تخفيف الحصار الإسرائيلي دمّر صناعة غزة
لم يبق لدى حسن أبودان سوى بنطلون قصير واحد (شورت)، بعد توقف المشغل الذي تمتلكه أسرته في غزة، عن العمل منذ عام ،2007 الذي كان يمثل تجارة جيدة بالنسبة للأسرة.
وعندما تسلمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السلطة في غزة إثر انهيار حكومة الائتلاف مع حركة «فتح» التي لم تعمر طويلا، فرضت اسرائيل حصارا شاملا على غزة ردا على ذلك. وكان المشغل وقتها يمتلك نحو 100 ألف قطعة من هذا «الشورت»، والتي تعتبر سلعة رائجة في محال بيع الملابس في إسرائيل.
ونظرا إلى إغلاق معبر كارني (المنطار)، لم يعد بإمكان عائلة أبودان نقل منتجاتها من الملابس الى شركائها في اسرائيل، وبلغت خسائر العائلة نصف مليون شيكل من «الشورت» فقط. ويبيع أبودان بعض الملابس ومنها «الشورت» للسكان المحليين ولكن بخسائر كبيرة، ونظرا الى المجتمع المحافظ في غزة، فإن هذا النوع من الملابس غير مرغوب فيه هناك، ولذلك فإن المرأة التي تشتري «الشورت» ترتديه في المنزل فقط.
وقال أبودان «يكلفني صنع (الشورت) 30 شيقلا، وكنت أبيعه إلى الشركات الإسرائيلية بـ35 شيقلا، وأبيعه الآن لسكان غزة بـ10 شيقلات». وتعتبر قصة أبودان تشبيها للاقتصاد في غزة.
ولتفسير سبب كون أبودان أكثر «إحباطا» (و هي الكلمة التي قالها بالضبط) الآن مما كان عليه في بداية توقف العمل، لابد من العودة الى تاريخ قريب. ويعتبر ما جرى لـ«الشورت» في تجارة أبودان رمزا لما حدث لصناعة الملابس في أعقاب ،2007 بعد ان كانت اكبر قطاع صناعي في غزة، وكانت شركات صنع الملابس في غزة كتلك التي يمتلكها أبودان، والتي تسوق 90٪ من بضاعتها في الأسواق الإسرائيلية، تمثل المنتجين المثاليين بالنسبة لصناعة الملابس في تل ابيب، نظرا إلى مهارتهم ورخص بضاعتهم، الأمر الذي يمكن الإسرائيليين من منافسة صناعة الملابس في شرق اسيا، في ما يتعلق بالثمن والنوعية.
وإضافة إلى ذلك، فإن منتجات غزة تتميز بأفضلية، مقارنة بالصين مثلا، لقربها من سوق الاستهلاك، وبالتالي فإنها يمكن ان تتجاوب بسرعة مع تغير «الموضة»، ولكن بعد أن فرضت اسرائيل حصارها على القطاع توقف قطاع صنع الملابس تقريبا، ونفدت المواد الأولية التي كانت قد استوردتها، ولم يسمح لها ببيع البضاعة المصنعة.
وبعد ذلك، وفي مايو الماضي، شنت قوات البحرية الإسرائيلية هجوما مثيرا للجدل على قافلة مرمرة، التي كانت تحاول فك الحصار عن غزة.
وقتل تسعة من الأتراك الذين شاركوا فيها، واعرب العالم كله عن غضبه، وحثت اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة)، إسرائيل على تخفيف حصارها لغزة.
إنتاج محدود
وبعد سلسلة من المفاوضات المكثفة التي أجراها مبعوث الرباعية رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تم التوصل الى اتفاق يقضي بإجراء تغيير في سياسة حصار غزة، وسمحت إسرائيل باستيراد جميع البضائع الى غزة باستثناء عدد من المواد محددة في قائمة، وهي الاسمنت، ومواد يمكن ان تستخدم لأغراض عسكرية من قبل «حماس».
وعلى الرغم من التغير في السياسة، فقد ظل معبر كارني مغلقا، كما أن استيراد البضائع الى غزة وصل إلى أقل من 40٪، مما كان عليه قبل الحصار، وبلغ عدد الشاحنات التي تدخل القطاع 250 شاحنة يوميا، وتدفقت بضائع كانت ممنوعة، مثل الشوكولا وألعاب الأطفال والثلاجات وزجاج النوافذ، إلى داخل القطاع.
وكانت أخبار طيبة بالنسبة لسكان غزة، الذين يملكون القدرة على شراء مثل هذه البضائع، خصوصا ان البضائع الإسرائيلية أرخص ثمنا وأفضل نوعية من تلك التي كان يتم تهريبها عبر الأنفاق من مصر. وإضافة الى ما تقدم فإن بعض المواد الخام التي كانت ممنوعة مثل القماش لصناعة الألبسة سمح بدخولها الى القطاع، الأمر الذي سمح باستئناف بعض الإنتاج، وإن كان جزءاً يسيراً مما كان عليه قبل عام .2007
ولكن بالنسبة لبعض الشركات مثل مشغل أبودان، الذي أنشئ قبل عقود عدة، وتبلغ قيمته أكثر من مليون ونصف المليون دولار، ويعتبر اكبر مصنع من نوعه في غزة فإن تخفيف الحصار كانت له نتائج عكسية. ونظرا الى ان التصدير مازال محظورا، فإن العائلة اصبحت تواجه مصاعب كبيرة حتى من اجل بيع منتجاتها في السوق المحلية، بعد أن تم إغراقها ببضائع رخيصة مصنوعة في الصين، والتي تدخل عن طريق اسرائيل. وقال أبودان «إنهم يتحدثون عن تخفيف الحصار، ولكن ذلك يعني السماح بدخول بضائع مصنوعة جاهزة، ولا نستطيع منافستها، وصدقني الوضع بالنسبة لنا أصبح اكثر سوءا قبل تخفيف الحصار».
هجرة المصانع
وقبل الحصار كان يعمل في هذا المشغل نحو 250 موظفاً، وقد أسسه والد حسن عام 1989 (عبارة عن ماكينة خياطة واحدة في غرفة تابعة للمنزل)، وكان المشغل يعمل لمدة 350 يوما في السنة وحقق مبيعات بلغت مليون دولار في العام، على الرغم من التوقف الإجباري في بعض الأحيان والذي تفرضه سلطات الاحتلال. ونظرا الى الأرباح الكبيرة التي حققها المشغل، فقد تمكن خلال فترة الحصار من استيراد مواد خام مرتفعة الثمن من مصر، من أجل سد حاجة السوق المحلية، حيث يعمل نحو 90 يوما في السنة.
وأضاف أبودان أن عدد العمال الذين يعملون لديه الآن لا يتعدى العمال السبعة، (ويتوقع أن تبلغ مبيعاته 7000 دولار فقط) .
ونظرا إلى تدهور الوضع بالنسبة لمعظم الشركات في غزة، فقد نقل والد حسن عمله الى الأردن قبل نحو عام، ويعمل في منشأته الآن نحو 50 موظفا، جلهم من الهنود. ويقول حسن «إذا طلب مني الانضمام إليه، فلن أتردد أبدا».
وطبقا لما يقوله مدير اتحاد الصناعيين الفلسطينيين في غزة عمر حمد، فإن حالة أبودان لا تتوقف على هذه العائلة، وإنما تنسحب على معظم الصناعات في القطاع، مع وجود تحسن طفيف في قطاع صناعة البلاستيك، إذ إن هناك نحو 675 شركة تعمل بصورة غير متواصلة، ويعمل بها نحو 6000 عامل، بعد أن كان عدد هذه الشركات ،1600 ويعمل بها 35 ألف عامل، وتعتبر سوق غزة محدودة جدا، خصوصا ان الفقر المدقع يسود القطاع، وطبقا لما تقوله وكالات الأمم المتحدة، فإن 80٪ من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات.
وهناك من يقول إنه يتعين على القطاع الصناعي في غزة أن يركز على الأسواق المحلية، حيث ينافس البضائع الإسرائيلية، ولكن حمد يقول إننا كيان اقتصادي صغير، اعتاد دائما العمل مع اقتصاد قوي هو اسرائيل». ويضيف أن هناك أولويتين مهمتين تتمثلان في إعادة حق التصدير إلى غزة، الذي كانت تعتمد عليه سابقا، والسماح باستيراد الاسمنت ومواد البناء الأخرى.