أكفان وصافرات إنذار في احتجاجات ساكني الأرصفة بمصر

تتصاعد ظاهرة الاعتصامات وافتراش أرصفة الشارع من قبل أصحاب شكايات ومظالم قبالة البرلمان وبالقرب من مقر مجلس الوزراء في مصر بشكل مكثف، وأصبح الدخول الى مجلس الشعب للمرة الأولى في تاريخه أمراً صعباً، حيث تعيقه الكتل البشرية الغاضبة التي كثيراً ما تمنع تحرك السيارات الفارهة للنواب وتجعل الشارع كأنه احد أسواق حي العتبة الشهير في وسط القاهرة.

 2009 شهد 478 احتجاجاً

 

كشفت دراسة لمؤسسة «أولاد الأرض» أن العام 2009 شهد 478 احتجاجاً عمالياً من ضمنها 184 اعتصاماً و123 إضراباً، فضلاً عن 79 مظاهرة و27 تجمهراً، إضافة إلى 65 وقفة احتجاجية. وأوضحت الدراسة أن الاعتصامات شكلت 38٪، من الاحتجاج، تليها الإضرابات 26٪، ثم التظاهر 17٪، والوقفات الاحتجاجية 14٪ والتجمهر 6٪. وبلغت احتجاجات موظفي الحكومة 47٪ من إجمالى الاحتجاجات عام ،2009 يليها 37٪ من عمال القطاع الخاص، و16٪ من عمال قطاع الأعمال العام، حيث نظم عمال القطاع الخاص أكثر من 175 احتجاجاً منها 70 اعتصاماً و43 إضراباً، فى حين تقدر احتجاجات موظفي الحكومة بنحو 226 احتجاجا، منها 76 اعتصاماً و46 إضراباً، أما عمال قطاع الأعمال فنظموا 77 احتجاجاً، منها 37 اعتصاماً و24 إضراباً.

كما أوضحت أن عمال القطاع الخاص يعانون من تعمد رجال الأعمال وأصحاب الشركات عدم تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بعودة العمال المفصولين، أو صرف العلاوات المتأخرة، كما يعاني عمال الحكومةمن ظاهرة العمالة المؤقتة، حيث يوجد أكثر من 500 ألف متعاقد يتم التلاعب بهم عند تجديد عقودهم، وحرمانهم من كل الضمانات والحقوق العمالية، وظهرت هذه المشكلات من خلال احتجاجات الاختصاصيين الاجتماعيين فى محافظة 6 أكتوبر وموظفي جامعة المنيا.

 

بلادي بلادي.. مش ملاقي قوت ولادي

 

قام أربعة عمال بلبس كفن الموت وافترشوا الطرق وصلى عليهم زملاؤهم بالتعاون مع عمال المعدات التليفونية، وتقبل عمال النوبارية واجب العزاء من زملائهم، وقام العمال بدفن جثة مصنوعة من الورق داخل ممر تحت الأرض، وقاموا بإلقاء الشهادة وتلاوة القرآن، وقاموا بترديد نشيد نظموه تقول كلماته «بلادي بلادي بلادي مش ملاقي قوت ولادي.. مصر ابنك على الرصيف مش معاه حق الرغيف.. وعد منا يا نظيف على الرصيف هيكون جهادي.. مصر منا الفرار موتوا فينا الحياة.. مصر منهم ألف آه، حق ابنك ضاع وتاه، والإله فوق الأعادي».

وفي حين تلقى هتافات العمال المعتصمين تعاطفاً شعبياً، ويرصد محللون بإيجابية تطور اشكال الاحتجاجات السلمية واتخاذها اشكالاً اكثر حضارية وسلمية وابتعاداً عن العنف، يحذر متابعون من أنها ليست النهاية، وقد تولد تداعيات أخرى.

والتقت «الإمارات اليوم » بالمعتصمين امام مجلس الشعب، ورصدت بعضاً من شعاراتهم التي يهتفونها وخلفيات احتجاجاتهم، إذ يقول مسعد طه الذي كان يرتدي جوالاً «انهم صنعوه هنا أمام المجلس من الاقمشة والبلاستيك، وانه يعمل بشركة النوبارية للهندسة، وهو يعتصم هنا لأنه لم يتقاض راتبه منذ 26 شهراً، وأسرته المكونة من ستة افراد تعيش على اعانات أهل الخير»، وأضاف «أرتدي هذا الجوال ليس بسبب الاحتجاج فقط ولكن ايضا لأننا لم نعد نملك غيره».

وأوضح سيد حامد موظف إداري بشركة النوبارية وأحد المعتصمين، إن «مطالب عمال شركة النوبارية للهندسة ليست مستحيلة، ونحن نطلب من الحكومة فقط إعادة تشغيل الشركة، وصرف مستحقاتنا المتأخرة»، وأضاف «قدمنا بلاغا للنائب العام ضد وزير الزراعة والمستثمر مالك الشركة لعدم صرف الرواتب منذ 26 شهراً، ولم يتحرك احد، واعتصامنا مستمر ومفتوح أمام مجلس الشعب، حتى تتم الاستجابة لمطالبنا».

وقال حسن حمدي أحد عمال شركة تحسين الاراضى الزراعية، انه منذ 15 عاما بعقد مؤقت بوزارة الزراعة، ولم يتم تثبيته على درجة مالية حتى الآن.

وقال المهندس محمود مصطفى بشركة المعدات التليفونية إن «بعض أعضاء مجلس الشعب تضامنوا معهم، وإن النائب مصطفى بكري توصل لاتفاق مع مسؤولين، لكنهم تراجعوا عنه، ونحن نستخدم صافرات الانذار والضرب على الدفوف كي يسمعنا المسؤولون، وهي فكرة جاءتنا بعدما شاهدنا سيارات رئيس البرلمان والوزراء تسبقها صافرات الشرطه، هم ينبهون الناس لإفساح الطريق، ونحن ننبههم لقضيتنا».

وقطع عمال شركة النوبارية لاستصلاح الاراضي طريق شارع مجلس الشعب، أمس، وذلك بسبب تجاهل المسؤولين مطالبهم، حيث دخلوا اليوم الـ53 في اعتصامهم أمام المجلس.

واعتبر العضو المستقل بالبرلمان المصري علاء عبدالمنعم إن «تطوير المعتصمين أشكال احتجاجهم امام المجلس وسيلة حضارية ستجبر النواب على تبني مشكلاتهم والمسؤولين على حلها». وأضاف «المشهد من أكفان موتى وصافرات انذار وضرب على الدفوف وتصفيق وهتافات صارخة أجبر حتى نواب الحزب الحاكم على الاستماع الى شكاو ى عمال الشركات».

وقال «هناك إصرار من الحكومة على ان يدهس قطار الخصخصة العمال وأسرهم، يقابله اصرار أعظم وتحد من العمال على انتزاع حقوقهم»، واعتبر عبدالمنعم أن تحول العمال من الاعتصام في مقار الشركات الى الاعتصام أمام البرلمان سيجبر الحكومة على التراجع عن غطرستها خصوصاً أننا مقبلون على موسم انتخابي للبرلمان بشقيه هذا العام، اضافة الى الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل».

وقالت وزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي «أهم اسباب الظاهرة تحريض بعض الأحزاب والجماعات المحظورة والإثارة التي تقوم بها بعض الصحف والقنوات الفضائية، إضافة الى تسلل عناصر غريبة عن المعتصمين واستغلال قضاياهم والتلاعب بمشاعرهم، وتحريضهم على مواصلة الاعتصام»، وأقرت عبدالهادي بـ«وجود أسباب أخرى منها تدني الأجور في معظم قطاعات الإنتاج، وعدم توفير الرعاية الصحية والاجتماعية الملائمة للعاملين في القطاعات المختلفة، وتهميش اللجان النقابية، وتعنت بعض اصحاب العمل، وعدم تنفيذ مطالب المعتصمين».

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي علي الدين القصبي، ان الظاهرة تبشر بحركة الشارع المصري واعادة الدماء الى عروق الاحزاب السياسية المصرية التي تجمدت بفعل انفصالها عن الشارع خلال السنوات الاخيرة.

وقال «امتدت الظاهرة من المدن الى الريف، ومن الشمال الى الجنوب، كما انها شملت الفئات الاجتماعية الدنيا مثل ما حدث مع اهالي الدويقة الذين حطمت الصخور منازلهم فاعتصموا بنقابة الصحافيين المصرية، وامتدت الى الفئات العليا أيضا كما حدث مع اعتصام القضاة العام الماضي اثناء الدعوة للاعتصام والمبيت في الشارع في حب مصر».

واعتبر علي الدين ان اعتصامات الشوارع اعادت صهر المجتمع المصري بفئاته المختلفة حول مبادئ حقوقية عامة ومعرفة موسعة وتعاضد بين طبقاته، نتيجة مشاركة اعلاميين وسياسيين ومثقفين لهذه الفئات الدنيا».

وأضاف أن «ملامح مصر أخرى ناهضة ومؤمنة بحقوقها في مواجهة السلطة تبدو في التشكيل الآن من شوارع المدن والقرى المصرية، ومن شجاعة الشعارات التي يرفعها هؤلاء، وتطالب بإسقاط الفاسدين بأسمائهم دون خوف بل وفي وجه اجهزة الامن التي تحيط بهم، معتبراً ان الشخصية المصرية في طريقها للعودة الى نضالات لفلاحين والصنايعية والعمال وابناء الطبقة الوسطى في عصور الاحتلال».

الأكثر مشاركة