انحسار اليسار الإسرائيلي مع ابتعاد الناخبين عن السلام
قبل 30 عاماً نظّم 400 ألف اسرائيلي مسيرة احتجاجية ضد تجاوزات الحرب الاسرائيلية على لبنان عام .1982 وفي احدى الليالي قبل ثمانية أعوام في رام الله في الضفة الغربية نظم ناشطو السلام الاسرائيليون اعتصاماً في منزل الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حيث راجت بعض المعلومات بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق أرئيل شارون سيرسل فرقة لاغتيال عرفات، وسعى المعتصمون لإفشال مخطط شارون، ولهذا قضوا الليل يتحدثون مع حرس عرفات، وفي نهاية الامر لم تأت فرقة الاغتيال، وفشلت خطة شارون وانجلت الازمة.
كان من بين الناشطين المعتصمين في تلك الليلة ادم كيلر، الذي سعى جاهداً خلال السنوات التالية للترويج للسلام من خلال جماعته «غوش شالوم»(كتلة السلام)، لكنه الآن أقل تفاؤلاً مما مضى. ويقول إن التيار الرئيس اليساري المعتدل قد انكسر.
ويضيف «هذه الايام لا تستطيع غوش شالوم أن تتحمل حتى تكاليف طباعة النشرات الصحافية التي كانت توزعها كل شهر»، ويبرر ذلك بقوله ان «الشعب الاسرائيلي قد تحول عن مفهوم السلام».
وإذا كان هناك من أمل بالنسبة لليبراليين فقد يكون ذلك في القدس الشرقية، ففي كل اسبوع وتحت اعين شرطة الشغب المسلحة بالبنادق الهجومية يقرع ناشطو السلام الطبول وينفخون الصافرات احتجاجاً على ما يقوم به المستوطنون اليهود من طرد للعائلات الفلسطينية من منازلها. ولا يزيد عدد ناشطي السلام المحتجين على 2000 شخص، في الوقت الذي كانت تتعامل فيه الشرطة الاسرائيلية مع ما يصل الى 400 ألف ناشط سلام قبل 30 عاما، وذلك مثل المسيرة التي نظمها اليسار احتجاجاً على المذابح التي تعرض لها الفلسطينيون في صبرا وشاتيلا خلال حرب لبنان. وفي عام 1995 خرج الآلاف إلى الشوارع تعبيرا عن حزنهم لاغتيال رئيس الوزراء في ذلك الوقت، اسحق رابين من قبل احد افراد الجناح اليميني خلال مناسبة جماهيرية، حيث يعتبر رابين الطرف الاسرائيلي الرئيس في اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها بلاده مع مصر.
أصاب الوهن الكثير من الاسرائيليين جراء المحادثات غير المثمرة والوعود الزائفة. ويقول الباحث في مؤسسة «نيو اميركا فاونديشن»، دانيال ليفي، «هناك لا مبالاة كاملة». ويضيف أن مساندة الحكومة الاسرائيلية لحل الدولتين لا تعني أنها ترغب في فعل أي شيء لانجاح هذا الامر.
نظم انصار «السلام الآن» تظاهرة في تل ابيب ضد حكومة ائتلاف الجناح اليميني التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب ايهود باراك، هذه التظاهرة كانت بغرض رفع الروح المعنوية المتدنية لدى ناشطي السلام.
وهتف الامين العام لحركة «السلام الان»، يرفي ابونهيمر، مخاطباً الحشد «هناك أشخاص خطرون يتعاطون سياسة خطرة تأخذنا الى طريق اللاعودة». وتقول أستاذة جامعية إن «الحكومة دمرت كل شيء».
الجهود الهزيلة التي تقوم بها الحكومة الاسرائيلية لاعادة إطلاق محادثات السلام مع الفلسطينيين وايقاف حركة البناء في مستوطنات الضفة الغربية اغضب الليبراليين وأصاب مؤيدي نتنياهو بخيبة امل، حيث إنه وبإعلانه عن تشييد مستوطنات جديدة في القدس الشرقية ابان زيارة نائب الرئيس الاميركي، جو بايدن لاسرائيل قد وضع العلاقات بين تل ابيب وواشنطن في ادنى مستوياتها، ولهذا السبب عانى حزبه معاناة شديدة في مراكز استطلاعات الرأي، لكنه احتفظ على الرغم من ذلك باسناده المركزي.
ويعتقد المحللون أن الناخب الاسرائيلي تحول نحو اليمين عقب موجات من المهاجرين اليهود الروس وبعد زيادة عدد السكان لدى المجتمعات الاسرائيلية المتشددة. واصبح حزب الجناح اليساري «ميريتس» الذي كان يعتبر من قبل ثالث اكبر حزب اسرائيلي «لا يملك في الكنيست اليوم سوى ثلاثة مقاعد من أصل 120 مقعدا». ينحي الكثيرون باللائمة في موت اليسار على باراك، ويعتقدون انه السبب الرئيس في ذلك، إذ إنه في البداية جلب حزب العمل الذي يمثل يسار الوسط الى السلطة عام ،1999 وكانت التوقعات آنذاك عالية لتحقيق السلام، إلا أن الدولة التي اقترحها على عرفات كانت اقل بكثير من توقعات الفلسطينيين، كما اعلن بان اسرائيل «ليس لها شريك للسلام»، وبعد اشهر من انتخاب باراك انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبعد أن واجه باراك الفشل تحول الكثيرون عن اليسار، ولم تفلح جهود باراك في استقطاب شعبية له وسط الليبراليين، حتى عندما شكل تحالفاً العام الماضي مع حكومة نتنياهو المحافظة. ويقول ليفي ان باراك «هو القاتل المتسلسل لمعسكرات السلام الاسرائيلية».