تقوية نفوذ باكستان غطاء لتحويل الانسحاب إلى تسوية
واشنطن تسعى إلى حل يضمن لها الخروج بكرامة من أفغانستان
نشر الكاتب الأميركي بوب ودوارد كتاباً يتناول الجدل بشأن الاستراتيجية التي تتبعها ادارة الرئيس باراك أوباما في افغانستان. ويكشف الكتاب عن الجدل الكبير الذي حدث في الادارة بشأن الاسلوب الذي ينبغي اتباعه، وان الرئيس اتخذ استراتيجيات بديلة، وأنه جرى تقديم تنازلات. وعلى الرغم من أن معرفة تفاصيل هذه الامور مسألة مهمة إلا أن الامر المثير للدهشة هو احتمال عدم حدوثها من الأساس.
ومن المهم التفكير في الحتمية الدستورية لهذه الخلافات، فالجيش منخرط في الحرب، وهو ملتزم بتحقيق النصر في مسرح العمليات القتالية. ولذلك فإن الحرب تحتاج الى تجنيد جميع الموارد المتاحة للقيام بها.
وعلى الرغم من أن كبار جنرالات الجيش والمسؤولين المدنيين مسؤولون عن تزويد الرئيس بالنصيحة الواضحة تماماً المتعلقة بمسائل الجيش بما فيها الاستراتيجيات الكبيرة، الا أنهم مسؤولون في نهاية المطاف عن متابعة الاهداف العسكرية التي يوجههم إلي ها رئيس الاركان . ويجب ان يفكر الجنرالات في كيفية الانتصار في الحرب، في حين ان أوباما يجب ان يفكر في ما اذا كانت هذه الحرب تستحق عناء القتال.
وأوباما مسؤول عن موقف أميركا في العالم، وعليه ان يدرس تبعات الالتزام بالصراعات في مختلف انحاء العالم، حيث تكون القوة غير متوافرة كما ينبغي. وعلى الرئيس ان يتخذ مواقفه بصورة بعيدة عن العواطف أكثر مما يفعله جنرالاته. وعليه ان يحسب ما اذا كان النصر ممكناً وما قيمتة مقابل التكاليف. ونظراً الى طبيعة الحرب في افغانستان، فإن أوباما وقائد القوات الدولية والأميركية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس يجب ان ينظرا اليها بصورة مختلفة. وهو امر طبيعي لامفر منه.
وعند التفكير في حرب افغانستان علينا الاخذ في الاعتبار ان هناك جيشا محتلا، وهناك ميليشيا مقاومة وهي صاحبة الارض وليس لها اي مكان آخر سوى بلادها، اما المحتل فيمكنه العودة الى بلاده، وهذ نقطة ضعف المحتل.
وتتمثل استراتيجية الميليشيا في جعل انسحاب المحتل خيراً محبباً، عن طريق التضييق عليه في كل مكان. ولا تهتم الميليشيا باحتلال الأراضي بقدر حرصها على البقاء وضرب العدو ودفعه إلى الهرب والمراوغة وتكبيده أكبر الخسائر.
وتكون قوات الاحتلال عادة جيشاً نظامياً، وقوتها النارية أكبر بكثير من الميليشيا، وعندما تعرف مكان الميليشيا يوجه لها هجمات قوية قبل ان تتفرق. ولكن الميليشيا قادرة على التفرق بسرعة تفوق قدرة المحتل على ملاحقتها و اكتشافها.
تطور الهدف السياسي
كان هدف واشنطن في بداية الحرب تدمير تنظيم القاعدة في افغانستان بعد احداث 11 سبتمبر. ولكن الامر لم يتحقق، بل بالعكس انتقلت «القاعدة» الى اماكن كثيرة في العالم على أيدي الجهاديين المسلمين، وحركة طالبان لاتزال موجودة وهي لا تهاجم الجيش الاميركي وانما تهاجم الاهداف الضعيفة عندما تتمكن من ذلك. وكذلك يفعل الجهاديون. وبعد انتقال «القاعدة» الى خارج افغانستان أصبح هدف الولايات المتحدة تشكيل دولة ديمقراطية ومحاربة الفساد في افعانستان. ولا يدري احد كيف سيتم ذلك خصوصاً ان كثيرين يعتقدون ان حكومة الرئيس الافغاني حامد كرزاي الحليفة للولايات المتحدة هي رأس الفساد في افغانستان.
ولابد من الاعتراف بأن الانسحاب من افغانستان ينطوي على تكاليف استراتيجية وسياسية، لأن توقف الحرب في افغانستان يمكن ان يؤدي الى تقويض العالم الاسلامي، حيث انها قدمت العديد من المساعدات لهذه الدول في وجه الاخطار التي احدقت بها. كما ان انسحاب اميركا سيجعلها تبدو كانها خسرت الحرب، الامر الذي سيقوي من شكيمة الحركات الراديكالية.
الحل
الحل الاميركي لهذا الوضع الذي يعتقد انه قيد التنفيذ هو «باكستنة» الحرب، ولا نقصد بذلك توسيع الحرب لتشمل باكستان، وانما توسيع باكستان لتشمل افغانستان. وقد توسعت ظاهرة «طالبان» الى باكستان بصورة تؤدي الى تعقيد الجهود الباكستانية لاستعادة نفوذها على افغانستان. وأدت الى خلق مشكلة امنية كبيرة لاسلام آباد زاد من وطئتها تدهور الوضع الاقتصادي في البلد وجاء الفيضان كي يضعف قدرة باكستان على ادارة افغانستان، وبعبارة اخرى فإن موافقة الولايات المتحدة على «باكستنة» الحرب جاءت في وقت لم تكن فيه باكستان في افضل أوضاعها.
وفي السابق كانت الولايات المتحدة تحاول فصل «طالبان» ونظام باكستان، ولكنها لم تفلح، حيث ظلت باكستان تراوغ وتحافظ على علاقة مع افغانستان. وكانت معارضة الولايات المتحدة هي اكبر عقبة تواجه باكستان في محالتها تقوية «طالبان» في افغانستان، وبالطبع فإن التوقف عن هذه المعارضة يفتح بابا مهما بالنسبة لاسلام آباد. واذا بدأت هذه الاتصالات والمفاوضات مع «طالبان» فإن باكستان مكان جيد لاستضافتها.
واصبحت علاقة باكستان بأفغانستان التي كان مرفوضة بالنسبة للولايات المتحدة سابقا، محبذة الآن لأنها تشكل قناة موثوقة للاتصال المفيد بـ«طالبان». ويشير المنطق إلى ان هذه القناة اصبحت فعالة الآن. وباكستان حليف لاميركا تحتاج إليه الولايات المتحدة لموازنة نمو النفوذ الصيني ولاحتواء الهند. وتحتاج باكستان إلى الولايات المتحدة للسبب ذاته. و«طالبان» تريد ان تحكم افغانستان. والولايات المتحدة ليس لها مصلحة قومية قوية في الطريقة التي ستحكم بها افغانستان طالما انها تتوقف عن دعم الجهاديين. ولكنها تحتاج إلى أن يكون انسحابها بطريقة تبدو كأنها عززت نفوذها لا أضعفته. وتستطيع باكستان ان تقدم هذا الغطاء من اجل تحويل الانسحاب الى تسوية تم التوصل اليها عبر المفاوضات.
وتملك باكستان كل الاسباب كي تلعب هذا الدور لأنها تحتاج إلى الولايات المتحدة على المدى البعيد كي توازنها مع الهند، كما انها تحتاج إلى أن تكون افغانستان مستقرة كي تضمن حدودها الغربية.
والولايات المتحدة لن تتمكن من هزيمة «طالبان»، ولذلك فإن الهدف الاساسي للحرب ليس له اي قيمة، كما ان الهدف الحالي صعب التحقيق. وحتى اذا تم تحقيق اي نوع من النصر فإنه لن يؤثر في نشاط الجهاديين، ولكن الهزيمة مضرة بمصالح الولايات المتحدة. وبناء عليه فإن واشنطن تريد انسحاباً لا يبدو هزيمة. ومثل هذا التغير لا يخلو من التعقيدات والصعوبات السياسية العميقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news