المقاومة السلمية في غزة.. خطـــــوات متعثرة بين الرفض والتشجيع
بالقرب من الحزام الأمني «مرابطون شوكة في حلق المحتلين»، «اشتعلي اشتعلي يا نيران حتى ينهار الجدار»، «بدنا حرية بدنا نعيش»، شعارات يرفعها شبان وناشطون فلسطينون بمشاركة متضامنين أجانب رفضاً للحزام الأمني الذي تفرضه إسرائيل على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة.
غزة، نعلين، بلعين والمعصرة، جميعها اعلنت المقاومة السلمية في وجه الاحتلال الذي سلب الأرض بالقوة. لكن المقاومة السلمية في غزة تتميز عن مثيلاتها في الضفة الغربية، فبينما تأخذ مسيرات بعلين ونعلين والمعصرة حيزاً اعلامياً بحكم المواجهة مع الاحتلال تحظى مسيرات غزة باهتمام اقل لأنها بعيدة عن نقاط التماس مع الاحتلال.
يعتبر عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين طلال ابوظريفة، أن المسيرات السلمية هي شكل من اشكال النضال الوطني الرافضة للاحتلال الاسرائيلي، بدأت في قطاع غزة عندما أراد الاحتلال اقامة مناطق امنية عازلة على خط التحديد على طول الشريط الحدودي اعتقاداً منه ان فرض مناطق أمنية قد توفر له الامن، مشدداً على أن ما دفع القوى الوطنية الى تنظيم المسيرات السلمية هو أن هذه المنطقة العازلة هي شكل من اشكال مصادرة اراضي المزارعين ومحاربتهم في قوت يومهم. يقول أبوظريفة «أردنا ان تكون المسيرات السلمية في غزة وجهة مكملة للمقاومة الرافضة للاستيطان ومصادرة الاراضي والتهويد وبناء الجدار في الضفة الغربية»، ويبين أن تأخر انطلاقها في غزة جاء نتيجة الواقع النضالي المختلف عن الضفة الغربية.
ويحمل أبوظريفة الفصائل الفلسطينية المسؤولية في تأخر المقاومة السلمية بغزة «من خلال تجريد الجماهير من النضال الشعبي وتراجع حدة المقاومة مع الاحتلال على اساس ان المفاوضات قد تثمر، الأمر الذي دفع القوى الوطنية الى اعادة الاعتبار لحركة الجماهير الشعبية لتكون مكملة لأشكال المقاومة الأخرى».
وعن حجم المشاركة الجماهيرة يبين أبوظريفة أن سقوط الشهيد أحمد ديب في حي الشجاعية وهو أول شهداء المسيرات السلمية بغزة «اعطى دافعاً لضرورة استمرار المسيرات السلمية»، ويشدد على أن «الاحتلال لو لم يشعر بحجم تأثير هذه المسيرات السلمية في الرأي العام العالمي لما تعامل معها بشكل عنيف».
بدايات
وانطلقت في القطاع في بداية العام الجاري «الحملة الشعبية لمقاومة الحزام الأمني» المشكلة من هيئة العمل الوطني، حيث قامت على مدار الخمسة أشهر الماضية بتنظيم مسيرات سلمية في جميع محافظات غزة، سقط خلالها شهيد واحد وأصيب العشرات، فيما استشهد اكثر من 20 فلسطينياً خلال اقترابهم من المنطقة العازلة، بينهم مزارعون وصيادو طيور ومقاومون. ويؤكد الباحث في الشؤون الاسرائيلية ناجي البطة، أن الاحتلال ينظر الى هذه المسيرات «بعين الريبة والشك» خصوصاً مشاركة الأجانب فيها، الذين يسهمون في كشف وفضح ما ترتكبه اسرائيل في انتهاكاتها لحقوق الانسان والاعراف الدولية خصوصاً في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي.
ويقول إن جدار الفصل الذي يبتلع نصف الضفة الغربية ويزيد معاناة السكان الفلسطينيين خصوصاً الحدود الغربية في خطوط التماس مع قرى عام الـ48 فرض تنظيم المسيرات السلمية الاحتجاجية في الضفة، في حين أن قطاع غزة لجأ الى المسيرات السلمية بعد أن اعلن الجيش الاسرائيلي بعض المناطق الزراعية المأهولة بالسكان مناطق امنية عازلة، الأمر الذي يعني- بحسب البطة- فرض اجندة جديدة تقوم على حرمان السكان من اراضيهم، بالإضافة الى تأكيد أن الاحتلال الاسرائيلي «يفعل ما يشاء بطريقة تضمن له أمنه».
وعن الوسائل التي يستخدمها الجيش الاسرائيلي في قمع المسيرات السلمية، يؤكد البطة «أن ما لا يخضع لوزير الحرب الاسرائيلي مثل قطاع غزة يعتبر مناطق عدائية وأنها تشكل خطراً على حياة جنوده، بعكس التظاهرات في الضفة التي تقع تحت سيطرته، التي تشكل خطراً أقل على جنوده ويتم التعامل معها بدرجة اقل من قطاع غزة».
اختلاف ثقافة المقاومة
بين الضفة وغزة اختلفت قناعات وثقافة المقاومة لدى المواطنين، فبينما من يعتقد أنها شكل من أشكال النضال الوطني كما المقاومة المسلحة اعتقد البعض الآخر بحتمية المقاومة المسلحة التي أصبحت أكثر قوة وأكثر فاعلية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.
يقول المحلل السياسي وسام عفيفة، إن جميع أشكال المقاومة بصورها كافة مشروعة لكل الفصائل، ويبين أن التطورات التي طرأت على المقاومة أثرت في نوعية وأشكال المقاومة وبيئة المقاومة وجعلها تختلف ما بين غزة والضفة.
ويشير عفيفة إلى أنه بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع توافقت اجنحة المقاومة على «تهدئة غير معلنة» يحاول بعض الأطراف استغلال الوقت للاستفادة من بعض اشكال المقاومة بوسائل مشروعة ومهمة. ويرى عفيفة أن عدم قدرة المسيرات في الوصول الى نقاط تماس مع الجيش الاسرائيلي يفقدها قيمتها، لأن المواطن الفلسطيني اعتاد أن يعبر عن غضبه بعد الانتهاء من فعاليات المسيرة عند الالتحام مع الجيش الاسرائيلي في منطقة معينة وهذا ما يفتقده القطاع على عكس الضفة.
ويوضح أن المقاومة المسلحة في غزة طغت على السلمية لأن بيئة المقاومة وقناعات المواطن تختلف، وأن حجم الاهتمام والتغطية بالمسيرات أصبح مختلفاً بين الضفة وغزة، فبينما تأخذ مسيرات بعلين ونعلين والمعصرة حيزاً اعلامياً بحكم المواجهة مع الاحتلال تحظى مسيرات غزة باهتمام اقل لأنها بعيدة عن نقاط التماس مع الاحتلال، لافتاً الى أن الشباب في غزة أصبح لديه الجرأة والشجاعة، وأصبح منخرطاً في اجنحة المقاومة، واعتاد أن يستخدم «الكلاشن» والـ«أر بي جي»، وأصبح يؤمن بدرجات مقاومة عالية، الأمر الذي يفسر المشاركة القليلة في المسيرات السلمية.