أوباما وضع اللبنة الأولى في تغيير لهجة واشنطن
خروج القوات الأميركية من العراق بداية النهاية لغزواتها الخارجية
في الوقت الذي غادرت جميع القوات الاميركية المقاتلة في العراق، نستطيع أن نؤكد أمرا واحدا هو أن الرئيس الاميركي باراك اوباما لن يكرر الخطأ نفسه الذي وقع فيه الرئيس السابق جورج بوش قبل سبعة اعوام، والمتمثل في اعلانه أن المهمة قد انتهت في العراق. وكثيرا ما اعتبر اوباما ان هذه الحرب «حرباً غبية»، وأثبتت الاحداث صدق قوله الى حد كبير.
قد يقول البعض إن اميركا وحلفاءها استطاعوا اقصاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن سدة الحكم، الا ان الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق قد أثبت أنه ليس سوى «خرافة» كلفت عددا من ارواح الجنود الاميركيين وكثيرا جدا من ارواح العراقيين.
وعلى الرغم من ان الاميركيين استطاعوا ايقاف سيلان نهر دماء الطوائف المتناحرة الا ان ديمقراطية البلاد الوليدة اصبحت غير مستقرة على الاطلاق، وربما لهذا السبب سيتخلف 50 ألف جندي اميركي في العراق لدعم الديمقراطية.
ربما كان من اكبر الاخطاء التي ارتكبتها أميركا هي مغامرتها غير الموفقة في العراق بعد ان هاجمها زعيم تنظيم القاعدة، اسامة بن لادن في 11 سبتمبر ،2001 ما جعل ستة اميركيين من كل 10 يعارضون حتى حرب اوباما «الجيدة» التي تؤججها أميركا ضد «القاعدة» و«طالبان» في افغانستان. وفقد الأميركيون الذين وهن اقتصادهم وتراكمت الديون على بلادهم ووصلت معدلات البطالة لديهم ما يقرب من 10٪ الثقة بمقدرتهم على تشكيل الاحداث في أقاليم بعيدة مثل وسط آسيا والشرق الاوسط.
وحتى في زمن التقشف هذا فلاتزال اميركا تفوق الدول الاخرى في الانفاق العسكري، إذ تصل موازنتها العسكرية السنوية الى 700 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا مجموع كل موازنات دول الارض العسكرية. وأثبت العقد الماضي حدود تكنولوجيا القوة العسكرية، ففي الوقت الذي استطاعت أميركا من خلال القوة التكنولوجية اخضاع العراق وافغانستان في لمح البصر ومن دون خسائر تذكر، صارت السيطرة على هاتين الدولتين مستحيلة. فمن ضمن مليوني عسكري أميركي خدموا في الحربين في العقد الماضي أصيب 40 الفاً منهم فقط بجراح وفقد 5000 منهم أرواحهم.
ويحمد بعض الاميركيين لأوباما انه قاوم إغراء المزاج الشعبي في استعراض القوة العسكرية لبلاده في الخارج ليركز اهتمامه بدلاً من ذلك على بناء الامة من الداخل. ويبدو ان اوباما لديه شعور ذكي مقارنة بالرئيس بوش في ما يتعلق بحدود القدرات الاميركية، وأشار خلال مخاطبته الجنود في منطقة ويست بوينت في ديسمبر الماضي الى السلوك الحذر للرئيس السابق دوايت ايزنهاور وأخبر الجنود الاميركيين بأنه يرفض وضع اهداف سياسة خارجية تتجاوز الوسائل الاميركية، وبهذا يكون قد وضع اللبنة الاولى في تغيير لهجة أميركا «ولغة جسدها»، حيث وصل الى العالم الاسلامي في زيارته الشهيرة للعاصمة المصرية القاهرة، ومد يده لإيران، وانحنى للصينيين.
ويتهمه الجمهوريون بأنه يعتذر نيابة عن اميركا للعالم الخارجي، وان الصينيين تعاملوا معه ببرود في قمة المناخ في كوبنهاغن، وان الايرانيين رفضوا يده الممدودة اليهم، وان جل النية الطيبة التي كسبها من خلال خطابه في القاهرة الموجه لعموم المسلمين تبخرت في السنة التالية خلال الجدل الدائر حول مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
وفسر الجمهوريون لهجته المتصالحة بأنها ضعف، الا انه صادف نجاحا كبيرا يتمثل في استقطابه روسيا الى جانب اميركا لتشديد العقوبات على إيران، نجد أيضاً ان افعاله أقوى من كلماته، فمن خلال حديثه للجنود في ويست بوينت اعلن أنه سيرسل تعزيزات الى افغانستان على الرغم من عدم تراجع التأييد الشعبي للحرب هناك، كما ان حساسية علاقات أميركا مع الصين لم تمنعه من بيع اسلحة الى تايوان او الاجتماع مع الزعيم التبتي المعارض للصين الدالاي لاما. وتعمل اميركا أكثر من أي وقت مضى لإصلاح علاقاتها في جنوب شرق آسيا على الرغم من معارضة الصين. وعلى الرغم من ان أوباما تلاسن مع الاسرائيليين بخصوص التسوية في الشرق الاوسط بين الاسرائيليين والفلسطينيين على الرغم من تراجعه، لكنه أيضاً بدأ محاولاته لتسوية هذا الصراع في وقت مبكر اكثر من رؤساء أميركيين سابقين، اذ افتتح هذا الشهر جولة جديدة من المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لدى اوباما بالطبع اخفاقاته الا انه لم يهمل مصالح اميركا الخارجية، فهو لم يشارك المحافظين الجدد حلمهم بأن اميركا لديها القدرة على إخافة اعدائها وأن جميع العالم سيتبنى القيم الاميركية، ولكنه عمل جاداً لاستقطاب مساعدة المؤسسات الدولية والدول الاخرى، لكنه يعتقد ايضا ان هناك بعض المهام ذات الطابع العسكري الاقتصادي والدبلوماسي التي لا تستطيع اميركا أن تنجزها وحدها، ويشمل ذلك على اقل تقدير قيادة المهام لمطاردة «القاعدة»، ومنع الحرب بين إسرائيل وجيرانها، ومنع ايران من الحصول على قنبلة نووية وإشعال التسابق من اجل التسلح في الشرق الاوسط.
ونجد ان هذه القائمة المتخصرة من المهام الخارجية كبيرة على دولة ضربتها أسوأ موجة كساد في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، فالكثير من الاميركيين يفضلون الانسحاب من العراق الذي يعتبر بداية النهاية لتورط بلادهم في الحروب الإقليمية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news