الإمارات كفلت دائماً حرية وصول المعلومة إلى كل من يعيش على أراضيها
أميركا تُبيح لنفسها انتهاك سيـادة الدول بذريعة 11 سبتمبر
اهتمام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بقضية «بلاك بيري»، فاجأ العالم بشكل عام، ومجتمع الإمارات على وجه الخصوص، وأثار تصريحها كثيراً من الأقاويل والشائعات حول السبب الحقيقي لاهتمام المسؤولين الأميركيين بقضية جدلية تخص تجميع بيانات ومعلومات وتصديرها خارج الدولة، وذهب بعض الشائعات حدّ اتهام الجانب الأميركي بأنه مستاء لأنه سيفقد القدرة على التنصت على البيانات والمعلومات التي تخرج من الدول المستخدمة لهذا الجهاز.
وزارة الخارجية الأميركية عادة ما تتحف العالم بتصريحاتها وبياناتها، ولديها سلسلة مواضيع معتادة تخصص لها مؤتمراتها الصحافية. وهي تشبه بذلك، وإن كان بدرجة مغايرة، ما تفعله الشركات التي تتحدث عن مسؤوليتها المجتمعية، وتعتبرها نبراساً للدفاع عن قضايا أخلاقية عليا، مضفيةً بذلك صورةً إيجابية على سياسات أميركا والأزمات التي تشارك فيها أو تتسبب فيها حول العالم.
الموضوعات التي تحب الخارجية الأميركية التطرق إليها باستمرار، وتصدر تقارير دورية عنها، موزعة أوسمة النجاح والفشل على دول العالم، تشمل مكافحة الإرهاب، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وقضايا اقتصادية، والأمن الغذائي والتغير المناخي، والألغام والمخدرات والقرصنة، وقضايا المرأة، وجرائم الحرب والشباب. وعلى غرار هذا التنويع تأتي الأجوبة المكتوبة لكل من وزيرة الخارجية، والناطقين باسم الوزارة ليقرأوها كل يوم، وليقدموا صورة زاهية عن اهتمام الولايات المتحدة بقضايا العالم.
في بداية موضوع «بلاك بيري»، تطوع الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي للحديث عن قرار دولة الإمارات تعليق خدمات «بلاك بيري» في 11 أكتوبر المقبل. لكن التصريحات التي صدرت عنه كانت ضعيفة وباهتة وكأنه يتحدث لمجرد الحديث عن القضايا التقليدية من دون أن يعي ما يتناوله، لكن اعتذار السفير الأميركي في الإمارات ما لبث أن محا الانطباع السيئ الذي تركته التعليقات غير المفهومة للناطق في واشنطن، التي فشلت في أن تبدو بمظهر التعليق السياسي الرزين بسبب ضحالتها.
وقبل يومين عاودت الوزيرة هيلاري كلينتون الكرّة، لتتحدث عن «بلاك بيري» وتؤكد أن هناك «حقاً مشروعاً لحرية الاستخدام وحرية الوصول الى الخدمة». تصريحها بدا بدوره مرتبكاً وخارج السياق، وكأن الولايات المتحدة ليس لديها فعلاً من ينصح موظفي وزارة الخارجية أو وزيرتها، ليجعلهم يُدلون بتصريحاتهم بطريقة أكثر احترافاً. فالإمارات أعلنت أنها ستواصل تقديم الخدمات الخاصة بالماسنجر والبريد والتصفح الإلكترونيين التي ستعلق تقديمها فقط عبر «بلاك بيري»، وليس عبر أجهزة الهاتف الذكية الأخرى التي تلتزم بالقوانين والتشريعات الوطنية الخاصة بالاتصالات فيها.
كلينتون التي تحدثت أيضاً عن إجراء محادثات فنية مع دولة الإمارات حول قرارها، أعطت الانطباع بأنها لم تقرأ الشروح التي نقلها إليها السفير الأميركي في أبوظبي، والتي لابد أنها تشير إلى صدور تعليمات إلى كل من شركتي «اتصالات» و«دو» لضمان استمرار الخدمة قبل 11 أكتوبر وبعده. وبالتالي فإن حرية الاستخدام وحرية الوصول الى الخدمة التي تحدثت عنها كلينتون لم تُمسّا لا من قريب ولا من بعيد.
الصحيح هو أن الوزيرة كلينتون مهتمة بأمر آخر لأنها أرادت، وعلى قاعدة إغاثة الملهوف، أن تقدم خدمة للمسؤولين الكنديين.
فوزير التجارة الدولية الكندي، بيتر فان لون، الذي ينتمي إلى وزارة الخارجية، أنقذ الموقف وأسكت الخبثاء الذين أشاعوا أن الأميركيين مستاؤون لأنهم يتجسّسون على معلومات «بلاك بيري»، إذ أوضح أن حكومة بلاده ستقف إلى جانب شركة «رم» الموردة لأجهزة «بلاك بيري». وقال في بيان تزامن مع تصريح كلينتون: «إن المسؤولين في كندا يتواصلون مع وزارة الخارجية الأميركية، وسفارة الإمارات في واشنطن».
وبين تصريح وزير هنا وتصريح وزيرة هناك تتدحرج كرة الثلج، وتتضح معالم معركة تتعلق بسلامة بيانات المستخدمين، ولا يمكن أن تُحل عبر إغماض الأعين وتناسي خطورة المعلومات على الناس، أو التذرع بحرص شركة أو شركات على مصالح رعايا الدول الأخرى. هذه المعركة تخوضها أيضاً المفوضية الأوروبية ووزارتا الداخلية والخارجية الألمانية التي أعلنت في الأيام الأخيرة منع موظفيها من استخدام أجهزة «بلاك بيري» باعتبار أن المعلومات ستذهب إلى بريطانيا وكندا، إذ بوسع هذين البلدين الاطلاع عليها، وكذلك الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة ازدهرت تجارة المعلومات بعد 11 سبتمبر. هناك الآن 1271 مؤسسة حكومية تعمل في الأمن، وهي تغذي أنشطة 1931 شركة مزدهرة في مجال الأمن وتنتشر عبر 10 آلاف موقع في الولايات المتحدة. هذه المؤسسات والشركات قاربت على الانتهاء من بناء 33 مجمعاً مكتبياً تقارب مساحتها الهائلة 22 ضعف مساحة مبنى الكابيتول، وذلك لتخزين المعلومات وتأمين أماكن عمل لمئات آلاف العملاء والخبراء الذين يتخصصون بمراقبة البيانات والمعلومات.
هل تستطيع كلينتون أن تقنع كل دول العالم أن استبدال أجهزة أكثر ملاءمة هو أمر يعيق حرية الإستخدام؟ ولماذا لا توفر الوزيرة كلينتون وقتها ووقت الجميع وتجري محادثات فنية مع السلطات الكندية في تورنتو المجاورة، حيث تختزن على أراضيها معلومات تعادل آلاف المكتبات العامة كل سنة، والعائدة لعشرات ملايين المستخدمين حول العالم، لتمنع استمرار إجراء يجعل معلومات الشعوب ملكاً لشركات أجنبية؟
وزيرة الخارجية الأميركية يجب أن تتذكر أن رئيسها باراك أوباما قد انتُزع منه جهاز «بلاك بيري» ولم يُعد إليه، إلا بعد أن نصبت فيه برامج إلكترونية خاصة لحماية اتصالات الرئيس ومنع اختراقها، بينما تخضع الرسائل الإلكترونية التي تصل الى جهاز «بلاك بيري» الخاص بأوباما للمراقبة والتدقيق لمدة 50 دقيقة من قبل الخبراء الأمنيين قبل تسلّم الرئيس لها، والغرض من كل ذلك هو حماية معلومات أقوى رجل في العالم.
هل تكون كلينتون بحاجة الى محادثات فنية مع أوباما أيضاً؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news