الاستفتاء عزز فرص أردوغان في تولي رئاسة الوزارة لفترة ثالثة. أ.ب

الاستفتاء على إصلاحات دستورية يكشف عن 3 أوجه لتركيا

أسفر استفتاء أجري على إصلاح الدستور في تركيا عن فوز واضح لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، لكنه أبرز الانقسامات الفكرية والجغرافية العميقة داخل البلاد.

وتشير النتائج غير الرسمية الى أن 58٪ من الناخبين وافقوا على الاصلاحات مقابل رفض 42٪، وان نسبة الاقبال بلغت 77٪.

وأعلن أردوغان أن النتيجة انتصار للديمقراطية وابتعاد عن ماضي الانقلابات العسكرية. ويتهم العلمانيون حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي اليه أردوغان بالسعي الى تقويض المبادئ العلمانية المؤسسة لتركيا.

لكن محللين يقولون إن النتيجة ستوسع من الفجوة بين ذوي التوجهات الدينية والعلمانيين في ما يتعلق بهوية تركيا.

وتظهر خرائط انتخابية تركزاً للعلمانيين المعارضين للاصلاحات على ساحلي بحر ايجة والبحر المتوسط وهيمنة المحافظين المتدينين المؤيدين للاصلاحات في منطقة الاناضول التي تمتد حتى الحدود الشرقية لتركيا.

وبالنسبة لأفراد الأقلية الكردية الذين يشكون منذ زمن طويل من التمييز من جانب الدولة التزموا في ما يبدو بمطالب من ساستهم بمقاطعة الاستفتاء في الجنوب الشرقي الذي تسكنه أغلبية كردية، إذ بلغت نسبة الاقبال 35٪.

يقول الكاتب الصحافي في صحيفة اكسام اليومية أوراي اجين: «تركيا مقسمة بشكل غير رسمي الى ثلاثة أجزاء».

ويضيف «جمهورية تركيا هي في واقع الامر مكونة من ثلاث مناطق، الجنوب الشرقي والاناضول الوسطى والمناطق الساحلية. سيجري بحث قضية اقامة اتحاد فيدرالي والانفصال بدرجة أكبر».

ومنذ أن أسس كمال أتاتورك الدولة العلمانية الحديثة عام 1923 كانت النخبة من الغربيين في اسطنبول وأنقرة هم الذين يحكمون البلاد في العادة.

وكان يجري إقصاء سكان الاناضول اقتصادياً وسياسياً، في حين أن الهوية القومية للدولة منعت الاكراد من التعبير عن هويتهم.

وبدأ ذلك في التغير بقدوم حزب العدالة والتنمية في 2002 الذي حصل على الجزء الاكبر من التأييد من الطبقة المتوسطة المتصاعدة من الملتزمين دينياً من منطقة الاناضول.

ومنذ ذلك الحين زادت ثروات المتدينين وارتفعت مكانتهم، في حين أن الجيش التركي الذي نصّب نفسه حامي حمى القيم العلمانية لتركيا وجد أن نفوذه يتقلص نتيجة الاصلاحات التي تجرى بهدف الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وأصبحت رموز التدين مثل ارتداء الحجاب، كما هي الحال مع زوجة أردوغان، شائعة أكثر من 20 عاماً ماضية، لأن الملتزمين دينياً أصبحوا أكثر ثقة بشأن هويتهم وأصبحوا يشغلون مناصب أكثر أهمية وتأثيراً.

كما أن الاكراد، الذين كانت تنظر لهم المؤسسة العلمانية القومية باعتبارهم خطراً انفصالياً، أصبحوا يطالبون بحقوقهم بدرجة أكبر خلال عهد أردوغان الذي لم يعد يشغله كثيراً القلق من الهوية الكردية وعزز من حقوقهم الثقافية والسياسية.

ويمثل تعديل القضاء جوهر الاصلاحات الدستورية التي تمت الموافقة عليها يوم الاحد الماضي، والذي ينظر له العلمانيون باعتباره خط الدفاع الاخير في مواجهة القوة المتزايدة لحزب العدالة والتنمية.

ويخشى معارضو الحزب من أن الحزب بعد أن تعزز موقفه يمكنه الان الكشف عن الاهداف الاسلامية الخفية، وربما يسعى الى اصدار تشريع يعرض نمط الحياة العلماني للخطر. ويشير البعض الى قصص تتناقلها الافواه مثل حظر احتساء الخمور في بعض البلدات التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، وتزايد الضغوط الاجتماعية للصيام خلال شهر رمضان كدليل على تسرب المظاهر الاسلامية للمجتمع. وينفي ساسة حزب العدالة والتنمية ذلك ويقولون إن هذا الكلام يهدف الى اشاعة الخوف في نفوس الناس.

ويقول مدير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية الخارجية ومقره اسطنبول، سينان أولجن: «نشهد تزايداً في الاستقطاب في تركيا ازاء قضايا نمط الحياة والقيم ويظهر ذلك طبقاً للتقسيم الجغرافي».

ويضيف «ربما تشعر الحكومة أن لديها تفويضاً للمضي في قيمها ونمط الحياة الخاص بها. انه اتجاه مثير للقلق بالنسبة لمن يظلون أقلية لانهم يشعرون بضغوط الاغلبية في ما يتعلق بزيادة النزعة المحافظة».

ومنعت المحكمة الدستورية في الماضي محاولات من حزب العدالة والتنمية لرفع حظر على ارتداء الحجاب في الجامعات. ويقول محللون إن الحزب ربما يحاول ذلك مرة أخرى.

وينفي حزب العدالة والتنمية اتهامات معارضيه بأن لديه أهدافاً اسلامية خفية، ويصف نفسه بأنه الحزب المسلم المقابل للاحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، إذ ان مواقفه ليبرالية في قضايا الاقتصاد ومحافظة في القضايا الاجتماعية.

وصوّر أردوغان، الذي عزز من فرص الحصول على ثالث فترة على التوالي بالفوز الذي حققه في الاستفتاء، الاصلاحات على أنها محاولة لتعزيز الصورة الديمقراطية لتركيا ومساعدتها في ما يتعلق بترشيحها للعضوية في الاتحاد الاوروبي.

لكن حتى اذا اتضح أن خوف العلمانيين من أهدافهم الخفية لم يكن مبنياً على أساس، فإن تنامي أثر الاسلام أصبح واقعاً بالفعل. وفي هذا يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيلجي باسطنبول، سولي أوزيل: «لم يكن الاستفتاء على الطبيعة العلمانية للجمهورية بل على التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يحدث في تركيا ودمج الفئات التي كانت مهمشة سابقاً في هياكل السلطة».

الأكثر مشاركة