المشروع الصهيوني مازال بعيداً عن تحقيق أهدافه
إسرائيل بين «يهودية الدولة» أو الديمقراطية
يدور منذ فترة جدل واسع بين الاسرائيليين حول ما إذا كان يتعين عليهم الاختيار بين إسرائيل الديمقراطية وإسرائيل اليهودية، واكتسب هذا الجدل نشاطاً وحيوية بعد وصول حكومة بنيامين نتنياهو الى السلطة.
ويبدو أن حالة الشك التي يعيشها نتنياهو تجاه هوية إسرائيل هي التي تدفعه الى مطالبة الفلسطينيين أكثر من مرة بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وانها دولة لليهود فحسب. ويمكن للمرء أن يتفهم موقف نتنياهو وإلحاحه على ضرورة الحصول على اعتراف العرب بهذا الأمر باعتباره يضفي الشرعية عليها.
وحتى وقت قريب كان هذا الأمر غائبا تماما عن الدبلوماسية الاسرائيلية التي عملت على تضخيمه وجعلت منه امراً على جانب كبير من الأهمية.
وفي العام 2002 حينما أقر قادة الدول العربية مبادرة السلام العربية التي أيدها وقبلها العالم الاسلامي أيضاً، ظهر تهديد جديد هو أن السلام يقوض الطابع اليهودي لاسرائيل بوضعها الحالي مع وجود اكثر من مليون عربي يحملون الجنسية الاسرائيلية.
ويمكن القول ان هناك إجماعا اسرائيليا من أقصى اليمين الى اقصى اليسار ومن الصحافيين الى اساتذة الجامعات، ومن المثقفين المتنورين المنفتحين الى المحافظين المتدينين على تعريف اسرائيل بأنها دولة يهودية لليهود، لكن هذا التعريف يختلف بوضوح عن تعريف ايران جمهورية اسلامية او الولايات المتحدة دولة مسيحية.
ومعظم اليهود يعتقدون أن اليهودي او اليهودية «ليس وصفاً لدين واتباعه» فحسب بل هو «وصف وتعريف لشعب»، ولذا فإن اسرائيل ليست لكل مواطنيها وانما هي لكل اليهود في العالم على الرغم من أن معظمهم لا يحبذ العيش فيها.
حقاً إنه أمر غريب، فكيف يمكنك أن تلتقي وتنسجم مع الغير عبر الدين وثقافته، وليس من خلال تفاصيل ثقافة الحياة اليومية، ولكن هناك يهود علمانيون يتمتعون بانفتاح ثقافي مثل المخرج والممثل وودي ألن وفيليب روث، وآخرين يمثلون علامات مميزة في الادب والسينما والفن والمسرح.
وبالنسبة لي فإن التعريف الافضل هو أن تنتمي الى شعب يتيح لك من خلال تفاصيل ثقافته اليومية الفرصة لكي تتذكر اسم فريق لكرة القدم من بين تلك التي تخوض المنافسات المحلية للعبة. ولعل المشكلة تكمن في المشروع الصهيوني الذي أوجد شعباً جديداً هنا في اسرائيل لكن هذا المشروع مازال بعيدا عن تحقيق الاقتناع لدى الكثيرين الذين يعتبرون هذا الشعب لقيطاً، ويفضل أصحاب هذا المشروع التعلق بفكرة ان الشعب اليهودي عرق بشري مستقل له خصوصيته والتربح من هذه الفكرة الخيالية وتحقيق المكاسب منها. وينبغي علينا ان نتذكر أن التكافل والتضامن القوي بين المسيحيين الانجليكانيين وأتباع الطائفة البهائية لم يجعل من اي منهما أمة قائمة بذاتها. وكلنا يعرف ان رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، اليهودي رام ايمانويل، ينتمي الى الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة لوزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير.
ولكن اذا ما قررت الولايات المتحدة بين يوم وليلة ان تعرف هويتها بأنها بلد انجلوسكسوني، وإذا ما قررت فرنسا تعريف نفسها بأنها جمهورية بلاد الغال القوطية، فسوف يتعين على الرجلين المذكورين الهجرة الى إسرائيل، ولدي قناعة بأن كثيرين منا يتمنون ان يحدث ذلك فهو سبب اضافي لإصرارنا على ان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وليست إسرائيل الديمقراطية.
ولأن غير اليهود من الاسرائيليين لا يمكنهم الارتباط بدولة لهم فليس أمامهم متاح غير السلطة الفلسطينية أو حركة «حماس».
ومن يدري فقد يأتي يوم تصبح فيه منطقة الجليل ذات الاغلبية العربية «إقليم كوسوفو » في الشرق الاوسط.
شلومو ساند - أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news