أطفال نيجيريا.. معذبون بتهمة السحر
الآثار الموجودة في ظهر الصبي الصغير، غودوين أوكون ليست سوى شهادة دامغة على تعرضه للتعذيب، حيث كانت الجروح تغطي ظهره، بعضها ناتج عن الضرب وبعضها الآخر عن الحروق بولاعة سجائر، وهناك علامات مشابهة تغطي جبهة هذا الفتى الخجول ابن السابعة.
حالات تعذيب تقول ماري سودناد (10 سنوات) «مات أخي الأصغر، وأخبر راعي الكنيسة والدتي بأنني ساحرة تسببت في موته، فجاء ثلاثة رجال لا أعرفهم إلى منزلنا، وغادرت والدتي المنزل تاركة الرجال هناك، فأوسعوني ضرباً، وكان والدي مستلقياً على بطنه على ارض الكوخ، وبعد أن ضربوني اقتادوني للكنيسة». وتضيف أنها ذهبت في اليوم التالي مع والدتها إلى الغابة، حيث جمعت معها بعض الفواكه البرية السامة والتي ادخلتها عنوة في فمها. وقالت والدتها في لهجة حادة اذا لم يقتلها ذلك فليس من سبيل سوى استخدام السلك الشائك، اخيراً صبت والدتها ماءً مغلياً وصودا حارقة فوق رأسها وجسدها، وذهب بها والدها وهي تصرخ ليقذفها في احد الحقول. ناويكا (16 عاماً)، ويبدو ان الجرح الناجم عن المسامير المغروسة في رأسها على وشك ان يندمل. ايتيبو ابن الثمانية تعرض ايضاً لغرس المسامير في رأسه، ومن الصعب معرفة الاثر الذي تركته تلك المسامير في الرأس. أودو، يبلغ الآن 12 عاماً ضربته والدته وتركته لمصيره وكاد ان يفقد ذراعه عندما رآه القرويون يبحث عن الطعام بجانب الطريق فطاردوه بالسيوف. ماغروس ذات السابعة، حفرت والدتها حفرة في الغابة وحاولت دفنها حية. مايكل وجده احد المزارعين عندما كان ينظف جدولاً. اخبرت ريتا والدتها بأنها حلمت بحفل جميل حيث هناك الكثير من الطعام والشراب، والاعتقاد السائد أن الساحرة تطير بعيداً لتأكل الجثث ليلاً، بينما يظل جسدها النائم في مكانه، ولهذا كان حلم ريتا برهاناً قوياً على ذلك، ولهذا السبب هجرتها والدتها. |
ويسود الاعتقاد في ولاية أكوا أيبون بجنوب نيجيريا بأن الأطفال يمكنهم التحول إلى سحرة، ويستطيعون اتخاذ اشكالاً على هيئة طير او حشرات لامتصاص دماء ضحاياهم أو التسبب في أذى لهم، وأنهم يتمتعون بالقوة الشريرة لتدمير البشر لاسيما عائلاتهم وجيرانهم.
ويعتقد البعض أن غودوين، من قرية ايكيت ما هو إلا ساحر شرير، ضمن مئات الاطفال المتهمين بهذه الجريرة في هذه المنطقة الفقيرة بجنوب نيجيريا. ويقول مسؤول منظمة حقوقية تعنى بالطفل (تعرف اختصارا بكرارن ومدعومة من قبل بريطانيا)، سام أكبي أتوما «نحن نعيش في منطقة يسودها الفقر والجهل، حيث يعتقد الناس دائماً في السحر والشعوذة، لكن حتى وقت قريب لم يتجه المشعوذون نحو اتهام الأطفال».
ويروي ما حدث لهذا الطفل، مشيراً إلى أن عم غودوين حبسه هو وجدته في غرفة مع جسد والدته المحنط بعد أن اتهمهما باستخدام قوى السحر لقتلها. واستطاعت الجدة الهرب من الغرفة ولم يعلم أحد عنها شيئاً منذ ذلك الحين.
وتم توجيه الاتهام لغودوين من قبل مشعوذ محلي، وكعقوبة له فقد أمره المشعوذ بأن يأكل من جسد أمه الميت، حيث الاعتقاد السائد بأن «الشيطان» إذا أكل من لحم فريسته فإنه يموت في الحال. ورفض غودوين أوامر عمه وأبى أن يدخل إلى الغرفة المسجى فيها جثمان والدته، إلا أن عمه أجبره على الدخول وأمسك برأسه بقوة ليضعه على جسد والدته، ولما رفض ذلك جلده وحرقه بالنار.
وكان من المفترض أن يتعرض الطفل للموت، لكنه بقي على قيد الحياة بفضل بعض المارة الذين كانوا يقدمون له الخبز والماء من خلال شق في جدار الغرفة، كما أبلغ بعض القرويون الشرطة التي أتت وكسرت قفل الغرفة لتحرر غودوين وتعهد به إلى «كرارن»، حيث بدأ يتعافى تدريجياً ضمن أكثر من 200 طفل قاسوا التجربة نفسها.
وتعاني هذه الولاية من مستويات عالية من الفقر والجهل، وظلت دائماً مسرحاً لشعائر السحر والفودو، وفي الماضي كان البالغون فقط هم من تشير إليهم أصابع الاتهام بسحر الآخرين.
استفحال الظاهرة
منذ 10 سنوات بدأ رعاة دينيون جدد يفدون إلى المنطقة، حيث توجهت أنظارهم إلى الأطفال وبدؤوا يتهمونهم بأنهم «أطفال سحرة» يتسببوا في اصابة بعض المرضى بالسحر، ومن ثم يتعهد هؤلاء الرعاة بإخراج السحر من أجساد المرضى، حيث يتم اقتياد الكثير من هؤلاء الأطفال المتهمين الى الكنيسة وحبسهم هناك لستة اشهر لتخليصهم من «الساحر الموجود داخلهم».
واستقبلت «كرارن» من ضمن ما استقبلت من الاطفال في الماضي طفلة تم إدخال المسامير في رأسها، وطفلاً في السادسة من عمره تم إنقاذه من الغرق. وتتمثل قصة هذا الأخير في أن عمه كان يعاني ورماً في ساقه، فاعتقد بأن الطفل ساحر وأنه السبب في ذلك، فما كان منه إلا أن أخذه على دراجته وألقاه في النهر.
ويعتبر الاعتقاد في «الأطفال السحرة» ظاهرة جديدة في نيجيريا، على الرغم من أن السحر من الناحية العامة ظاهرة قديمة في هذا البلد الافريقي، ويسود الاعتقاد ان الطفل هو المسؤول عن جميع أنواع البلاء الذي يحل بالعائلة، الذي قد يكون موتاً أو مرضاً أو خسارة مالية. ويتعرض الاطفال في المنزل للاتهام بالسحر من قبل الوالدين أو افراد العائلة، وفي الكنائس من قبل الرعاة الجهلة، وفي الاضرحة من قبل من يمارسون الطب التقليدي المرتبط بالسحر. ويتم طردهم او بيعهم لتجار الاطفال، الذين يؤجرونهم في ما بعد كخدم منازل في أجزاء أخرى من البلاد أو يجبرونهم على العمل في البغاء.
ويلاقي هذا الاتهام أرضاً خصبة، حيث إن وباء مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) قد عصف بهذا الجزء من افريقيا ونتيجة لذلك ازداد عدد الاطفال الذين بقوا من دون أحد الوالدين أو كليهما.
10 آلاف طفل ضحايا
ومن الناحية التقليدية فإن الاسرة الكبيرة تبادر الى رعاية هؤلاء الايتام، لكن مع ازدياد معدلات السكان وتفاقم حالات الفقر فإن الاعمام أو الاخوال يجدون مبرراً سريعاً في عدم احتضانهم لهؤلاء الايتام هرباً من «إضافة فم آخر للأفواه الكثيرة التي يطعمونها».
في بعض الأحيان يتم ربط الطفل رأسا على عقب ويتعرض للجلد إلى أن يعترف بجريمة لم يرتكبها. وبعد أن تعرض أكثر من 500 شخص للقتل من خلال مطاردة السحرة في السنوات القليلة الماضية تدخلت الحكومة لإنقاذ هؤلاء الضحايا.
يقول أكبي أتوما «ضاعفت الحكومة مدة العقوبة لمرتكبي هذه الأنشطة، بيد ان الكثير يهرب بعيداً عن أعين الحكومة ليمارس نشاطه في القرى النائية، واذا لم تتخذ الشرطة الحذر خلال حملات المداهمة فقد تتسبب في الكثير من الكوارث، فهناك حالات يتم فيها اخذ الاطفال بعيداً ليتم القضاء عليهم ويوارون الثرى هناك».
واتهام الاطفال بالسحر ليس الخطر الوحيد الذي يتعرضون له في المنطقة، فهناك أيضاً تجار الاطفال والمستعدون دائماً لأخذ الطفل (الساحر) غير المرغوب فيه من ايدي الأقارب الغاضبين، ويقدر عدد الاطفال المهددين بهذا الخطر بـ 10 آلاف طفل في المنطقة، وأن بعض أجساد الاطفال التي تم اكتشافها في العاصمة البريطانية لندن بعد مراسيم «سحر الفودو» تعود اصولها لهذه المنطقة.
ويؤكد أكبي أتوما أن «المحظوظين هم من يصلون الى المركز حيث يتلقون العناية والارشاد اللازمين ويمكن لم شملهم مع اسرهم في بعض الأحيان». ويقول إن اكبر تحدٍ يواجه منظمته هو مراقبة ما يحدث بعد عودة الاطفال الى ذويهم «لأنه لا توجد لدينا الامكانات لذلك».
من ضمن هؤلاء الاطفال فيكتوريا البالغة من العمر سبعة اعوام التي تحمل آثار تعذيبها على جبينها. وجاءت الى المركز بعد أن روى الجيران أن والدها (ضابط شرطة) كان يضربها باستمرار لأنه كان يعتقد بأن «قواها السحرية» وراء وفاة زوجته.
جرائم قتل
ادعى القسيس صنداي يولوب-ايا، لفريق فيلم وثائقي انه قتل 110 أطفال يعتقد أنهم «سحرة». وبعد أن اعتقلته الشرطة ادعى بأن هناك التباساً وأنه لم يقتلهم بالفعل وإنما قتل «السحرة بداخلهم». وعندما داهمت الشرطة منزله وجدت طفلين في الداخل ولم تجد أي دليل على مقتل أي طفل آخر، ولكنها وجهت اليه الاتهام بالقتل لاعترافه السابق. ويسود الاعتقاد بأن المشعوذ يصير مشهوراً ويكسب مالاً اكثر كلما قتل عدداً اكبر من «السحرة».
لهذا السبب أقرت حكومة ولاية أكوا أيبون قانون حقوق الطفل في ديسمبر ،2008 ويقول حاكم الولاية، غود ويل اكبابيو، إن هذا القانون قد تمت اجازته من أجل حماية الطفل. لكنه يضيف أن الحكومة وحدها لا تستطيع اجتثاث ظاهرة معقدة مثل هذه، ولهذا فإنها تحتاج الى مساعدة جميع مواطني الولاية لجلب ومحاكمة المتهمين.