كارثة مائية تتهدّد سكان غزة
يواجه سكان قطاع غزة كارثة بيئية ومائية خطرة بفعل أزمة تلوث ونقص المياه، إذ إن 90٪ من مياه غزة ملوثة وغير صالحة للشرب وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، فيما يحرم معظم السكان من توافر هذه المياه غير الصالحة في منازلهم، بفعل أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فتصلهم المياه مرة واحدة كل أربعة أيام.
أزمة المياه هذه التي تعصف بسكان القطاع سببها الحصار الذي لم يرفع بشكل كامل، إذ منع الاحتلال من دخول المعدات وقطاع الغيار ومضخات معالجة مياه الصرف الصحي، بينما تسببت حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي في توقف عدد من الجهات المانحة عن تزويد قطاع المياه بالدعم الكافي لمواجهة أزمة المياه.
وقال مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة مهندس منذر شبلاق لـ«الإمارات اليوم»، إن «أزمة المياه في غزة أزمة تراكمية عمرها عشرات السنين، ولكن في هذه الفترة زادت بشكل كبير، حتى وصلت إلى مرحلة صعبة، إذ لم يعد في المقدور، تكرار ما تم إنجازه خلال السنوات الأخيرة الماضية».
وأضاف « في عام 2008 كان من المتوقع أن تمر غزة بكارثة مائية وبيئية كبيرة، ولكن ما قمنا به من مشروعات طارئة حدّ من حدوث هذه الكارثة، واليوم بفعل الحصار والانقسام وتوقف عمل المؤسسات المانحة عادت هذه الكارثة من جديد». وتابع شبلاق قوله «كان هناك التزام من المؤسسات المانحة قبل الانتخابات الفلسطينية الأخيرة بمبلغ وصل إلى ما يقارب 1.6 مليار دولار لدعم هذا القطاع وإنشاء محطات تحلية وشبكات صرف صحي».
وحذر شبلاق من عدم وجود أي مياه صالحة للشرب وللاستخدام الآدمي في غزة خلال عام ،2015 إن لم يتم البدء الجاد في مجموعة من المشروعات في قطاع المياه، على رأسها محطة تحلية البحر، والخط القطري الناقل، إضافة إلى العمل بشكل جاد على ترتيب وضع الصرف الصحي في غزة.
مياه ملوثة
أزمة تلوث ونقص المياه في غزة تعود إلى أسباب عديدة، بحسب شبلاق، فغزة يوجد بها مصدر مائي وحيد هو خزان المياه الجوفية، وتجديد هذا الخزان يأتي عبر مياه الأمطار التي تتناقص في غزة كل عام بسبب الجفاف، فقبل عامين كانت كمية تساقط الأمطار 400 مليمتر في العام، أما في العام الماضي فبلغت ما يقارب 250 مليمتراً. وأشار إلى أن مجمل ما يتم ضخه من الخزان الجوفي هو 180 مليون متر مكعب، مقابل أن مياه الأمطار تزود الخزان فقط بـ60 إلى 80 مليون متر مكعب، أي أن هناك عجزاً سنوياً ما يقارب 100 مليون متر مكعب. وأوضح شبلاق أن نقص وجود المياه في الخزان الجوفي أدى إلى زحف مياه البحر إليه، فقد امتد هذا الزحف إلى عمق كيلومترين في اليابسة، وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الملوحة في المياه وعلى رأسها مادة الكلورايد، فالموصى به عالمياً أن الكلورايد يجب ألا يزيد على 250 مليغراماً في اللتر، في حين أن نسبته في مياه غزة حالياً تفوق 1000 مليغرام في اللتر. كما أن وجود النترات بشكل كبير في مياه غزة أدى إلى تلوثها، فالموصى به عالميا هو ألا تزيد نسبة النترات في المياه على 50 مليغراماً في اللتر، في حين نسبة النترات حالياً تفوق 100 مليغرام في اللتر وهو الأخطر على صحة الإنسان. وبين مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، أن سبب وجود ملوث النترات هو عدم وجود نظام صرف صحي متكامل في غزة، وعدم وجود شبكات تغطي جميع سكان غزة، إضافة إلى عدم وجود محطات صرف صحي قادرة على استقبال ومعالجة هذه المياه بطريقة لائقة يمكن من خلالها توقف تلوث المياه الجوفية. وما يزيد الطين بلة، بحسب شبلاق، أنه يتم التخلص من المياه العادمة في القطاع بطريقة واحدة، إذ يتم ضخها في مياه البحر، فأصبح شاطئ بحر غزة في معظم المناطق ملوثاً، وهذا يعرض الإنسان للأمراض والأوبئة.
بدائل خطرة
وفي ظل معاناة الناس من وصول المياه، حتى لو كانت غير صالحة للشرب، إليهم بفعل انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي، يلجأون إلى شراء المياه من محطات التحلية الخاصة، إلا أن هذه المياه لا تسد احتياجاتهم الكاملة، إضافة إلى أنها تعاني أيضاً من التلوث. وعن ذلك قال مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل «صحيح أن شراء المياه من القطاع الخاص يؤدي إلى حد ما دوراً إيجابياً لتزويد الناس على الأقل باحتياجات الشرب والطهو، ولكن لا يمكن له أن يسد بشكل كامل احتياجات الناس في الاستعمالات المنزلية، كما أن الشرائح الأكثر فقراً لا تقدر على شرائها». وأضاف أن «85٪ من مياه القطاع الخاص وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية غير صالحة وملوثة بملوثات عدة، كما أن نسبة محدودة من القطاع الخاص مرخصون لبيع المياه، ولكن أكبر نسبة من هذه الفئة غير مرخص». وبين شبلاق أن القطاع الخاص يحصل على ترخيص البيع من سلطة المياه الفلسطينية ويتم مراقبتها من وزارة الصحة، ولكن ظهور كم هائل من الباعة الخواص حد من إمكانية رقابة الجهات الحكومية الرقابة على أدائهم.
مواليد أقل وزناً
من جهة أخرى، قال المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) في غزة عدنان أبوحسنة، «تم تدمير الإنسان بشكل ممنهج بسبب تلوث المياه، وهناك انهيار خطر للصحة، فقد بدأت أزمة تلوث المياه تؤثر في الوضع الصحي، فنلاحظ في عيادات الأونروا أن الأطفال يولدون أقل وزناً وأقصر بفعل المياه الملوثة التي يشربها المواطن».
ولفت إلى أن قضية أزمة المياه ستثار في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة وكل الجهات المعنية، حتى يتم إيجاد حلول لهذه الأزمة التي تهدد صحة الإنسان.