النظر عن الصفوف التي كانوا قد وصلوا اليها. ويجد المدرسون أنفسهم مجبرين على عدم الالتزام بالمنهاج كي يؤمّنوا حاجات الطلاب الجدد. وقالت صحيفة «إيل باسو» الإسبانية إن أحد معلمي مادة التاريخ عام 2007 بدأ صفه بـ17 طالباً وانتهى بأن أصبح العدد 28 طالباً. وقال المعلم «من المستحيل العمل بهذه الطريقة، وحسب المنهاج كان من المفروض أن نصل إلى فترة تسعينات القرن الماضي. ولكننا لم نتجاوز الثورة الروسية».

اليونان: إجراءات مشددة

تتحدث هاوا سانكوح اللغة اليونانية مع ابنتيها، ولكن لسانها يزل أحياناً وتتحدث لغتها الأصلية، فهي من سيراليون وولدت طفلتيها في أثينا، وأما سيراليون التي دمرتها الحرب، فقد شاهدتها الطفلتان في الصور فقط. ولكنهما بالنسبة للمجتمع اليوناني تعتبران زائرتين مؤقتتين. وتقول سانكوح التي انتقلت إلى اليونان قبل 23 عاماً، ومع ذلك فإنها لاتزال تعيش مع طفلتيها في دوامة الإقامة المؤقتة لمدة عامين «القانون عنصري تماماً هنا».

وتوافق الحكومة اليونانية على وجود مشكلة في ما يتعلق بالمهاجرين، واقترحت عدداً من مشروعات القوانين لعلاجها. ووعد رئيس الحكومة من الحزب الاشتراكي جورج باباندريو الذي تم انتخابه في شهر اكتوبر الماضي، بمنح الجنسية لنحو 250 الفاً من أطفال المهاجرين، الذين إما وُلدوا في اليونان أو تعلموا فيها.

وأدى اقتراح باباندريو إلى إثارة جدل عنيف حول معنى أن يكون المرء يونانياً. وكانت الأحزاب اليمينية هي الأكثر رفضاً لتلك الخطة، مدعين أن الشعب اليوناني «سلالة مميزة» تنحدر مباشرة من الأسلاف القدماء في أثينا وإسبارطة، وتربطهم ثقافة واحدة وتضمهم الكنيسة الأرثوذكسية. ولكنّ ثمة انزعاجاً لدى لشعب اليوناني العادي من تزايد أعداد المهاجرين والتحدثات الناجمة عنهم في هذه البلدة التي يميزها ترابط أسري كبير.

ويشكل المهاجرون نحو 10٪ من سكان اليونان، وجاء السواد الأعظم منهم من دول البلقان المجاورة، وخصوصاًة ألبانيا. وشهدت اليونان ارتفاعاً في عدد المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا وآسيا. وعلى الرغم من أن معسكرات اعتقال اللاجئين لا تتسع لآلاف الأشخاص إلا أنه خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2009 دخل إلى اليونان أكثر من 95 ألف لاجئ غير شرعي.

وتدرك الحكومة عمق المشكلات الناجمة عن اللاجئين وبدأت مراجعة قوانينها المتعلقة باللجوء السياسي، حسبما قال وزير شؤون قضايا المهاجرين ميكاليس كريسوكويدس، ولكنه أضاف أن الدولة ستشدد الإجراءات على حدودها كما أنها ستنشئ مراكز اعتقال جديدة، وتبدأ في إبعاد الكثيرين عن أراضيها لتبعث رسالة مفادها أن اليونان لم تعد مفتوحة للجميع.

الأكثر مشاركة