الكونغو الديمقراطية.. عاصمة الاغتـــصاب والعنف
إلى جانب استفحال القلق العالمي لتزايد اغتصاب النساء في العالم، فإن تحول هذا الامر إلى واقع يومي يفاقم مجمل الاوضاع الامنية والسياسية في الكونغو الديمقراطية ( زائير سابقا)، أصبح مشكلة خطرة تؤرق الامم المتحدة ومنظماتها وجماعات حقوق الانسان ومنظمات المرأة، بل الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية في المجال الاجتماعي.
آثار نفسيــة تواجه النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب شعوراً عميقاً ورهيباً بالعار يحاصرهن لفترة طويلة ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، بل يسارع ازواج بعضهن إلى اتهامهن بالتفريط في الشرف وطردهن من المنزل وحرمانهن من رؤية الابناء، كما يتطور عند كثير منهن الى صدمة نفسية، حيث يمتنع أكثر من نصفهن عن طلب العلاج قبل مرور سنة على تعرضهن لتلك المحنة. ويقول الباحثون إن ما يجري في الكونغو يثبت أن زيادة الاغتصاب خلال السنوات الماضية قد جعل هذه الجريمة تبدو أكثر قبولا كأمر واقع رسميا وشعبيا. وتقول المغنية والناشطة ميريام ماكيبا سفيرة منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) إن الناجيات من الاغتصاب في الكونغو يواجهن مأساة ثلاثية، جسدية نفسية واجتماعية، وان ما يتعرضن له يقوض جهود تحسين الظروف المعيشية فيها. ويقول نيكولاس كريستوف كاتب العمود في صحيفة «نيويورك تايمز» إنه يؤيد بقوة وصف شرق الكونغو بعاصمة الاغتصاب في العالم، وان المشكلة هناك مرشحة للتفاقم. من جهتها تقول اليزابيث روش مستشارة منظمة « كير» الانسانية إن الجميع يعرف ان الاغتصاب في الكونغو «أصبح حدثا روتينيا» يتكرر يوميا، وان الارقام التي يتم الكشف عنها تعكس عمق الأزمة وخطورتها، حتى اصبح من السهل القول أن تكون امرأة في الكونغو الديمقراطية «أكثر خطورة من ان تكون جندياً».
|
وتصف الموفدة الخاصة للامم المتحدة لمكافحة العنف ضد النساء والاطفال في النزاعات مارغوت والتسروم الكونغو الديمقراطية بـ«العاصمة العالمية للاغتصاب». وتحث مجلس الامن الدولي على التحرك الفعال لوضع حد لاعمال العنف ضد النساء.
تقول والتسروم «اذا كان تعرض النساء لأعمال العنف الجنسي مستمرا، فليس السبب ان القانون لا يستطيع حمايتهن، ولكن لانه لا يطبق في شكل كاف، والنساء لا حقوق لهن اذا ظل من يغتصبون حقوقهن يفلتون من العقاب، وهن في الكونغو لسن آمنات في منازلهن ووسط اسرهن حينما يحل الظلام».
ويتفق محللون يتابعون تطورات الصراع في الكونغو عن قرب على أن اغتصاب النساء اصبح سلاحا فتاكا في ايدي المتمردين والقوات الحكومية على حد سواء في جولات القتال، حيث يستغل كل طرف هذا السلاح أبشع استغلال كلما رجحت كفة الحرب لمصلحته.
ويقول هؤلاء ومعهم مراقبون ان ما «يزيد الطين بلّة»، أن مدنيين يستغلون حالة الفلتان الأمني والفوضى السياسية والخوف الدائم الذي تعيشه النساء في مناطق التوتر ويقومون بالمزيد من عمليات الاغتصاب.
أرقام مخيفة
وطبقاً للمفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحد، فإن الكونغو تشهد نحو 14 عملية اغتصاب يوميا ومنذ العام ،1996 تم رسميا احصاء 200 الف حالة اغتصاب جنسي. وسجلت اكثر من ثلث عمليات الاغتصاب في اقليمي شمال وجنوب كيفو في شرق الكونغو، حيث ادت اعمال العنف الى نزوح 1.4 مليون شخص بينهم 100 الف يقيمون في مخيمات تديرها مفوضية اللاجئين. كما سجلت أكثر من 4000 عملية اغتصاب في شرق الكونغو خلال العام الماضي، بينما لم تتم إدانة إلا عدد قليل من المعتدين وهم غالبا من الجنود الحكوميين أو عناصر الميليشيات.
كلينتون في عشّ الدبابير
في خطوة لتأكيد اهتمامها بما تتعرض له النساء في الكونغو الديمقراطية وتضامنها معهن، أصرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على زيارة هذا البلد الافريقي الذي تمزقه حرب اهلية ضروس في اغسطس الماضي، لتبعث من هناك رسالة الى ناشطي العالم في حقوق الانسان عموماً وحقوق المرأة وسلامتها خصوصاً، ضرورة مواصلة التحرك وعدم السماح بفتور الهمم في هذا المجال لحمل شعلة الأمل الذي تركته وراءها في إحدى أسوأ مناطق الاغتصاب في العالم.
وأعلنت كلينتون عن تخصيص 17 مليون دولار أميركي لتمويل الأطباء وتزويد الناجيات من الاغتصاب بالهواتف النقالة والكاميرات لتوثيق العنف وتدريب قوة خاصة من الشرطة النسائية لحماية النساء في شرق الكونغو، انطلاقا من أن للولايات المتحدة دوراً أكبر لتلعبه في عملية السلام والمصالحة من خلال توفير المساعدة الخارجية.
ويوجه مراقبون وكثير من الكونغوليين اتهامات صريحة لشركات المناجم والتعدين الأميركية بالعمل مع المجموعات المتمردة والتعاون معها وغض النظر عن الانتهاكات الخطرة لحقوق الانسان والتجاوزات التي ترتكبها تلك المجموعات.
تقول الكاتبة المسرحية والناشطة السياسية الاميركية إيف آنسلر في مقابلة هاتفية مع موقع «ومينز إي نيوز» «أشعر بأن رحلة هيلاري إلى الكونغو شكلت نقطة تحول وأعتقد أن قولها إن الاغتصاب كاستراتيجية وسلاح حرب، يشكل مسألة محورية، أمر رائع وهذا أمر تاريخي».
وتضيف أن« الاغتصاب يجري بصورة منتظمة وبشعة، وعادة ما تمارسه عصابات من المتمردين المصابين بمرض الايدز».
واستنادا إلى صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، فإن امرأة أبلغت كلينتون عن تعرضها للاغتصاب عندما كانت حاملاً في الشهر الثامن، فأجهضت بعد ذلك، وقالت إنه لم يكن هناك مستشفى مجاور، فأخرج الناس في قريتها الجنين باستخدام «شفرة».
وتعمل حركة متنامية للناشطين الأميركيين تتقدمها منظمة «في داي» المناهضة للعنف مع آنسلر ومجموعات زميلة في الكونغو وفي الولايات المتحدة لوضع حد للاغتصاب والعنف الجنسي الذي تعانيه النساء في شرق الكونغو. وأطلقت منظمة «في داي» ورشة بناء في شرق الكونغو لإقامة (مدينة الفرح) التي تضم مركز تنمية وقيادة ولجوء للنساء الناجيات من الاغتصاب والتعذيب. وحيث ستقدم مدينة الفرح للناجيات فرص الحصول على الدخل والتعليم والتدريب ومهارات القيادة. كما حملت منظمات حقوقية جشع الشركات العالمية واللامبالاة «البشعة» من قبل المجتمع الدولي، جانبا كبيرا من مسؤولية حرب الكونغو الديمقراطية، التي وقعت فيها نحو 300 ألف امرأة وطفلة ضحية للاغتصاب كأداة ترهيب للسيطرة على الأهالي والأراضي.
جرائم جماعية
تقول سارة أسيموي(13عاماً) والتي تعيش حاليا لاجئة في كمبالا بعيدا عن منزل عائلتها في مدينة بونيا، في شرق الكونغو انها تعالج حاليا من الاضرار النفسية بعد الصدمة التي هزتها اثر تعرضها للاغتصاب.
وتضيف « أسترجع الذكريات ثلاث مرات في اليوم، وهي تخيفني كثيراً». تشير إلى مضي سبع سنوات منذ أن عبرت الحدود الكونغولية إلى أوغندا، ولكن غالباً ما تجول ذكريات وفاة والدها في ذاكرتها عندما تعود إلى تلك الأيام المؤلمة.
وترقد أسيموي في مستشفى بوتابيكا الذي يحظى بدعم من البنك الدولي ووزارة الصحة الأوغندية، وكانت أسيموي في سن السادسة عندما اعتدى المتمردون الكونغوليون على حي تقطن فيه عائلتها في بونيا وأحرقوا المنازل هناك. وعندما دخلوا إلى منزلها رأتهم يقتلون والدها وشقيقها بالمنجل ويغتصبون والدتها قبل أن يتابعوا ذبح جيرانها، وحملتها والدتها جاكلين كابونيسا على ظهرها وفرت بها إلى أوغندا الجارة من الشرق. وتروي أخرى واسمها نغير اغانغا (24 عاما) أن مجموعة من الجنود اقتحمت منزلها وقتلت شقيقها الاصغر وزوجته وابنهما، فسارعت الى الفرار حافية لتصطدم بمجموعة ثانية من الجنود الذين أحاطوا بها وجردوها من ملابسها بعد ان طلبوا منها كل ما لديها من مال، لكنها تمكنت من الفرار منهم لتقابل المجموعة الثالثة حيث تعرضت للاغتصاب الجماعي والضرب المبرح. وتقول انهم لم يكونوا في حالة سكر أو غياب عن الوعي، ولكنهم كانوا في حالة رثة وعائدين من المعارك.
خيبة أمل
تشير مجموعة المناصرة في واشنطن «ريزولف أوغندا» إلى أنه أثناء حديثها عن الاعتداءات الجنسية من قبل مجموعات مسلحين متجولة في غرب الكونغو، لم تذكر كلينتون العنف الذي تسبب به المتمردون في تلك المنطقة، حيث قال المحلل السياسي البارز والمشارك في تأسيس المجموعة بول رومان «شعرنا بخيبة أمل من تجاهل هيلاري كلينتون العنف الجنسي الذي مارسه المتمردون في شمال شرق الكونغو.
وكلفت لجنة في منظمة «أوكسفام» الخيرية البريطانية «جماعة المبادرة الإنسانية» في جامعة هارفارد بإعداد تقرير عن جرائم اغتصاب النساء والعنف الجنسي في الكونغو، بينما يحتدم جدل بشأن وجود قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على أراضي الكونغو ومدى فاعليتها.
وبين التقرير أن 60٪ من ضحايا الاغتصاب تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل رجال مسلحين، وأن أكثر من نصف الاعتداءات وقعت في منازل الضحايا، وأن هناك أدلة على وجود زيادة كبيرة في عدد حالات الاغتصاب التي قام بها مدنيون.
وتقول منظمة «اوكسفام»: نظراً لانعدام الأمن في الكونغو الديمقراطية، فلابد من بقاء قوات حفظ السلام الدولية هناك، ولكن حينما تشن تلك القوات هجماتها على المتمردين تصبح النساء أكثر عرضة للخطر. كما تطالب المنظمة الدول الأكثر ثراء في العالم بزيادة الخدمات الطبية المتوافرة لضحايا العنف الجنسي في الكونغو.