ضمّ الحرم الإبراهيمي اختبار إسـرائيلي لتهويد «الأقصى»
بسبب تصاعد موجات اليمين المتطرف في العالم، تحول بناء ووجود المساجد والمآذن في مواقع مختلفة إلى مجال لمعارك واسعة بين جماعات مسلمة ومتعاطفين معها من قوى ديمقراطية ومستنيرة من جهة، وجماعات متعصبة من جهة أخرى.
وعلى عكس ما استهدف خصوم الحرية، تمكن المعسكر الأول ليس فقط من الانتصار لحقه في الاعتقاد والعبادة، بل قرن ذلك بتقديم صورة مشرقة للإسلام تنتصر له ضد محاولات تقديمه بصورة سلبية.
فبعد ان احتلت اسرائيل الضفة الغربية عام 1967 رفعت علمها فوق الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل. وتعرض المسجد على مدار سنوات الاحتلال لمحاولات تهويده. ففي مايو 1968 امر الحاكم العسكري بفتح الحرم ليلاً امام المستوطنين وجرى هدم الدرج والباب الشرقي والبئر وكلها منشآت اثرية.
وفي سبتمبر من العام نفسه اقيمت اول صلاة يهودية فيه، وفي عام 1972 تم تخصيص اجنحة فيه لليهود وحظرت على المسلمين، وفي عام 1991 تم انشاء مدرسة يهودية في احدى جوانبه. لم يتغير شيء على الحرم الابراهيمي الشريف، الذي تحول الى قلعة أمنية اسرائيلية منذ 16 عاماً، بعدما ارتكب اليهودي المتطرف، باروخ غولدشتاين مجزرته الشهيرة في 25 فبراير ،1994 فقتل 29 مصلياً أثناء صلاة الفجر، قبل ان تقتطع السلطات الاسرائيلية جزءاً منه للمصلين اليهود. ولايزال هذا المسجد رمزاً للصراع الديني.
ويقع الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية ويبعد عن القدس المحتلة 50 كيلومتراً، ويعتبر الحرم بالنسبة للمسلمين رابع المساجد المقدسة بعد الحرم المكي والمسجد النبوي في الحجاز والمسجد الاقصى في فلسطين.
ويحيط بالحرم الابراهيمي عدد من المستوطنات، وسمي بالابراهيمي نسبة الى النبي ابراهيم الذي يعتقد ان جثمانه مسجى داخل هذا الحرم.
ويرى المسلمون ان ابراهيم هو أبوالانبياء. وهناك معتقدات دينية اخرى تقول إن عدداً من الانبياء الاخرين مدفونون داخل الحرم الابراهيمي.
ويوجد في هذا الحرم عدد من القباب الخضراء التي تعلو قبور اولياء صالحين، وتشرف عليه وزارة الاوقاف الاسلامية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وحذر نائب رئيس الحركة الاسلامية في اسرائيل، الشيخ كمال الخطيب، من ان ضم الحرم الابراهيمي ما هو إلا بروفة لمعرفة ردة فعل مسلمي العالم في حالة اقدام اليهود على تهويد المسجد الاقصى المبارك. وتقول نبوءات اليهود ان اقامة الهيكل اليهودي مكان «الاقصى» سيكون في 16 مارس عام .2012
تهويد
ومنذ أعلنت اسرائيل ضم هذا المسجد ومسجد بلال الذي يطلقون عليه اسم «قبة راحيل» في بيت لحم إلى قائمة التراث اليهودي، اندلعت المواجهات بين الفلسطينيين وقوات الامن الاسرائيلية.
ونجم عن ذلك الاعلان توتر العلاقة بين السلطة واسرائيل.
وحذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من انحدار الوضع الى حرب دينية.
من جهتها، وصفت عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي الخطوة بانها تأتي في سياق التعدي العنصري المباشر لإزالة الهوية الوطنية الفلسطينية وطمس معالم وتزوير تاريخ فلسطين وشعبها، وهو ما يعني في حكم القانون الدولي جريمة ضد الانسانية واغتيالاً ثقافياً لتراث شعب بأكمله. ويقول الاسرائيليون إن الحرم الابراهيمي وقبة راحيل «مدافن قديمة لآباء وامهات الشعب اليهودي»، ما يبرر حفظهما و ترميمهما.
واما الفلسطينيون فيقولون ان الحرم هو احد اهم الرموز الدينية، وفيه دفن سيدنا ابراهيم وزوجته وعدد من ابنائه قبل نحو 4000 عام، كما ان المدينة سميت بالخليل على اسمه.
وبحسب الروايات التاريخية، ففي الفترة ما بين عامي 37 وأربعة قبل الميلاد بني سور بطول 80 ذراعاً وعرض 40 حول مقابر الانبياء، ثم جاءت الملكة هيلانة سنة 324 ميلادية وامرت بسقفه فهدمه الفرس ليعيد الرومان بناءه وتحويله الى كنيسة.
وفي عام 15 للهجرة حوله المسلمون الى مسجد حظي باهتمام كبير طيلة العهدين الاموي والعباسي، واصبح رابع أهم المساجد الاسلامية.
وظل كذلك حتى سيطرة الصليبيين الذين حولوه الى كاتدرائية لمدة 90 عاماً قبل ان يحرره صلاح الدين الايوبي عام ،1188 ويعين عائلات من الخليل لسدنته.
وفي رمضان عام 1994 وقعت المجزرة المرعبة في الحرم على يد المتطرف غولدشتاين، واعلنت اسرائيل ان المجرم مجنون وفاقد لملكاته العقلية، ورفض الفلسطينيون هذا التبرير، واستنكر العديد من اعضاء الكنيست العرب تلك المجزرة المهولة. ولم تتوقف الامور عند هذا الحد بل قام جنود الجيش الاسرائيلي بقتل عدد من اهل الخليل اثناء قيامهم بدفن شهدائهم، للانتقام لغولدشتاين بعد ان قتل اثناء تنفيذه المجزرة على يد المصلين.
وفاقم ذلك من سوء الوضع في الخليل وتزايد الصراع على المسجد. واستغلت اسرائيل هذا الوضع وعمدت الى شطر المسجد الى شطرين أحدهما للمسلمين واخر لليهود،وحولته الى قلعة حصينة لحمايتهم.
قمع إسرائيلي
ويتجنب معظم الفلسطينيين الذهاب الى الصلاة في الحرم الابراهيمي بسبب الاجراءات الاسرائيلية المعقدة، اذ يتعين على الزائر ان يمر عبر البلدة القديمة التي تبقى طوال الاسبوع شبه خالية من الفلسطينيين بعدما كانت مركز الحركة التجارية قبل عام .2000
ويتعين على الزائر ان يعبر بوابة خارجية يحرسها الجيش الاسرائيلي بعدها يتعرض للتفتيش الالكتروني مرتين، وفي كل مرة يجب ان يخلع ساعته وحزامه ويتخلص من هاتفه الجوال، وكل ما من شأنه ان يثير جهاز كشف المعادن.
ويمر الجميع واحداً تلو الاخر في ممر ضيق الى بوابة حديدية دوارة، ومن ثم الى ممر اخر ضيق محاط بالاسلاك الشائكة حتى الوصول الى ساحة خارجية من اجل التدقيق في الهويات قبل ان يضطر الزائرون الى المرور ثانية عبر بوابات دوارة والكترونية موضوعة على بوابة المسجد الرئيسة.
ولكن اليهود غير مضطرين للخضوع لهذه الاجراءات عندما يريدون زيارة المسجد، إذ توجد بوابتان خاصتان بهم لايوجد عليهما اية اجراءات معيقة او مزعجة. ويصلي المسلمون في اجزاء خاصة بهم تقل مساحة عن تلك المخصصة لليهود. ويمكن القول إن المسجد اصبح مزاراً اكثر منه مكاناً للصلاة، ويزوره كبار السن والنساء والسياح والاجانب والصحافيين.